الى حجاج بيت الله الحرام
قال تعالى:{الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ}[البقرة:197]
لما كان المقصود من الحج الذل والخضوع لله سبحانه، والتقرب إليه ما أمكن بأنواع القربات، والتنـزه عن مقارفة السيئات، حتى يكون الحج مبرورًا وبالتالي مقبولاً، أرشد سبحانه عباده إلى الطريق الموصل لذلك؛ فنهى سبحانه عما يفسد هذه العبادة، ويبعدها عن مقصدها الذي شُرعت لأجله، وأمر تعالى بكل خير يقرِّب إليه، وخاصة في هذه البقاع الشريفة.
فقال سبحانه:{الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ}[البقرة:197]
والمعنى: من أحرم بالحج أو العمرة، فَلْيَتَجنَّبِ هذه الأمور:
أولا: الرفث، وهو الجماع، بدليل قوله تعالى:{ أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ }[البقرة:187] وكذلك يَحْرُم تعاطي دواعي الجماع، كالمباشرة، والتقبيل، والتكلم بذلك.
وقوله تعالى: { وَلَا فُسُوقَ }
” الفسوق” اسم عام يشمل جميع المعاصي، كالصيد حال الإحرام، والسباب، والغيبة، والنميمة، ونحو ذلك؛ وفي الحديث الصحيح قوله عليه الصلاة والسلام: (سِباب المسلم فسوق وقتاله كفر) [متفق عليه]. وهذا عام في كل زمان ومكان، ويكون في الحج آكد.
وفي “الصحيحين” من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قوله صلى الله عليه وسلم: (من حج البيت فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه)
وقوله تعالى: { وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ }
” الجدال ” مصدر جادله، إذا خاصمه خصامًا شديدًا، قال تعالى: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ }[العنكبوت:46]وللعلماء قولان في معنى الآية:
الأول: أنه لا مجادلة في وقت الحج في مناسكه، وهذا نكير لِمَا كانت عليه العرب في جاهليتها؛ إذ كانوا يقفون مواقف مختلفة في الحج يتجادلون، كلهم يدعي أن موقفه هو موقف إبراهيم عليه السلام؛ فكانت هذه الآية بيانًا للأمر وتحديدًا له. وحاصل هذا القول، النهي عن التنازع في مناسك الحج، وهذا ما اختاره الطبري.
والقول الثاني: أن المراد بالجدال هنا المخاصمة، فعن عبد الله بن مسعود قال: { وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ } قال: أن تماري صاحبك حتى تغضبه.
واتفق أهل العلم على أن مدارسة العلم والمناظرة فيه ليست من الجدال المنهي عنه؛ واتفقوا كذلك على أن المجادلة في إنكار المنكر وإقامة حدود الدين، ليست من الجدال المنهي عنه، وإنما المنهي عنه ما يفضي إلى المنازعة والمغاضبة والمشاتمة، مما ينافي حرمة الحج.
مختارات