آفة الغضب
قال الله تعالى: {وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٣٦) وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (٣٧)} [الشورى: ٣٦، ٣٧].
الغضب: هو غليان دم القلب طلباَ للانتقام.
وقوة الغضب محلها القلب، وإنما تتوجه هذه القوة عند ثورانها إلى دفع المؤذيات قبل وقوعها، وإلى التشفي والانتقام بعد وقوعها، والانتقام قوت هذه القوة وشهوتها وفيه لذتها، ولا تسكن إلا به.
والغضب شعلة نار من نار الله الموقدة، وهي مستكنَّة في الفؤاد، ويستخرجها الكبر الدفين في قلب كل جبار عنيد كاستخراج الحجر النار من الحديد، والشيطان أقدر ما يكن على ابن آدم حين يغضب.
ومن نتائج الغضب الحقد والحسد، وبهما هلك من هلك، وفسد من فسد.
والحلم مفتاح كل خير، والغضب مفتاح كل شر، يصير صاحبه إلى ذلة الاعتذار.
وقد خلق الله سبحانه طبيعة الغضب من النار، وغرزها في الإنسان، فمهما صد عن غرض من أغراضه وحوائجه اشتعلت نار الغضب، وثارت ثوراناً يغلي به دم القلب، ثم ينتشر في العروق، ثم يرتفع إلى أعالي البدن كما ترتفع النار، وكما يرتفع الماء الذي يغلي في القدر، فلذلك ينصب إلى الوجه فيحمر الوجه والعين، والبشرة لصفائها تحكي لون ما ورائها من حمرة الدم.
وإنما ينبسط الدم وينتشر إذا غضب الإنسان على من دونه، واستشعر القدرة عليه، فإن صدر الغضب على من فوقه، وكان معه يأس من الانتقام، تولد منه انقباض الدم من ظاهر الجلد إلى جوف القلب، وصار حزناً، ولذلك يصفر اللون.
وإن كان الغضب على نظير يشك فيه تردد الدم بين انقباض وانبساط، فيحمرويصفر ويضطرب.
والناس في الغضب على ثلاث درجات:
تفريط.. وإفراط.. واعتدال.
أما التفريط: فبفقد هذه القوة أو ضعفها وذلك مذموم، فمن فقد قوة الغضب والحمية أصلاً فهو ناقص جداً، وقد وصف الله رسوله والمؤمنين معه بالشدة والحمية كما قال سبحانه: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح: ٢٩].
وأما الإفراط: فهو أن تغلب صفة الغضب حتى تخرج عن سياسة الدين وطاعته، ولا يبقى للمرء معها بصيرة ونظر.
وإذا اشتدت نار الغضب وقوى اضطرامها أَعْمَت صاحبها، وأَصَمَّته عن كل موعظة، فإذا وعظه أحد لم يسمع له، بل زاده ذلك غضباً، فينطفئ نور العقل من دخان الغضب.
فمعدن الفكر الدماغ، ويتصاعد عند شدة الغضب من غليان دم القلب دخان مظلم إلى الدماغ يستولي على معادن الفكر، وربما يتعدى إلى معادن الحس فتظلم عينه حتى لا يرى بعينه، وتسود عليه الدنيا بأسرها.
ومن آثار هذا الغضب في الظاهر:
تغير اللون.. وشدة الرعدة في الأطراف.. واضطراب الحركة والكلام.. وخروج الأفعال والحركات عن المعتاد.. حتى يظهر الزبد على الأشداق.. وتحمر الأحداق.
وقبح باطن الغضبان أعظم من قبح ظاهره، فإن الظاهر عنوان الباطن، وإنما قبحت صورة الباطن أولاً، ثم انتشر قبحها إلى الظاهر ثانياً.
وأما أثره في اللسان، فانطلاقه بالشتم والفحش من الكلام الذي يستحي منه ذو العقل الرشيد.
وأما أثر الغضب على الأعضاء فالضرب والتهجم، والتمزيق والقتل والجرح عند التمكن من غير مبالاة، فإن هرب منه المغضوب عليه، أو عجز عن التشفي منه، رجع الغضب على صاحبه فمزق ثوبه، ولطم نفسه، أو سقط على الأرض، أو كسر ما بيده، ونحو ذلك مما هو واقع.
وأما أثره في القلب على المغضوب عليه فالحقد عليه، والحسد له، وإضمار السوء، والشماتة بالمساءات، والحزن بالسرور، والعزم على إفشاء السر، وهتك الستر، وغير ذلك من القبائح.
فهذه مضار الغضب المفرط.
وأما مضار الحمية الضعيفة فقلة الأنفة مما يؤنف منه من التعرض للمحارم والزوجة، واحتمال الذل من الأخساء، وعدم الغيرة على الحرام.
وأما الاعتدال: فالمحمود من الغضب هو الغضب الذي ينتظر إشارة العقل والدين، فينبعث حيث تجب الحمية، وينطفئ حيث يحسن الحلم، وحفظه على حد الاعتدال هو الاستقامة التي كلف الله بها عباده، وهو الوسط بين الطرفين.
فمن مال غضبه إلى الفتور، حتى أحس من نفسه بضعف الغيرة، وخسة النفس في احتمال الذل والضيم في غير محله، فينبغي أن يعالج نفسه حتى يقوى غضبه.
ومن رقا غضبه إلى الإفراط حتى جره إلى التهور، واقتحام الفواحش، فينبغي أن يعالج نفسه ليُنْقِص من سَوْرة الغضب، ويقف على الوسط الحق بين الطرفين، فهو الصراط المستقيم، وهو أدق من الشعرة، وأحد من السيف، فإن عجز عنه فليطلب القرب منه كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ، إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ» متفق عليه (١).
فليس مَنْ عجز عن الإتيان بالخير كله ينبغي أن يأتي بالشر كله، ولكن بعض الشر أهون من بعض، وبعض الخير أرفع من بعض. عند التمكن من غير مبالاة، فإن هرب منه المغضوب عليه، أو عجز عن التشفي منه، رجع الغضب على صاحبه فمزق ثوبه، ولطم نفسه، أو سقط على الأرض، أو كسر ما بيده، ونحو ذلك مما هو واقع.
وأما أثره في القلب على المغضوب عليه فالحقد عليه، والحسد له، وإضمار السوء، والشماتة بالمساءات، والحزن بالسرور، والعزم على إفشاء السر، وهتك الستر، وغير ذلك من القبائح.
فهذه مضار الغضب المفرط.
وأما مضار الحمية الضعيفة فقلة الأنفة مما يؤنف منه من التعرض للمحارم والزوجة، واحتمال الذل من الأخساء، وعدم الغيرة على الحرام.
وأما الاعتدال: فالمحمود من الغضب هو الغضب الذي ينتظر إشارة العقل والدين، فينبعث حيث تجب الحمية، وينطفئ حيث يحسن الحلم، وحفظه على حد الاعتدال هو الاستقامة التي كلف الله بها عباده، وهو الوسط بين الطرفين.
فمن مال غضبه إلى الفتور، حتى أحس من نفسه بضعف الغيرة، وخسة النفس في احتمال الذل والضيم في غير محله، فينبغي أن يعالج نفسه حتى يقوى غضبه.
ومن رقا غضبه إلى الإفراط حتى جره إلى التهور، واقتحام الفواحش، فينبغي أن يعالج نفسه ليُنْقِص من سَوْرة الغضب، ويقف على الوسط الحق بين الطرفين، فهو الصراط المستقيم، وهو أدق من الشعرة، وأحد من السيف، فإن عجز عنه فليطلب القرب منه كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ، إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ» متفق عليه (١).
فليس مَنْ عجز عن الإتيان بالخير كله ينبغي أن يأتي بالشر كله، ولكن بعض الشر أهون من بعض، وبعض الخير أرفع من بعض.
والإنسان إذا أُخذ منه محبوبه غضب لا محالة، وإذا قُصد بمكروه غضب لا محالة، فمن قُصد بدنه بالضرب والجرح فلا بد وأن يغضب، وكذلك إذا أُخذ منه ثوبه أو ماله أو طعامه فلا بد أن يغضب.
فهذه ضرورات لا يخلو الإنسان من كراهة زوالها، ومن غضبٍ على من يتعرض لها.
والطريق للخلاص من نار الغضب محو حب الدنيا من القلب، وذلك بمعرفة آفات الدنيا وغوائلها.
مختارات