آفة اللسان
قال الله تعالى: {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (١١٤)} [النساء: ١١٤].
وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (١١)}... [الحجرات: ١١].
الله عزَّ وجلَّ خلق الإنسان في أحسن تقويم، وعلَّمه البيان، وأفاض على قلبه خزائن العلوم فأكمله، ثم أمده بلسان يترجم به عما حواه قلبه وعقله.
واللسان من نعم الله العظيمة، فهو صغير جرمه، عظيم نفعه، وعظيم جُرمه، رحب الميدان:
له في الخير مجال رحب.. وله في الشر مجال رحب.
فمن أطلق عذبة اللسان، وأهمله مرخي العنان، سلك به الشيطان في كل ميدان، وساقه إلى شفا جرف هار، إلى أن يضطره إلى البوار، ولا يكب الناس على مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم.
ولا ينجو من شر اللسان إلا من قيده بلجام الشرع، فلا يطلقه إلا فيما ينفعه في الدنيا والآخرة.
وأعصى الأعضاء على الإنسان اللسان، فإنه لا تعب في إطلاقه، ولا مؤنة في تحريكه، وأكثر الأخطار والشرور من طريقه.
فخطر اللسان عظيم، ولا نجاة من خطره إلا بالصمت، فلذلك مدح الشرع الصمت وحث عليه كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بالله وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بالله وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ جَائِزَتَهُ». قَالَ: وَمَا جَائِزَتُهُ يَا رَسُولَ الله؟ قَالَ: «يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، وَالضِّيَافَةُ ثَلاثَةُ أيَّامٍ، فَمَا كَانَ وَرَاءَ ذَلِكَ فَهُوَصَدَقَةٌ عَلَيْهِ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بالله وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْراً أوْ لِيَصْمُتْ» متفق عليه (١).
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ يَضْمَنْ لِي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ أضْمَنْ لَهُ الْجَنَّةَ» أخرجه البخاري (٢)
وسبب فضيلة الصمت أمران
أحدهما: ما في الصمت من جمع الهمم، ودوام الوقار، والفراغ للفكر والذكر والعبادة، والسلامة من تبعات القول في الدنيا، ومن حسابه في الآخرة.
كما قال سبحانه: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (١٨)} [ق: ١٨].
الثاني: ما في نطق اللسان من كثرة الآفات من الخطأ والكذب، والغيبة والنميمة، والرياء والنفاق، والفحش والمراء، وتزكية النفس، والخوض في الباطل، والخصومة والجدال، والزيادة والنقصان، وإيذاء الخلق، وهتك العورات.
فهذه آفات كثيرة، وهي لا تَثْقل على اللسان، ولها حلاوة في القلب، وعليها بواعث من الطبع ومن الشيطان، والخائض فيها قلما يقدر أن يمسك لسانه فيطلقه بما يحب، ويكفه عما لا يحب.
ففي الخوض خطر.. وفي الصمت سلامة، فلذلك عظمت فضيلته.
وآفات اللسان كثيرة، ولها في القلب حلاوة، ولا نجاة من خطرها إلا بالصمت.
مختارات