المُعين الخامس: قيام الليل
إن الليل -وخاصة وقت السحر- من أفضل الأوقات للتذكر، فالذاكرة تكون في أعلى مستوى بسبب الهدوء والصفاء، وبسبب بركة الوقت، وفتح أبواب السماء.
والقراءة في الليل يحصل معها الصفاء والهدوء، حيث لا أصوات تشغل الأذن، ولا صور تشغل العين، فيحصل التركيز التام، وهو يؤدي إلى وصول معاني القرآن
إلى القلب، فيحصل قوة التدبر والتفكر، وقوة الحفظ والرسوخ لألفاظ القرآن ومعانيه، مما يدل على كون القراءة في الليل أحد مفاتيح التدبر.
قال تعالى: { وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا } (79:الإسراء)
فدلت الآية على أن التهجد بالقرآن طريق للوصول إلى المقامات العالية في الآخرة، والآية خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ولأمته،
وإن كان مقامه صلى الله عليه وسلم أعلى من مقام بقية المؤمنين.
وقال تعالى:{ إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً } (6:المزمل)
قال ابن عباس رضي الله عنهما: " هو أجدر أن يفقه القرآن ".
ومعنى ناشئة الليل: أي القيام بعد النوم، وبه يجتمع راحة البدن والروح، فيحصل بذلك اجتماع القلب على قراءة القرآن وتدبره،
أما القراءة حين التعب والإجهاد فإن التدبر والفهم يكون ضعيفًا.
ويقول ابن حجر - عن مدارسة جبريل عليه السلام لرسول الله صلى الله عليه وسلم في كل ليلة من رمضان -:
" المقصود من التلاوة الحضور والفهم، لأن الليل مظنة ذلك؛ لما في النهار من الشواغل والعوارض الدنيوية والدينية " اهـ فتح الباري ج9/ص45.
وقال الحسن بن علي رضي الله عنهما:
" إن من كان قبلكم رأوا القرآن رسائل من ربهم، فكانوا يتدبرونها بالليل، ويتفقدونها في النهار ".
مختارات