آفة الحسد
قال الله تعالى: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا (٥٤)} [النساء: ٥٤].
وقال الله تعالى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (١) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (٢) وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (٣) وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (٤) وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ (٥)} [الفلق: ١ - ٥].
أصل الحسد العداوة، وأصل العداوة التزاحم على غرض واحد، والغرض الواحد لا يجمع متباعدين، بل لا يجمع إلا متناسبين كالتجار والصناع والزراع، والعلماء والأمراء ونحوهم.
وأهم أسباب الحسد:
إما العداوة والبغضاء، فإن آذاه إنسان أبغضه، وغضب عليه، وأحب ضرره.
وإما التعزز، فإذا نال الإنسان منصباً ترفع على غيره، فيحسده ذلك الغير، ويتمنى زوال ذلك المنصب عنه.
أو يكون في طبيعته أن يستخدم غيره، فيريد زوال النعمة عنه ليستخدمه.
وقد يكون سببه الخوف من فوت المقاصد، وذلك يحصل بين المتزاحمين على مقصود واحد، ومنه تحاسد الضرات على مقاصد الزوجية، وتحاسد الأولاد في كسب ود الآباء، وتحاسد أصحاب المهن عليها.
أو يكون سببه حب الرياسة وطلب الجاه كأن يسمع عن شجاع أو عالم أو والٍ فيتمنى زوال النعمة عنه، ويحسده ليظفر بتلك النعمة.
أو يكون سببه شح النفس بالخير على عباد الله من علم أو مال أو غيرهما، فإن ذكر له شر فرح به، وإن ذكر خير ساءه.
وهذا من خبث النفس، وقد تجتمع هذه الأسباب أو بعضها في شخص واحد فيعظم ضرره. وزوال الحسد بأمرين: بالعلم.. والعمل.
أما العلم فهو أن تعلم أن الحسد ضرر عليك في الدين والدنيا، وليس على المحسود ضرر، بل ينتفع به في الدين والدنيا.
أما ضرره عليك في الدين، فإنك بالحسد كرهت حكم الله، ونازعته في قسمة رزقه بين عباده، وشاركت إبليس وسائر الكفرة في محبتهم للبلايا للمؤمنين، وستنال العقاب العظيم عليه يوم القيامة.
وضرره عليك في الدنيا: أنك بالحسد تتعذب، وتكون في الغم والكدر كلما رأيت نعمة على من تحسد، وهذا يمرض بدنك، وينغص عليك لذة المطعم والمشرب.
والمحسود لا ضرر عليه في دينه ودنياه، فما قدر الله كائن لا محالة، وهو مأجور في حال السراء والضراء.
وأما أن المحسود ينتفع به في الدين فهو أنه مظلوم من جهتك، لا سيما إذا أخرجت الحسد إلى القول أو الفعل بالغيبة وذكر مساوئه.
فهذه هدايا يهديها الله إليه من حسناتك.
وحسد الحاسد يدل على اختصاص المحسود بفضل الله ونعمه، فهو مذكر له بفضل الله فليحمد الله.
أما العمل النافع الذي يزول به الحسد فهو أن يأتي بالأعمال المضادة لمقتضيات الحسد، فإن حمله الحسد على ذمه مَدَحَه، وإن حمله على التكبر عليه تواضع له، وإن حمله على إيذائه أحسن إليه، وإن حمله على الدعاء عليه دعا له.. وهكذا.
مختارات