فرصة العمر !!
قال الله جلَّ وعلا : ) لَيْلةُ القَدْرِ خَيرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ( [1] .
المعنى : أن العبادة في ليلة القدر خيرٌ من العبادة في ) أَلْفِ شَهْرٍ ( ليس فيها ليلة القدر .
وأَلْفُ شهرٍ هذه تعدل ( 83 سنة و 4 أشهر ) .
فتصور أنك طوال هذه المدة من السنين وأنتَ عاكفٌ على العبادة ، فأفضل من ذلك : أن تقوم في ليلة القدر بالعبادات المشروعة : من صلاةٍ ودعاءٍ وتلاوةِ قرآنٍ وصِلةٍ وصدقةٍ وإحسانٍ ، إلى غير ذلك من أنواع البر وأبواب الطاعات .
ففي الحديث : " من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه " متفق عليه ، وفي زيادة في المسند : " غُفِرَ له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخر " وحسَّنها الحافظ ابن حجر في "فتح الباري".
وليلة القدر سُمِّيَت بذلك لقَدْرِها العظيم عند الله ، أو لأنها يُقَدَّر فيها ما سيكون في العام التالي ، ويُنقل من اللوح المحفوظ إلى صحف الملائكة ، أو لأجل تضييق زمانها بإخفائه عن الناس .
وهي في العشر الأواخر من رمضان ، وتتنقل في ليالي العشر ، وأوتارها آكد وأرجى .
يقول النبي r : " فيه ـ يعني رمضان ـ ليلةٌ خيرٌ من ألف شهر ، مَنْ حُرِمَ خيرَها فقد حُرِم " رواه أحمد والنسائي .
سئل الإمام الضَّحَّاك ـ رحمه الله ـ : أرأيتَ النُّفَسَاءُ والحائض والمسافر والنائم ، هل لهم في ليلة القدر نصيب ؟ قال : نعم ، كلُّ من تقبَّل الله عمله سيعطيه نصيبه من ليلة القدر .
أيها الأخ الكريم ، الأخت الكريمة : إننا جميعاً مقصرون مذنبون ، لكن الله العَفُوَّ الغفور ، يغفر ويتجاوز ، بل إنَّ من إحسانه ـ سبحانه ـ أن هيأ لنا هذه المواسم الكريمة ، وتلك الفرص الجليلة ، والعبد مأمورٌ بالسعي في اكتساب الخيرات ، والاجتهاد في الأعمال الصالحات ، وكلٌّ ميسَّرٌ لما خُلق له ، فالمبادرةَ المبادرة لاغتنام العمل فيما بقي من الشهر ، فعسى أن يُستدرك به ما فات من ضياع العمر . والله المستعان .
روى أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه قال : سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إنما الأعمال كالوعاء ، إذا طاب أسفله طاب أعلاه ، وإذا فسد أسفله فسد أعلاه " رواه ابن ماجة وصححه ابن حبان .
نسأل الله تعالى أن يَهَبَ لنا من لَدُنه رحمةَ ، إنه هو الوهاب ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.