الصفة الثالثة عشر من صفات المؤمنين المتقين الإنفاق في السراء والضراء
وقد ذكر الله -تعالى- هذه الصفة من صفات المتقين الذين أعد لهم الجنة مع أوصاف أخرى، جزاء لهم على أعمالهم الطيبة الصالحة، مع وعدهم بالمغفرة من ربهم لذنوبهم، قال -تعالى-: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ.
ومعنى الإنفاق في السراء والضراء أي: في الشدة والرخاء، والمنشط والمكره، والصحة والمرض، وفي جميع الأحوال، كما قال -تعالى- في الآية الأخرى: الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً.
ثم ذكر جزاءهم فقال: فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ وقال -تعالى-: وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا فهم لا يشغلهم أمر عن طاعة الله، والإنفاق في محابه.
وقال -تعالى-: إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ ومراضيه، والإحسان إلى خلقه من قرابتهم وغيرهم بأنواع البر، كما قال -تعالى-: وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ.
وفي الصحيحين عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، فذكر منهم رجلا تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه.
وفي الحديث القدسي يقول الله -تعالى-: أنفق يا ابن آدم ينفق عليك متفق عليه، من حديث أبي هريرة وقد قال الله -تعالى- في كتابه العظيم: وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ وقال -تعالى-: وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ وقال -تعالى-: وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ.
وعن ابن مسعود -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالًا فسلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله حكمة، فهو يقضي بها ويعلمها أخرجه البخاري ومسلم
ومعنى الحديث: ينبغي أن لا يغبط أحد إلا على هاتين الخصلتين، وعن عدي بن حاتم -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: اتقوا النار، ولو بشق تمرة أخرجه البخاري ومسلم
وعن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله؟ قالوا: يا رسول الله، ما منا أحد إلا ماله أحب إليه، قال: فإن ماله ما قدم، ومال وارثه ما أخر رواه البخاري
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان، فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقًا خلفًا، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكًا تلفًا رواه البخاري ومسلم
وقال -عليه الصلاة والسلام-: أربعون خصلة أعلاها منيحة العنز، ما من عامل يعمل بخصلة منها رجاء ثوابها وتصديق موعودها إلا أدخله الله -تعالى- بها الجنة رواه البخاري من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما.
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدًا يعفو إلا عزًا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله عز وجل رواه مسلم
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- أن رجلا سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أي الإسلام خير؟ قال: تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت، ومن لم تعرف متفق عليه.
وعن أسماء بنت أبي بكر الصديق -رضي الله عنها- قالت: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: لا توكي فيوكي الله عليك وفي رواية: أنفقي أو انفحي أو انضحي، ولا تحصي فيحصي الله عليك، ولا توعي فيوعي الله عليك متفق عليه ومعنى: انفحي بالحاء المهملة وكذا انضحي، معناه: أنفقي.
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: مثل البخيل والمنفق كمثل رجلين عليهما جنتان من حديد، من ثديهما إلى تراقيهما، فأما المنفق فلا ينفق إلا سبغت أو وقرت على جلده حتى تختفي بناه وتعفو أثره، وأما البخيل فلا يريد أن ينفق شيئًا إلا لزقت كل حلقة مكانها، فهو يوسّعها فلا تتّسع متفق عليه والجُنّة هي الدرع.
وقال -عليه الصلاة والسلام-: من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب - ويقبل الله إلا الطيب- فإن الله يقبلها بيمينه، ثم يربيها لصاحبها، كما يربي أحدكم فَلُوَّه حتى تكون مثل الجبل متفق عليه، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- والفلوّ: المهر، وقول: بعدل تمرة أي: بقيمتها.
مختارات