من اسرار الصلاه
الصلاة ولُبها إقبال القلب فيها على الله، و حضوره بكلِّيته بين يديه، فإذا لم يقبل عليه و اشتغل بغيره و لهى بحديث نفسه، كان بمنزلة وافد وفد إلى باب الملك معتذرا من خطاياه وزلله، مستمطرا سحائب جوده وكرمه ورحمته، مستطعما له ما يقيت قلبه، ليقوى به على القيام في خدمته، فلما وصل إلى باب الملك، ولم يبق إلا مناجاته له، التفت عن الملك وزاغ عنه يمينا وشمالا، أو ولاه ظهره، واشتغل عنه بأمقت شيء إلى الملك، و أقلّه عنده قدرا عليه، فآثره عليه، وصيَّره قبلة قلبه، ومحلَّ توجهه، وموضع سرَّه، وبعث غلمانه وخدمه ليقفوا في خدم طاعة الملك عوضا عنه ويعتذروا عنه، وينوبوا عنه في الخدمة، والملك يشاهد ذلك و يرى حاله مع هذا، فكرم الملك وجوده و سعة برّه وإحسانه تأبي أن يصرف عنه تلك الخدم و الأتباع، فيصيبه من رحمته وإحسانه؛ لكن فرق بين قسمة الغنائم على أهل السُّهمان من الغانمين، وبين الرضَّخ لمن لا سهم له: {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ}[الأحقاف:19]
فالله-سبحانه و تعالى-جعل الصلاة سببا موصلا إلى قُربه، و مناجاته، و محبته و الأنس به.[أبن القيم/أسرار الصلاة]
فمن أراد أن يشعر بلذة الصلاة وقيمتها، فليتوجه بقلبه إلى ربه حال صلاته، ولا ينشغل عنه بشيء.
(وآمركم بالصلاة، فإذا صليتم، فلا تلتفتوا فإن الله ينصب وجهه لوجه عبده في صلاته ما لم يلتفت) [أخرجه البخاري]
مختارات