من فضائل وخصائص نبينا صلى الله عليه وسلم
من فضل الله على أمتنا أن بعث فيهم خيرَ رسله، وأفضل خَلْقه محمداً ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فهو الرسول المُصطفى، والنبي المُجْتَبَى، ختم الله به أنبياءه، واختصه دون غيره من الرسل بفضائل وخصائص كثيرة، تشريفا وتكريما له، مما يدل على جليل قدره وعلو منزلته عند ربه، قال الله تعالى: { تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ }(البقرة من الآية: 253).
قال الزمخشري: " { وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ } أي: ومنهم من رفعه على سائر الأنبياء، فكان بعد تفاوتهم في الفضل أفضل منهم بدرجات كثيرة، والظاهر أنه أراد محمدا - صلى الله عليه وسلم - لأنه هو المُفَّضَّل عليهم، حيث أوتِيَ ما لم يؤته أحد من الآيات المتكاثرة المرتقية إلى ألف آية وأكثر، ولوْ لم يؤت إلا القرآن وحده لكفى به فضلا منيفا على سائر ما أوتي الأنبياء، لأنه المعجزة الباقية على وجه الدهر دون سائر المعجزات، وفي هذا الإبهام من تفخيم فضله وإعلاء قدره ما لا يخفى، لما فيه من الشهادة على أنه العَلَم الذي لا يُشتبه، والمُتَميز الذي لا يلتبس ".
ومن المعلوم أن من فوائد دراسة السيرة النبوية معرفة فضائل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، التي هي من أهم وسائل تحقيق محبته في قلوبنا وقلوب أبنائنا، فمن خلالها نعرف قدْره ـ صلى الله عليه وسلم ـ وشرفه وعلو منزلته.
قال محمد بن الحسين: " قبيح بالمسلمين أن يجهلوا معرفة فضائل نبيهم ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وما خصه الله ـ عز وجل ـ به من الكرامات والشرف في الدنيا والآخرة ".
وفضائل وخصائص النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ التي جمعها العلماء من القرآن الكريم والسيرة النبوية كثيرة جدا، ومنها:
- مدْح الله ـ عز وجل ـ وثناؤه على حسن صفاته، وعظيم أخلاقه ـ صلى الله عليه وسلم ـ، ومنها رحمته التي تميز بها، وبُعِث لأجلها، فقال سبحانه: { وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ }(القلم الآية: 4)، وقال تعالى: { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ) [الأنبياء: 107]، ولذا كان ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ يقول: ( إِنَّمَا أنا رحمة مُهْدَاة ) رواه الحاكم.
ـ ومنها: أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ خليل الرحمن، وهذه الفضيلة لم تثبت لأحد غير نبينا وإبراهيم الخليل عليهما ـ الصلاة والسلام ـ، فعن عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (ألا إني أبرأ إلى كل خل من خله، ولو كنت متخذاً خليلاً، لاتخذت أبا بكر خليلا، إن صاحبكم خليل الله ) رواه مسلم.
ـ ومن هذه الفضائل التي أكرم الله ـ عز وجل ـ بها نبينا ـ صلى الله عليه وسلم ـ رعايته له، وعنايته به من قبل بعثته بالنبوة، بل منذ ولادته، لقوله تعالى: { أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآَوَى * وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى * وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى }(الضحى الآية: 6: 8).
ـ ومنها أن الله ـ عز وجل ـ رفع له ذكره في الدنيا والآخرة، كما قال تعالى: { وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ }(الشرح الآية: 4)، قال ابن كثير: " قال مجاهد: لا أُذكر إلا ذكِرْتَ معي، أشهد ألا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله ".
وقال القرطبي: " وروي عن الضحاك عن ابن عباس قال: " يقول له: ما ذُكِرْتُ إلا ذكِرْتَ معي في الأذان، والإقامة والتشهد، ويوم الجمعة على المنابر، ويوم الفطر، ويوم الأضحى، وأيام التشريق، ويوم عرفة وعند الجمار، وعلى الصفا والمروة، وفي خطبة النكاح، وفي مشارق الأرض ومغاربها ".
وقال قتادة: " رفع الله ذكره في الدنيا والآخرة فليس خطيب ولا متشهّد ولا صاحب صلاة إلا ينادي بها أشهد ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ".. وقال حسان بن ثابت ـ رضي الله عنه ـ:
ضمَ الإله اسم النبي إلى اسمهِ إذا قال في الخمسِ المـؤذن: أشهـدُ
وشـق له مـن اسـمه لـيُـجِلَّـه فـذو العـرشِ محمودٌ وهـذا محمدُ
ـ ومن فضائله وخصائصه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه سيد ولد بني آدم، وأشرف الخلق، وأول من تنشق عنه الأرض، وأول من يشفع، وأنه أرسل للناس كافة، فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم: ( أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وأول من ينشق عنه القبر، وأول شافع، وأول مشفع ) رواه مسلم، وعن ابن عمر ـ رضي الله عـنه ـ قال: ( إن الناس يصيرون يوم القيامة جثا (جالسين على ركبهم)، كل أمة تتبع نبيها، يقولون يا فلان اشفع، يا فلان اشفع، حتى تنتهي الشفاعة إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فذلك يوم يبعثه الله المقام المحمود ) رواه البخاري.
وعن العباس ـ رضي الله عنه ـ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ( أنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، إن الله تعالى خلق الخلق، فجعلني في خيرهم، ثم جعلهم فرقتين، فجعلني في خيرهم فرقة، ثم جعلهم قبائل، فجعلني في خيرهم قبيلة، ثم جعلهم بيوتا، فجعلني في خيرهم بيتا، فأنا خيركم وخيركم نفسا )رواه أحمد وصححه الألباني.
وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: ( فُضِّلْتُ على الأنبياء بست: أُعْطِيتُ جوامع الكلم، ونصرت بالرعب، وَأُحِلّتْ لي الغنائم، وَجُعِلَتْ لي الأرض طهوراً ومسجداً، وَأُرْسِلْتُ إلى الخلق كافة، وخُتِم بي النبيون ) رواه مسلم.
ـ ومن فضائله ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ أنه خَاتَمَ النَّبِيِّين وأفضلهم، لقول الله تعالى: { مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ }(الأحزاب الآية: 40)، وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال أبو القاسم ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( مَثَلِي وَمَثَلُ الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتا فأحسنه وأجمله إلا موضع لَبِنَةٍ من زاوية من زواياه، فجعل الناس يطوفون به ويَعجبون له ويقولون: هلَّا وُضِعت هذه اللبنة!، قال: فأنا اللبنة، وأنا خاتم النبيين ) رواه مسلم.
فنبينا ـ صلى الله عليه وسلم ـ خاتم النبييين وأفضلهم، والأنبياء جميعا ـ عليهم السلام ـ لو قّدِّر لهم أن يجتمعوا في وقت واحد ويعاصروه ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ ما وسِعَهم إلا أن يؤمنوا به ويتبعوه، فقد قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ لعمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ: ( لقد جئتكم بها بيضاء نقية، ولو كان موسى حيّا ما وسعه إلّا اتّباعي ) رواه أحمد، وفي رواية أخرى: ( لو كان أخي موسى حيا ما وسعه إلا اتباعي ).
يقول السعدي: " فكل الأنبياء لو أدركوا محمدا ـ صلى الله عليه وسلم ـ لوجب عليهم الإيمان به واتباعه ونصرته، وكان هو إمامهم ومقدمهم ومتبوعهم ".
ـ ومن هذه الفضائل التي أكرم الله ـ عز وجل ـ بها نبينا ـ صلى الله عليه وسلم ـ: أنه أول من يدخل الجنة، فعن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( آتي باب الجنةِ يوم القيامة فأستفتِحُ، فيقولُ الخازِنُ: مَنْ أنت؟، فأقول: محمدٌ، فيقول: بك أُمرتُ لا أفتحَ لأحدٍ قبلَك ) رواه مسلم، وفي رواية الطبراني: ( ولا أقوم لأحد بعدك )، فرضوان خازن الجنة لا يفتحها إلا لنبينا ـ صلى الله عليه وسلم ـ، ولا يفتحها لغيره من الأنبياء وغيرهم، وإنما يتولى ذلك غيره من الخزنة، وهي فضيلة عظيمة له ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ، وفيها إظهارلفضله وعلو منزلته.
ـ ومن عظيم فضائله وخصوصياته ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ: الشفاعة، والوسيلة والفضيلة وهي أعلى درجة في الجنة، لا ينالها إلا عبد واحد من عباد الله، وهو رسولنا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص ـ رضي الله عنه ـ أنه سمع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: ( إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا عليَّ، فإنه من صلى علي صلاة، صلى الله عليه بها عشرا، ثم سلوا الله لي الوسيلة، فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة ) رواه مسلم.
قال الحافظ ابن كثير: " الوسيلة " عَلَمٌ عَلَى أعلى منزلة في الجنة، وهي منزلة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وداره في الجنة، وهي أقرب أمكنة الجنة إلى العرش ".
وعن عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنه ـ قال: ( إن الناس يصيرون يوم القيامة جُثا (على ركبهم)، كل أمة تتبع نبيها يقولون: يا فلان اشفع، حتى تنتهي الشفاعة إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فذلك يوم يبعثه الله المقام المحمود ) رواه البخاري.
قال ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ: " المقام المحمود ": مقام الشفاعة ".
وقال ابن بطال: " والجمهور على أن المراد بالمقام المحمود الشفاعة "..
ولرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ شفاعات كثيرة، منها:شفاعته في استفتاح باب الجنة، وشفاعته في تقديم من لا حساب عليه لدخول الجنة، وشفاعته في ناس من الموحدين عندهم معاصٍ وذنوب استحقوا دخول النار ألا يدخلوها، وشفاعته في ناس موحدين دخلوا النار أن يخرجوا منها.
ـ ومن فضائل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وخصائصه الكوثر، وهو نهر عظيم وعده الله به في الجنة، وهو المراد في قول الله تعالى: { إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ }(الكوثر الآية: 1)، وعن أنس ـ رضي الله عنه ـ قال: ( بينما نحن عند ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ إذ غفا إغفاءة، ثم رفع رأسه متبسما فقلنا: ما أضحكك يا رسول الله؟، قال: نزلت عليَّ سورة فقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم { إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ } إلى آخرها، ثم قال: أتدرون ما الكوثر؟، قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: فإنه نهر وعدنيه ربي عليه خير كثير، وهو حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة )، وفي رواية الترمذي: ( الكوثر نهر في الجنة، حافتاه من ذهب، ومجراه على الدر والياقوت )، وفي رواية أحمد: ( ذاك نهر أعطانيه الله أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل ).
وعن سهل بن سعد ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (أنا فرطُكُمْ (سابقكم) على الحوض، من ورَدَه شرب منه، ومن شرب منه لم يظمأْ بعدَه أبداً ) رواه البخاري.
هذه بعض فضائل وخصائص نبينا ـ صلى الله عليه وسلم ـ، الذي اختاره الله ـ عز وجل ـ ليكون خاتم الرسل والنبيين، ورحمة للخلق أجمعين، فنسأل الله أن يجمعنا به، وألا يحرمنا شفاعته، وأن يسقينا من يده الشريفة شربة لا نظمأ بعدها أبدا.
مختارات