أفكار حمزة ... من صنعها ؟
لم يكذب الشانئ عندما تحدث بعد هروبه، أن في البلد بعض من يوافقه في التفكير، وربما في الإلحاد، ولكنهم لا يستطيعون أن يعبروا عما في أنفسهم خوفا من المجتمع، صدق وهو كذوب وهذه حقيقة نعرفها قبل أن ينطق بها ضعيف السند وسيء الذكر.
قضية تعدي الشانئ على الله ورسوله وجدت لها ولله الحمد ردة فعل محمودة من جميع أطياف المجتمع بلا استثناء، وأنا أعني هنا المجتمع وليس بعض المأجورين الساكنين بيننا، وهذه الهبة تشعرنا ولله الحمد ببقاء الخير في الأمة المحمدية التي لا تزال ولن تزال مليئة بالخير على الرغم مما يراد لها.
هذه الهبة أدت مفعولها ولله الحمد بامتياز، فقد جعلت البعض يتوارى خوفا وهلعا، وقضى بعضهم ساعاته الماضية في محوا وحذف كل ما في تغريداته وتعليقاته من استهزاء أو تعدي على الدين وشعائره، وهذا يجعلنا نتيقن تماما أن هؤلاء الكتاب ليسوا أصحاب قضية وإنما هم مأجورون وببغاوات وعملاء يرددون ما يُملى عليهم ويبيعون ضمائرهم بثمن بخس وإلا فصاحب القضية يثبت عليها ويموت من أجلها، ولكن الحقيقة الواضحة أنهم مجرد عباد شهوة ومال ليس إلا.
وبما أن ما صدر من الشانئ قد وجد له ردة فعل واسعة ولله الحمد فإننا سنتجاوز فعلته والحدث ذاته، وسنتغافل عن لعبة هروبه وكأن وزنه كيلوا أو أقل، هذه اللعبة التي تذكرني كثيرا بمباريات كرة القدم عندما يتدخل اللاعب الخفي في آخر الدقائق ليقلب النتيجة المتوقعة.
هروب هذا الشانئ وهو مطلوب في قضية بهذا الحجم يعطي إشارة واضحة أن للمحترف الأجنبي قوته ووجوده، وهو يعطي نفسه قوتها واعتبارها عند المعتمرين والحاجين إلى بابه بأنني موجود، هو يقول لهم باختصار - أنا هنا افعلوا ما بدا لكم ولا تخشوا العواقب، والمخرج موجود - مع أن الفرصة ربما لن تحالفه هذه المرة بسبب الضمير الجمعي الذي رأيناه من كل أطياف المجتمع، إلا أن التاريخ والشواهد تحدثنا عن مدى قوة هذا اللاعب الأجنبي، وكم مرة ألقى بظلاله على الكثير من الأحداث فكسبها، سنتغافل عن كل هذا وسنغمض أعيننا بكل بلاهة لننطلق في الأمر الذي نراه أكثر أهمية وأجدر للحديث عنه.
كما كنا ولا نزال دائما نُشغل أنفسنا ونستنفذ جهدنا في قتل الثمرة الخبيثة ومحاسبتها والتشهير بها، وهذا شيء جميل ومحمود، لكن الأجمل منه والأولى والأكثر نفعاً أن نحاسب من زرع الشجرة ومن سقاها حتى أثمرت هذه الثمرة الخبيثة، فإن عجزنا عن هذا فلا أقل من اقتلاع الشجرة بجذورها، أما أن نلتزم الصمت وكلما خرجت لنا ثمرة خبيثة استهلكنا جهدنا في القضاء عليها فستتبدد الطاقات ويكون المردود أقل وستستمر الثمار الخبيثة في الظهور بين لحظة وأخرى.
وهل يتصور عاقل أن تخرج لنا ثمرة من غير ماء ولا زارع؟ وهل نُريد من كُتُب الإلحاد والكفر والاستهزاء بالمقدسات وروايات العهر والرذيلة ومسلسلات الاستهزاء بالدين وأوامره وأهله والمنتديات التي تفوح منها رائحة الكفر والإلحاد والتنقص من النصوص والآثار، هل نُريد منها أن تخرج لنا عُبّاداً صُواماً قُواماً؟!
وهل يتصور من لديه أدنى ذرة من عقل، أن تُخرج لنا قنوات العهر والرذيلة والفجور - مثل باقات أم بي سي وروتانا - ومسلسلاتها التركية التي تُربي على حُب الفجور والزنا وتعطي الأمثلة بالتفصيل الممل، وبرامج تجهيز العصاة والفساق التي نراها في كل سنة ويُصرف عليها الملايين، هل يتصور أي عاقل أنها سُتخرج لنا ساجد وساجدة؟
إن عقل الإنسان وتفكيره وعاطفته كالأرض الصالحة للزراعة، فكما تزرع تجد الثمرة.
هنا في هذا البلد بعض منتديات - ليس هناك فائدة لذكر اسمها - ترعاها أيد سعودية وتشارك فيها، يكفيك فقط أن تأخذ نظرة بسيطة على أسماء معرفات وتواقيع الأعضاء لتعرف إلى أي درجة وصل الكفر بالله والإلحاد والسخرية بالنصوص والتندر عليها، ومن المهازل أن أحد أولئك المواقع بعد أن كثرت الشكاوى ضده من المسلمين تم إغلاقها من الجهة المسؤولة، ولكنك بمجرد أن تعمل إعادة تحديث لصفحة الموقع المغلقة تفتح أمامك وتستطيع أن تتصفح وتشارك كما تريد !
بين فينة وأخرى نجد أطروحات في الصحف السعودية تقلل من شأن أحد الصحابة أو تقدح في تصرفاته أو تناقش إحدى المسلمات وترد عليها وكأنها مجرد اجتهاد بسيط من شخص بسيط، وليس هناك رقيب ولا حسيب، ولا أعتقد أن هذا يحدث بغفله من الرقيب ولكنه ضعف الانقياد للوحيين وعدم تعظيم النصوص.
في معرض الكتاب، يُسمح بكتب تحتوي على كفر بالله ورسوله، وربما تدعوا للإلحاد والانفلات من الخضوع لهيمنة السماء- كما يقولون -وكتب وروايات مليئة بالعهر والرذيلة وبالتفصيل، ويروج لها إعلاميا قبل عرضها، ويُقدم كاتبها بطلا حرا وروائيا من الدرجة الأولى،يحدث ذلك أمام شباب وفتيات الجيل، الذين -بطبيعة أعمارهم - يتوقون للشهرة والنجاح، فيتوافدون إلى البطل المزعوم يذيل تلك الرواية أو ذلك الكتاب باسمه وتوقيعه المشؤوم، وإذا ما نُوقش - المسؤولون - في ذلك، قالوا نحن بحاجة لتبادل الثقافات، والقضاء على عقدة المدينة الفاضلة التي نتخيلها وتعشعش في عقولنا -زعموا - وأن المنع لن يأتي بنتيجة، والإنسان لديه عقل يفرق فيه بين الخير والشر، وغير ذلك من الأعذار الواهية التي ربما تجوز على البعض، ولكنها لا تجوز على من يعرف حقيقة هذه الأمور ومن وراءها وماذا يراد منها.
في معرض الكتاب الأخير بمصر، تجد الإقبال الكبير على كتب الدين، وكل ما يتعلق بالدين من روايات وكتابات علمية ورقائق وغيرها، في إشارة واضحة إلى حالة الظمأ والتلهف التي كانت تعيشها المجتمعات الإسلامية من حولنا، ثم نتفاجأ - ويا للحسرة - بالجناح السعودي يُقدم ندوة تتحدث عن زيارة طه حسين للسعودية ! حقا إن شر البلية ما يضحك.
أشخاص لا يستطيع أحدهم أصلا أن يكون جملة، أو يقرأ سطر واحد من غير أن يلحن، يُقدم للجمهور في جرائدنا وصحفنا على أنه مفكر ومنظر يعالج كبرى القضايا، ويشارك في الحوارات والملتقيات جنباً إلى جنب مع أشخاص قضوا أعمارهم بين الكتب والدراسة والطلب !
تأمل في الصحف السعودية ثم احكم بنفسك كم من الكُتاب يستحق أن يُقرأ له؟ وكم في المقابل عدد الكُتاب الذين يستحقون أن يدرسوا مادة الإملاء والخط والأخلاق قبل أن يبدؤوا الكتابة؟
كل يوم يخرج لنا غرٌ صغير، ويُقدم لنا على أنه حالة نادرة، بينما الحقيقة تقول أن ذوي الاحتياجات الخاصة أفضل منه بمراحل، يُقدم لنا وللجمهور ويُنفخ فيه لأنه فقط يكتب هلوسات، وربما سجع سجعات أو ربما نطق جنونا أو استهزاء بأحد الرموز أو المسلمات، ثم يُقال له " أنت لديك طاقة، هناك شي بداخلك، أنت عبقري لكن المجتمع لم يترك لك المجال للكتابة على الجدران " بينما الحقيقة أن هذا الشخص يحتاج أن يؤدب ببضع جلدات على رأسه الفارغ حتى يفر الشيطان المشعشع هناك.
كثيرٌ هم هؤلاء، وليس أولهم ولا آخرهم حمزة، والمحزن أنهم يُقدمون على حساب شباب ومفكرين وعلماء لديهم فعلا ما يستحقون به ان يكونوا في المقدمة، ولكنهم يهمشونهم لحساب هؤلاء المنحرفين.
إنهم ببساطة يصنعون شباباً يريدونهم غداً رموزاً للمجتمع، حتى يتخذ منهم الجيل القادم قدوات لهم وأبطالا يحذون حذوهم.
هذه ليست قصة من وحي الخيال، ولا هي جديدة من نوعها، ولكنها حقيقة تكررت في البلاد الإسلامية من قبل، وهي اليوم تُستنسخ في بلادنا، يلحظ ذلك كل من قرأ في تاريخ مصر وتونس والمغرب وتركيا من قبل، ويعرف ذلك أيضا من يطلع على حركة الأعلام والتنظيم الواضح لمثل هذا الغرض بين الكُتاب تارة وفي الندوات والملتقيات تارة أخرى، مما يُشير بيقين إلى وجود هذا اللوبي في بلدنا، إنها ليست عقدة المؤامرة، ولكنها الحقائق تتحدث أمامنا وتفضحهم بين فترة وأخرى.
من حقنا كما حاسبنا حمزة أن نحاسب الرؤوس - تركي الحمد أنموذجا - الذين علموه أن يتحدث بمثل هذا الكلام، الرموز القابعون هناك لا أحد يستطيع أن يقول لهم أي كلمة وإن تكلم أحدٌ أو نطق صُرف النظر عن الموضوع بقدرة قادر.
من حقنا أن نُحاسب ملاك الامبراطوريات الإعلامية الفاسدة - الوليد بن طلال والوليد الإبراهيم أنموذجاً - التي ما فتئت تنثر فسادها وسمومها في كل بيت من بيوت المسلمين، وتقضي على كل ما يؤسسه رب الأسرة في قلوب الأبناء من قيم الفضيلة، وإن لم يحكم فيهم القضاء فلا أقل من أن نحتسب نحن عليهم بألسنتنا وأقلامنا، ويكتب فيهم أهل العلم المعتبرين والهيئات العلمية، ويصمت بعض العلماء الذين للأسف لم يكفهم حالة الصمت التي يمرون بها، بل رأينا بعضهم يتبجح بأن في بيته مثل هذه القنوات أو نراه أحيانا يثني على ملاكها وأن فيهم خير !، وما عرف هؤلاء أنهم بحديثهم هذا جزء من اللعبة، ويقع عليهم اللوم في أن يخرج لنا جيل منحلٌ أخلاقيا أو إيمانيا.
وإن وضعنا اللوم على الإعلام أولاً في صناعة مثل هؤلاء الشباب التائه، فإنه من الخطأ أن ننسى أصحاب - الوعظ البارد - في التعامل مع مثل هذا الشانئ، الذين يستحضرون كل معاني الأخوة والحب والحوار الهادئ والنقاش مع أمثاله، لكنهم يتحولون إلى مجاهدين ومناضلين ومحتسبين ضد أي خطأ بسيط من الهيئة أو من عالم أو من هيئة علمية، أعني المتنورون بأنوار الظلام، الذين عانوا كثيرا من التعامل مع موقف الشانئ، فقيم الفوضى -الحرية - التي يدعون إليها وينظرون لها بصفتها مقدمة على الشريعة، تمنع أن نُحاسب القائل على قوله وكفره، ولكن الدين الذي هم عليه والمجتمع من حولهم، والشباب الذي يتابعهم، سينقم عليهم أن لم ينتصروا لأعظم مقدساتنا، فأصبحوا في مشكلة كبيرة، فلم يجدوا إلا الوعظ البارد وبعضهم تغاضى وتغافل، والأسوأ منهم بعض المتفلسفين الذين كلما دافع مدافع عن قيمة من قيم الدين رفعوا أصواتهم وقالوا: (أرجوك لا لا تجعلنا ننسى القيمة الكبرى التي ندعوا إليها على حساب أمور ثانوية) ولا أدري أي قيمة كبرى هذه التي يدعون لها إذا لم يكن الدفاع عن الله ورسوله ومحاكمة من يتنقص من مقدساتنا ليس قيمة كبرى؟!
أصحاب الوعظ البارد هؤلاء، يشاركهم - للأسف - بعض طلبة العلم، يطيرون فرحاً عندما يقرؤون جملة جميلة أو وجهة نظر لمفكر غربي أو ملحد وتراهم يرددونها في كل مكان ويتغنون بها، وهذه الفكرة أو الجملة لها سابق في كتاب الله أو رسوله أو عند الصحابة أو التابعين أو الأئمة الذين ملؤوا الدنيا تأليفا وتحبيرا، ولكنهم لا يتلذذون بهذا، إنهم يحبون أن يقال عنهم - عالميون - موسوعي - قارئ نهم - وغير ذلك، يردد هذا الكاتب أو الواعظ مثل هذه الجمل المنقوله عن كُتاب غربيين أو شرقيين كتبهم مليئة بالكثير من الكفر والزندقة والأخطاء، ليأتي بعد ذلك المتابع البسيط فيقرأ ويأخذ بكل ما كتبه هذا الكاتب !
فنزار قباني مثلا وهو الذي لديه أبيات كثير تنضح كفرا بالله، نجد بعض الأشياخ للأسف يتغنى به، ليس فقط بترديد شعره، وإنما بالثناء عليه بلا تنبيه عن أخطائه وكفرياته.
هؤلاء بلا شك يتشاركون الإثم مع إعلامنا الموقر.
ولا أنسى هنا أن أنبه السادة المربين من أهل العلم والدعوة، وهم على ثغر من ثغور الدين، أن يعطوا المجال للطلاب في الاستفسار عن كل ما يريدون، وأن يجعلوا لهم حرية القراءة واختيار التخصص وغير ذلك من الأمور، وألا يهيمنوا عليهم ويعاملوهم معاملة الشخص الجاهل الذي لا يستطيع أن يعتمد على نفسه، نعم أنا أتفهم أن ذلك سببه الخوف عليهم من الانحراف والانزلاق في متاهات، وذلك شي جميل ويشكر المربي عليه، ولكن فرق كبير بين المراقبة عن كثب والتنبيه، وبين الهيمنة والسيطرة عليهم حتى يكونوا نسخا مكررة من الشيخ أو المربي، هذي يا سادتي الفضلاء حقيقة موجعة لابد أن نقولها - وأتمنى أن تؤخذ بصفتها نصيحة من ناصح مشفق - إن بعض من تربوا في الحلقات والمساجد - ينحرفون - أحيانا - بسبب الشيخ أو الداعية أو المربي المسؤول عنه وطريقة تعامله مع نبوغ هذا الطالب أو حبه للاطلاع، فمن الجميل أن يؤخذ هذا ويوضع في الاعتبار.
مختارات