" القناعـة "
" القناعـة "
الترغيب في القناعة:
#### أولًا: في القرآن الكريم:
- قال تعالى: " مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ " [النحل: 97].
عن محمد بن كعبٍ في قوله تعالى: " وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً " قال: القناعة [القناعة والتعفف،لابن أبى الدنيا].
وفسَّرها علي بن أبي طالب رضي الله عنه أيضًا بالقناعة [انظر:تفسير القرآن العظيم].
و(عن الحسن البصري، قال: الحياة الطيبة: القناعة) [جامع البيان،للطبرى].
- وقال تعالى: " إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ " [النور: 32].
قال البغوي: (قيل: الغنى: هاهنا القناعة) [معالم التأويل] وذهب إلى ذلك أيضًا الخازن [لباب التأويل].
- وقال سبحانه: " وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ " [الحج: 36].
قال الطبري: (وأما القانع الذي هو بمعنى المكتفي؛ فإنه من قنعت بكسر النون أقنع قناعة وقنعًا وقنعانًا) [جامع البيان،للطبرى].
وقال مجاهد: (القانع: جارك الذي يقنع بما أعطيته) [جامع البيان،للطبرى].
وقال أبو إسحاق الثعلبي: (القانع من القناعة، وهي الرضا والتعفف وترك السؤال) [الكشف والبيان للثعلبى].
وقال الرازي: (قال الفراء: والمعنى الثاني القانع هو الذي لا يسأل من القناعة، يقال: قنع يقنع قناعةً إذا رضي بما قسم له وترك السؤال) [مفاتيح الغيب،للرازى].
#### ثانيًا: في السنة النبوية:
- عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قا ل: (قد أفلح من أسلم، ورُزق كفافًا، وقنَّعه الله) [رواه مسلم].قال ابن حجر: (ومعنى الحديث: أن من اتصف بتلك الصفات حصل على مطلوبه، وظفر بمرغوبه في الدنيا والآخرة) [فتح البارى]..
وقال المناوي: (رُزق كفافًا، وقنَّعه الله بالكفاف، فلم يطلب الزيادة) [فيض القدير].
- وعن أبي هريرة رضي الله عنه (أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يومًا يحدث - وعنده رجلٌ من أهل البادية - أنَّ رجلًا من أهل الجنة استأذن ربه في الزرع، فقال له: ألست فيما شئت؟ قال: بلى، ولكني أحبُّ أن أزرع، قال: فبذر، فبادر الطرف نباته واستواؤه واستحصاده، فكان أمثال الجبال، فيقول الله عزَّ وجلَّ: دونك يا ابن آدم، فإنَّه لا يشبعك شيءٌ، فقال الأعرابي: والله لا نجده إلا قرشيًّا، أو أنصاريًّا، فإنهم أصحاب زرعٍ، وأما نحن فلسنا بأصحاب زرعٍ،فضحك النبي صلى الله عليه وسلم) [رواه البخارى].
قال ابن بطال: (وقوله: دونك يا ابن آدم، لا يشبعك شيء،يدلُّ على فضل القناعة، والاقتصار على البلغة، وذمِّ الشَّرَهِ والرغبة) [شرح البخارى].
وقال ابن حجر: (وفيه إشارةٌ إلى فضل القناعة، وذمِّ الشَّرَهِ) [فتح البارى].
- وقال صلى الله عليه وسلم: (اللهمَّ اجعل رزق آل محمدٍ قُوتًا) [رواه مسلم].
قال ابن حجر: (أي: اكفهم من القوت بما لا يرهقهم إلى ذلِّ المسألة، ولا يكون فيه فضولٌ تبعث على الترفُّه والتبسُّط في الدنيا، وفيه حجةٌ لمن فضَّل الكفاف؛ لأنَّه إنما يدعو لنفسه وآله بأفضل الأحوال) [فتح البارى].
وقال النووي: (قال أهل اللغة العربية: القُوت ما يسدُّ الرَّمَق، وفيه فضيلة التقلل من الدنيا، والاقتصار على القوت منها، والدعاء بذلك) [شرح النووى على صحيح مسلم].
#### أقوال السلف والعلماء في القناعة:
- (قال عبد الله بن عباس: القناعة مال لا نفاد له) [ذكره ابن عبد ربه فى العقد الفريد].
- (وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه، الرزق رزقان: فرزق تطلبه، ورزق يطلبك، فإن لم تأته أتاك) [ذكره ابن عبد ربه فى العقد الفريد].
- (وقال سعد بن أبي وقاص لابنه: يا بني: إذا طلبت الغنى فاطلبه بالقناعة، فإنها مال لا ينفد؛ وإياك والطمع فإنه فقر حاضر؛ وعليك باليأس، فإنك لم تيأس من شيء قطُّ إلا أغناك الله عنه) [رواه ابن عساكر فى تاريخ دمشق].
- و(قال عمر بن عبد العزيز: الفقه الأكبر القناعة، وكفُّ اللسان) [أدب المجالسة وحمد اللسان،لابن عبد البر].
- و(عن أبي سليمان أنه قال: سمعت أختي تقول: الفقراء كلهم أموات إلا من أحياه الله تعالى بعزِّ القناعة، والرضا بفقره) [صفة الصفوة،لابن الجوزى].
- (وكان محمد بن واسع يبل الخبز اليابس بالماء ويأكل ويقول: من قنع بهذا لم يحتج إلى أحد) [إحياء علوم الدين].
#### من فوائد القناعة:
1- سبب لنيل محبة الله.
2- علامة كمال الإيمان.
3- تجعل الإنسان يعيش حياة هنيئة طيبة.
4- تشيع المودة، وتنشر المحبة بين الناس.
5- تكسب الإنسان قوة الإيمان، والثقة به، والرضا بما قسم.
6- سبيل لراحة النفس، والبعد عن الهموم.
7- وقاية من الغيبة،والنَّمِيمَة، والحسد.
8- طريق موصل إلى الجنة.
9- سبب للبركة.
10- عز للنفس.
#### من مراتب القناعة:
قال الماوردي: (والقناعة قد تكون على ثلاثة أوجهٍ:
فالوجه الأول: أن يقنع بالبلغة من دنياه، ويصرف نفسه عن التعرُّض لما سواه،وهذا أعلى منازل القناعة.
والوجه الثاني: أن تنتهي به القناعة إلى الكفاية، ويحذف الفضول والزيادة. وهذه أوسط حال المقتنع.
والوجه الثالث: أن تنتهي به القناعة إلى الوقوف على ما سنح، فلا يكره ما أتاه وإن كان كثيرًا، ولا يطلب ما تعذَّر وإن كان يسيرًا، وهذه الحال أدنى منازل أهل القناعة؛ لأنها مشتركةٌ بين رغبةٍ ورهبةٍ، أما الرغبة؛ فلأنه لا يكره الزيادة على الكفاية إذا سنحت، وأما الرهبة؛ فلأنه لا يطلب المتعذر عن نقصان المادة إذا تعذرت) [أدب الدنيا والدين،للماوردى].
#### من موانع اكتساب القناعة:
1- الإكثار من مجالسة ذوي الأموال والمترفين.
2- طلب الزيادة عن الكفاية، والتوسع في جمع الأموال.
3- ترك قراءة القرآن الكريم وتدبُّر آياته.
4- قلة تذكر الموت والدار الآخرة.
الأسباب المعينة على اكتساب القناعة:
1- اكتفاء الإنسان بما رُزق.
2- الاطلاع على سيرة السلف الصالح، وزهدهم وقناعتهم، والاقتداء بهم.
3- الاقتصاد في الإنفاق، وعدم الإسراف والتبذير.
4- الإلحاح في الدعاء بأنَّ يرزقه الله القناعة، كما فعل ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم.
5- الإيمان الجازم بأنَّ الأرزاق مقدرة مقسومة.
6- تعويد النفس على القناعة، والبعد عن الحرص والطمع.
7- تقوية الإيمان بالله تعالى.
8- تذكر الموت وزيارة القبور.
#### نماذج من قناعة النبي صلى الله عليه وسلم:
كان النبي صلى الله عليه وسلم قنوعًا زاهدًا، فكان من أبعد الناس عن ملذات الدنيا، وأرغبهم إلى الآخرة، وقد خيره ربه جلَّ وعلا بين الدنيا، وأن يعيش فيها ما شاء، وبين الآخرة، فاختار الآخرة وما عند الله، وخيَّره أن يكون ملكًا نبيًّا أو عبدًا نبيًّا، فاختار أن يكون عبدًا نبيًّا.
- قال عمر رضي الله عنه: (دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مضطجعٌ على حصيرٍ، فجلست، فأدنى عليه إزاره وليس عليه غيره، وإذا الحصير قد أثر في جنبه، فنظرت ببصري في خزانة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا أنا بقبضةٍ من شعيرٍ نحو الصاع، ومثلها قرظًا في ناحية الغرفة، وإذا أفيقٌ معلقٌ، قال: فابتدرت عيناي، قال: ما يبكيك يا ابن الخطاب؟ قلت: يا نبي الله، وما لي لا أبكي وهذا الحصير قد أثَّر في جنبك، وهذه خزانتك لا أرى فيها إلا ما أرى، وذاك قيصر وكسرى في الثمار والأنهار، وأنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصفوته، وهذه خزانتك، فقال: يا ابن الخطاب، ألا ترضى أن تكون لنا الآخرة ولهم الدنيا؟ قلت: بلى...) [رواه البخارى ومسلم واللفظ له].
- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اللهم ارزق آل محمد قوتًا) [رواه مسلم].
- وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أدم وحشوه ليف) [رواه الخارى ومسلم واللفظ للبخارى].
#### نماذج من قناعة الصحابة رضي الله عنهم:
- عن أبي العالية: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من يكفل لي أن لا يسأل أحدًا شيئًا، وأتكفل له بالجنة؟ فقال ثوبان: أنا، فكان لا يسأل أحدًا شيئًا) [صححه الألبانى فى صحيح سنن أبى داود].
- وعن أبي هريرة، قال: (لقد رأيت سبعين من أصحاب الصفة ما منهم رجلٌ عليه رداءٌ، إما إزارٌ وإما كساءٌ، قد ربطوا في أعناقهم، فمنها ما يبلغ نصف الساقين، ومنها ما يبلغ الكعبين، فيجمعه بيده، كراهية أن تُرى عورته) [رواه البخارى].
قال الحافظ ابن حجر: (قوله: لقد رأيت سبعين من أصحاب الصفة، يُشعر بأنهم كانوا أكثر من سبعين، وهؤلاء الذين رآهم أبو هريرة غير السبعين الذين بعثهم النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة بئر معونة، وكانوا من أهل الصفة أيضًا، لكنهم استشهدوا قبل إسلام أبي هريرة) [فتح البارى].
#### نماذج في القناعة عند السلف:
- (ورث داود الطائي من أبيه دارًا ودنانير، فكان كلما خرب في الدار بيت انتقل إلى غيره ولم يعمره، ولم يزل يتقوت بالدنانير حتى كفن في آخرها) [ربيع الأبرار،للزمخشرى].
- (وقال زمعة بن صالحٍ: كتب إلى أبي حازمٍ بعض بني أمية يعزم عليه إلا رفع إليه حوائجه، فكتب إليه: أما بعد، فقد جاءني كتابك تعزم علي أن أرفع إليك حوائجي، وهيهات، قد رفعت حوائجي إلى ربي، ما أعطاني منها قبلت، وما أمسك علي منها قنعت) [القناعة،لابن السنى].
#### مواعظ حول القناعة:
موعظة عمر بن عبد العزيز في القناعة:
(قال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: من وعظ أخاه بنصيحةٍ له في دينه، ونظر له في صلاح دنياه، فقد أحسن صلته، وأدى واجب حقه، فاتقوا الله، فإنها نصيحةٌ لكم في دينكم فاقبلوها، وموعظةٌ منجيةٌ من العواقب فالزموها، فالرزق مقسومٌ، ولن يعدو المرء ما قسم له، فأجملوا في الطلب، فإنَّ في القنوع سعةً وبلغةً، وكفًّا عن كَلَفةٍ، لا يحل الموت في أعناقكم، وجهته أيامكم، وما ترون ذاهبٌ، وما مضى كأن لم يكن، وكل ما هو آتٍ قريبٌ، أما رأيتم حالات المنيب وهو يشرف ويعد فراغه، وقد ذاق الموت وعائلهم تعجيل إخراج أهله إياه من داره إلى قبره، وسرعة انصرافهم إلى مسكنه، وجهه مفقودٌ، وذكره منسي، وبابه عن قليلٍ مهجورٌ، كأن لم يخالط إخوان الحفاظ، ولم يعمر الديار، فاتقوا يومًا لا تخفى فيه مثقال حبةٍ في الموازين) [القناعة والتعفف،لابن أبى الدنيا].
#### أقوال الأدباء والحكماء في القناعة:
- قال أكثم بن صيفي: من باع الحرص بالقناعة ظفر بالغنى والثروة.
- وقال بعض الحكماء: ما فوق الكفاف إسرافٌ.
- وقال بعض البلغاء: من رضي بالمقدور قنع بالميسور) [أدب الدنيا والدين،للماوردى].
- (وقال بعض الحكماء: الرضى بالكفاف يؤدي إلى العفاف) [أدب الدنيا والدين،للماوردى].
مختارات