فضل قيام رمضان
فضل قيام الليل في رمضانقيام الليل من السنن التي تتأكد في رمضان، فقد قال صلى الله عليه وسلم: من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه رواه البخاري (2008)، ومسلم (174) من حديث أبي هريرة.
وفي رواية لمسلم: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرغب في قيام رمضان من غير أن يأمرهم فيه بعزيمة، فيقول: من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه.
وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على القيام فيه مع الإمام حتى ينصرف، كما ثبت عند أبي داود (1370) وغيره من حديث أبي ذر رضي الله عنه قال: صمنا، فلم يصل صلى الله عليه وسلم بنا، حتى بقي سبع من الشهر، فقام بنا حتى ذهب ثلث الليل، ثم لم يقم بنا في السادسة وقام بنا في الخامسة حتى ذهب شطر الليل، فقلنا: يا رسول الله، لو نفلتنا بقية ليلتنا هذه، فقال: إنه من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة. ثم لم يصل بنا حتى بقي ثلاث من الشهر فصلى بنا في الثالثة، ودعى أهله ونساءه، فقام بنا حتى تخوفنا الفلاح. قلت: وما الفلاح؟ قال: السحور وصححه الألباني في " صلاة التراويح " (ص:15).
وعن مسروق كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا حضر شهر رمضان خطب فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: إن هذا الشهر كتب الله عليكم صيامه ولم يكتب عليكم قيامه، فمن استطاع أن يقوم فليقم، فإنها نوافل الخير التي قال الله تعالى، ومن لم يستطع فلينم على فراشه، وليتق إنسان أن يقول أصوم إن صام فلان، وأقوم إن قام فلان. من قام أو صام فليجعل ذاك لله، اقلوا اللغو في بيوت الله، وليعلم أحدكم أنه في صلاة ما انتظر الصلاة. " مختصر قيام رمضان " للمروزي (213-214).
وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقوم الليل في رمضان، وأنه صلى بأصحابه بعض الليالي ثم ترك ذلك، ومن الأحاديث الواردة في ذلك:
عن أنس بن مالك قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في رمضان، فجئت فقمت إلى جنبه، وجاء رجل فقام أيضا حتى كنا رهطا، فلما أحس النبي صلى الله عليه وسلم أنا خلفه جعل يتجوز في الصلاة، ثم دخل رحله، فصلى صلاة لا يصليها عندنا، قال: فقلنا له حين أصبحنا: أفطنت لنا الليلة؟ فقال: نعم، ذاك الذي حملني على الذي صنعت. رواه مسلم (2/775).
وعن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى ذات ليلة في المسجد، فصلى بصلاته ناس، ثم صلى من القابلة فكثر الناس، ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة - أو الرابعة - فلم يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أصبح قال: قد رأيت الذي صنعتم، ولم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أن تفرض عليكم، وذلك في رمضان. رواه البخاري (1129)، ومسلم (1/524).
ثم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم أحيا سنة قيام الليل جماعة خلف إمام واحد، أمير المؤمنين الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه، كما قال ابن شهاب الزهري، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس على ذلك، ثم كان الأمر على ذلك في خلافة أبي بكر وصدرا من خلافة عمر رضي الله عنهما، قال ابن شهاب عن عروة عن عبد الرحمن بن عبدٍ القاري قال: خرجت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليلة في رمضان إلى المسجد فإذا الناس أوزاع متفرقون يصلي الرجل لنفسه، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط، فقال عمر: إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل، ثم عزم فجمعهم على أبي بن كعب، ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم، قال عمر: نعم البدعة هذه، والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون _ يريد آخر الليل _، وكان الناس يقومون أوله. رواه البخاري (2010).
" وسميت الصلاة في الجماعة في ليالي رمضان: (التراويح) لأنهم أول ما اجتمعوا عليها كانوا يستريحون بين كل تسليمتين. " انتهى من " فتح الباري " لابن حجر (4/294).
وقيام الليل في رمضان من الأعمال التي تحتاج إلى جهاد، قال ابن رجب: (واعلم أن المؤمن يجتمع له في شهر رمضان جهادان لنفسه: جهاد بالنهار على الصيام وجهاد بالليل على القيام، فمن جمع بين هذين الجهادين ووفى بحقوقهما وصبر عليهما وفي أجره بغير حساب)انتهى من " لطائف المعارف " (319).
إطالة القيام في رمضانوقد كان سلفنا الصالح رحمهم الله تعالى يحرصون على المحافظة على قيام الليل في رمضان، فكان سويد: يقوم في رمضان وهو ابن عشرين ومائة بالناس. " انتهى من " مختصر قيام رمضان " للمروزي (219).
وقال سعيد بن عامر عن أسماء بن عبيد الله قال: " دخلنا على أبي رجاء العطاردي قال سعيد: زعموا أنه كان بلغ ثلاثين ومائة. فقال: يأتوني فيحملوني كأني قفة حتى يضعوني في مقام الإمام، فأقرأ بهم ثلاثين آية - وأحسبه قد قال: أربعين آية - في كل ركعة يعني في رمضان. " انتهى من " مختصر قيام رمضان " للمروزي (223_224).
وكانوا رضي الله عنهم يطولون القراءة في قيام رمضان، قال السائب بن يزيد: " أمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه أبي بن كعب رضي الله عنه وتميم الداري رضي الله عنه أن يقوما للناس في رمضان فكان القارئ يقرأ بالمئين، حتى كنا نعتمد على العصي من طول القيام، وما كنا ننصرف إلا في فروع الفجر. " انتهى من " مختصر قيام رمضان " للمروزي (223).
وقال عبد الله بن أبي بكر سمعت أبي يقول: " كنا ننصرف في رمضان من القيام فنستعجل الخدم بالطعام مخافة الفجر. " انتهى من " مختصر قيام رمضان " للمروزي (223).
وكانوا رحمهم الله تعالى يعتنون بتدبر ما يقرءون، فتنسيهم لذة التدبر مشقة طول القيام، قال ميمون بن مهران رحمه الله: " أدركت القارئ إذا قرأ خمسين آية قالوا: إنه ليخفف ! وأدركت القراء في رمضان يقرءون القصة كلها قصرت أو طالت، فأما اليوم فإني أقشعر من قراءة أحدهم يقرأ: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ) البقرة / 11، ثم يقرأ في الركعة الأخرى (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ) الفاتحة / 7، (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ) البقرة / 12 " انتهى من " مختصر قيام رمضان " للمروزي (224).
اللهم وفقنا لقيام رمضان على الوجه الذي يرضيك عنا، وتقبل اللهم صيامنا وقيامنا، ربنا وتجاوز عن تقصيرنا إنك أنت الغفور الرحيم، السميع العليم.
مختارات