الرد على من يقول (صوم عاشوراء أكذوبة كبيرة لا دليل عليها! وأن الحديث موضوع لا أصل له!)
بسم الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على عبده ورسوله محمد وآله وسلم تسليما، أما بعد
فقد سألني عدد من الإخوة عن مقطع لرجل اسمع «محمد عبد الله نصر»، زعم فيه أن:
(صوم عاشوراء أكذوبة كبيرة لا دليل عليها! وأن الحديث موضوع لا أصل له!)
ثم ساقه حججا متهافتة باللهجة العامية المصرية، تدل على جهل مفرط وجرأة على الكلام الباطل.
وسأورد محصل كلامه وأعلق عليه، ليظهر بطلانه وكذبه على دين الله.
فقوله: (صوم عاشوراء أكذوبة كبيرة لا دليل عليها! وأن الحديث موضوع لا أصل له!) قول باطل؛ فصيام عاشوراء، ثابت في الأحاديث الصحيحة المتواترة، ولم يخالف في صحته أحد من أهل العلم، سلفا ولا خلفا.
وقد جاءت أحاديث صوم عاشوراء في الصحيحين من: حديث ابن عباس، وعائشة، وسلمة بن الأكوع، والربيع بنت معوذ، وابن عمر، ومعاوية، وأبو موسى وابن مسعود رضي الله عنهم.
وجاءت في صحيح مسلم من حديث جابر بن سمرة، وأبي قتادة رضي الله عنهما.
وجاءت أيضا في المسانيد والسنن وغيرها من حديث أكثر من عشرة آخرين من الصحابة، وهذه الروايات المتواترة= تعني أنه ثابت ثبوتا قطعيا لا شك فيه، عند أحد من أهل العلم.
إذن فقوله إنه «موضوع وأكذوبة»، كذب وجهل وسفاهة.
ثم ذكر أول حجة لقوله وهي: (سؤال اليهود عن سببه صومهم لعاشوراء= يعني أنه صلى الله عليه وسلم كان (لا يعلم) أنه اليوم الذي نجى الله موسى من فرعون!)
فجوابه: أن كون النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلم باليوم الذي نجى الله فيه موسى لا يضره ولا ينقص قدره، والذي أوحي إليه في كتاب ربه: خبر موسى وفرعون وما فيه من العبر، ولم يذكر فيه تحديد اليوم، وليس النبي صلى الله عليه عالما للغيب لا يخفى عليه شيء؛ حتى يستنكر عدم علمه بتحديده!
أما حجته الثانية فهي: (أنه لما صامه بعد سؤال اليهود= أصبح تابعا لليهود وليس متبوعا لهم!)
فجوابه: أن في الصحيحين عن عائشة أن يوم عاشوراء كانت تصومه قريش في الجاهلية، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه.
وفي الصحيحين عن ابن عمر نحوه.
وصوم النبي صلى الله عليه وسلم بعد سؤال اليهود وقوله صلى الله عليه وسلم: «فأنا أحق بموسى منكم»، ليس فيه أنه تابع لهم، وإنما فيه تأكيد تعظيم هذا اليوم الذي كان يصومه، وبيان أنه أولى بأخيه موسى من هؤلاء الذي يدَّعون اتباعه.
وقولهم: «وليس متبوعا لهم» لا أدري أين وجد هذا الجاهل أن النبي محمدا صلى الله عليه وسلم متبوعا لليهود، وهم قد كذبوه ولم يؤمنوا به!
وأما حجته الثالثة فهي: (أن رواية: «لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع» ثم عدم بقائه يدل على أنه عاش في المدينة سنة واحدة، والواقع أنه عاش فيها أكثر من عشر سنين).
فباناها على أنه صلى الله عليه وسلم قال ذلك في وقت واحد! فظن أنه تناقض!
وليس الأمر كذلك، بل كان سؤاله لليهود أول الهجرة.. فصامه كما كان يصومه، وأمر بصيامه، وكان في أول الأمر يحب موافقة أهل الكتاب ومخالفة مشركي العرب، لكون أهل الكتاب أقرب منهم له..
ففي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما، «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يسدل شعره، وكان المشركون يفرقون رءوسهم، فكان أهل الكتاب يسدلون رءوسهم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء، ثم فرق رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه».
ثم لما آمن به مشركو العرب، ودخل الناس في دين الله أفواجا، بعد فتح مكة، وأسلمت عامة قبائل العرب، ولم يبق إلا أهل الكتاب، بدأ النبي صلى الله عليه وسلم بمخالفتهم، كما في هذا الحديث.
وكما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «إن اليهود، والنصارى لا يصبغون، فخالفوهم». رواه البخاري ومسلم.
وحديث شداد بن أوس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «خالفوا اليهود فإنهم لا يصلون في نعالهم، ولا خفافهم». رواه أبو داود وصححه ابن حبان والحاكم.
وحديث عمرو بن العاص، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب، أكلة السحر» رواه مسلم وغيره.
وحديث أنس أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم لم يؤاكلوها، ولم يجامعوهن في البيوت فسأل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى {ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض} [البقرة: 222] إلى آخر الآية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اصنعوا كل شيء إلا النكاح» فبلغ ذلك اليهود، فقالوا: ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئا إلا خالفنا فيه... رواه مسلم. وغيرها من الأحاديث..
قال ابن تيمية رحمه الله في «اقتضاء الصراط المستقيم»: «فهذا الحديث يدل على كثرة ما شرعه الله لنبيه من مخالفة اليهود بل على أنه خالفهم في عامة أمورهم».
واستشكال الصحابة وقولهم: «إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى» كما في مسلم، إنما قالوه آخرا، لما رأوه يخالفهم ويحب مخالفتهم، وإلا في أول الأمر كان يحب موافقتهم، فلا يتصور أن يستشكلوا موافقتهم، فقال لهم: «فإذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع».
وأما حجته الرابعة فهي: (لم يبق في المدينة يهود بعد السنة الخامسة، فكيف لقيهم وسألهم عن الصيام وتابعهم على فعله!)
وهذه من العجائب! أليس قد ذكرتَ أنه سألهم حين مقدمه أول الهجرة وكان سؤاله لهم حينها؟!
فهذه دعواه وهذه حججه، وهي وإن كانت واضحة السقوط، إلا أنها لبست على بعض المسلمين، وشككتهم في الأمر، ولولا ذلك ما استحق أن يلتفت إليه ولا إلى كلامه لتهافته وبعده عن العلم تمام البعد، وهو مع جهله وجرأته= خبيث المعتقد فله كلام آخر في شتم صحيح البخاري ـ أصح كتب المسلمين ـ، والطعن في بعض الصحابة ورميهم بالعظائم، وإنكار بعض الأمور المتواترة كعذاب القبر، وله مخازٍ أخرى.
والواجب على المسلمين عدم الالتفات إلى هذا الخبيث الجاهل وأمثاله، المشككين في شرائع الإسلام، وأن يؤخذوا العلم ممن عرف بسلامة معتقده، وحسن سيرته، ولا يلتفتوا للنكرات الذين يشككون بالأمور الشرعية المشهورة، قال الإمام التابعي محمد بن سيرين: «إن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم». رواه مسلم في مقدمة صحيحه.
مختارات