قوله الله تعالى: ﴿صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ﴾ [النمل:88]
خلق الزرافة
قال الله تعالى: ﴿صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ﴾ [النمل:88]، وقال سبحانه: ﴿مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ﴾ [الملك:3].
إنّ الزرافةَ هي ذلك الحيوانُ الذي يُعَدُّ من أطولِ الحيوانات قامةً، طولُها يزيدُ على ستة أمتار، هذا الحيوان من أشدِّ المخلوقاتِ تيقظاً وخفةً، زوَّدَها اللهُ بعينين جاحظتين، تستطيعانِ أنْ تَرَيَا ثلاثمئة وستين درجةً، وهي واقفةٌ رأسُها كالبرج، وعيناها تجوسانِِ الأفقَ كلَّه من كلِّ الزوايا، وتزنُ طناً واحداً، وإذا عَدَتْ تجازوتْ سرعتُها الستينَ كيلومتراً في الساعة.
لها رغامى تُعَدُّ أطولَ رغامى في الكائنات التي خلقها الله سبحانه وتعالى، رغامتها تزيدُ على مترٍ ونصفٍ، رأسُها ضخمٌ. أريدُ من هذا الموضوع شيئاً واحداً، أنّ هذا الرأسَ الضخمَ، وهذه الرقبة الطويلةَ التي تزيدُ على مترين إذا أرادتْ أنْ تضعَ رأسها في الأرض لتأكل ممّا عليها ينهمرُ الدمُ كلُّه إلى رأسها، فإذا تدفّق الدمُ إلى رأسها احتقنتْ شرايينُ الدماغ، فإذا رأسها فجأةً فلا بد أنْ تصابَ بالدُّوَارِ، والإغماءِ قطعاً، لذلك جهَّزَها اللهُ بآليةٍ عجيبةٍ حَيَّرتِ العلماءَ، شرايينُ رأسِ هذه الزرافةِ من طبيعةٍ خاصّةٍ، لهذه الشرايينِ عضلاتٌ إذا جاءها الدمُ تتّسع بفعلِ انبساطها حتى تستوعبَ جميع الدم الذي جاء إلى الرأس بفعل الجاذبية.
ولكلِّ هذه الشرايين صمّامَاتٌ، حينما ترفعُ رأسها فجأةً تُغْلَقَ الصماماتُ كلُّها، فتبقى هذه الكمية من الدم في رأسها، ثم تفتحُ شيئاً فشيئاً، عندها يعودُ الدمُ تدريجيّاً إلى بقية شرايين الجسم، وآليةُ هذه الشرايين تلفتُ النظرَ، إذا جاءَها الدمُ كثيفاً توسَّعتْ، واستوعبتْ، فإذا رفعتِ الزرافة رأسها فجأةً أغلقتِ الشرايينُ صمّاماتِها محتبسةً الدمَ فيها، كي لا تصابَ بالدُّوار والإغماءِ، من جَهَّزَها بهذا الجهازِ؟ من جعل لهذه الشرايين هذه العضلات؟
مَن زَوَّدَ هذه الشرايينَ بهذه الصمامات؟ أليس هو العليمُ الحكيم؟ أليس هو العليم الخبير؟ أليس هو الخالقُ القادرُ؟ أليس هو الغنيُّ الحميد؟
ما مِن مخلوقٍ على وجه الأرض، وتحتَ الأرض، وفوق الأرض إلا وخَلَقَه اللهُ أبدع خَلْقٍ، وصَنَعَهُ أتقنَ صنعهُ أتقن صنعةٍ، ﴿مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ﴾ [الملك:3].
إنّ قَلْبَ الزرافةِ يدفعُ في الدقيقة الواحدةِ الواحدة خمسةً وخمسين لتراً من الدم.
قال الله تعالى: ﴿قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ﴾ [يونس:101].
فأيُّ شيءٍ وقعتْ عينُك عليه هو آيةٌ دالةٌ على عظمته، أيُّ شيءٍ تفحَّصْتَه، أيُّ شيءٍ درسته، أيُّ شيءٍ دقَّقْتَ فيه، إنما هو آيةٌ تدلُّ على أن الله هو الواحدُ الدَّيَّانُ، الواحدُ الأحدُ، الفردُ الصَّمَدُ.
* * *
* المصدر: كتاب آيات الله في الآفاق: د. محمد راتب النابلسي.
مختارات