أنماط: (16) نمط الجلاد
ومن أشق الأنماط في التعامل ومن أخطرهم على النفس والغير نمط الأخ الجلاد..
وهو ذلك الأخ الذي لا يكاد يضع سوطه أو يريح (كرباجه)! فتارةً يجلد هذا.. وتارةً أخرى يضرب ذاك، فإن لم يجد من يجلده استدار سوطه إلى ظهره فجلد نفسه..
وسياط هذا النمط ليست تدمي البدن لكنها تدمي الروح والنفس وتقطع وتين الأمل وتُدمِّر أواصر الرجاء وحسن الظن..
وشتان الفارق بين النفسيات النبيلة والعقليات العملية التي تتجاوز أسوار المزايدة وقضبان الجلد الدائم والمستمر للمخطىء لتنطلق إلى الهدف، وتصل إلى المراد وهو التغيير للأفضل وبين تلك النفوس السادية المريضة والأخلاقيات الناقصة البغيضة التي تصر على جلد المخطىء بسياط اللوم اللاذع ودفنه حيًا في غيابات الندم وتعذيب النفس..
أما أن يحبس الإنسان نفسه إذا أخطأ في سجن الخطأ أو أن يصر لائمه على حبسه خلف قضبان الإذلال بهذا الخطأ، وتحميله مسؤولية كل كارثة حدثت وتحدث فتلك مسالك الضعفاء الذين لا يستطيعون المضي قدمًا ولا التفكير بشكلٍ عملي..
كثيرًا ما يكون الطريق الأقصر هو اعتراف المرء بالخطأ والاستعداد لدفع ثمنه وتحمل مسؤوليته والسعى لإصلاحه، ثم الانتقال إلى الأهم والأنفع بدلًا من تضييع الأعمار والثوابت في الجلد والتحطيم أو التبرير والتزيين..
إن المخطىء إذا ندم وعرف موطن الخلل والزلل وتحمل نتائج أخطائه فعليه ألا يظل بعد ذلك حبيس هذه الأخطاء، وإلا تحول الخطأ إلى حالة من الماسوشية " حب تعذيب النفس واستمراء جلد الذات " مما يؤدي إلى بقائه في مكانه سجين (بطحته) التي على رأسه..
وأما المعاتب أو الناقد فعليه أن يكون خير آخذ وألا تنحصر علاقته بالمخطىء في تعذيبه بالخطأ وتعليق كل مصيبة على شماعة زلته أو خطأه، فينتقل الناقد من حيث لا يشعر إلى حالة من السادية " حب تعذيب الآخرين " ويظل في ذلك القصور القيمي والأخلاقي والنظرة اللا عملية التي لا تُسمِن ولا تُغني من جوع..
فليدفع المخطىء ثمن خطأه بالعدل وليقتصر النقد والتلاوم على التعريف بمحل الخطأ وبيانه لعدم العودة إليه ثم ليتجاوز المخطىء والناقد تلك القضبان، ولينطلقوا إلى رحابة العمل وسعة التغيير والإصلاح بدلًا من أن يحبسوا أنفسهم خلف أسوار الخطأ ويظلوا أسرى لتلك السياط.. سياط جلد النفس والغير..
مختارات