سجدة في الروضة
هذه نوايا تنعش القلب وهو ساجد في الروضة الشريفة، فتحييه وتبث الروح فيه، وترفعه درجات فوق درجات، نحو معارج ليس لها سماء:
سجدة الوقاية والشفاعة: أنا الآن أضع جبهتي على موضع جبهة النبي صلى الله عليه وسلم ولعلي أسجد تماما حيث سجد؛ أنوي بهذا أن لا يعذبني الله لأكون كهذا الصحابي الذي مرَّغ خَدَّيْه على بطن سول الله صلى الله عليه وسلم قائلا: أردتُ أن يَمَسَّ جلدي جلدَك حتى لا تمسني النار، أو كالذي سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكسوه ثوبه رجاء أن يكون كفنه بعد موته فيقيه الله العذاب، فكان كفنه!!.
سجدة الحب: أسجد ولا يفصلني عن حبيبي بل أحب الخلق إلي قلبي سوى خطوات قلائل، وكيف لا أحبه وهو صلى الله عليه وسلم سبب خروجي من النار واستنقاذي من الضلال، لذا فالقلب يدقُّ سريعا وأنفاسي تتلاحق، ودموع الشوق تجري، وإحساس القرب يجعلني من الحُب أذوي.
سجدة السفر: أسجد اليوم في رقعة مباركة ينطلق منها القلب في سفرة يشعر فيها براحة عجيبة، فتتجوَّل روحه حول العرش، وترحل عن طين الأرض محلِّقة إلى جنة الخلد روحا، استعدادا للسفر إليها جسدا غدا أو بعد غد عقب رحيل مرتقب عبر بوابة الموت!!
سجدة الأنس: في سجدتي عند اسطوانات الروضة.. أعيش مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لحظة بلحظة، فهنا أسمع ترتيل آياته وعذب مناجاته بجوار اسطوانة عائشة التي اتخذها النبي صلى الله عليه وسلم مصلى بعد تحويل القبلة قبل أن يتحول منها إلى مصلاه، وهنا أشعر بحرارة أنفاسه صلى الله عليه وسلم ولطيف دعواته قرب اسطوانة الوفود التي كان يجلس عندها يستقبل وفود العرب، وهنا حُرقة الندم ولوعة الألم عند اسطوانة التوبة التي ربط فيها أبو لبابة الأنصاري نفسه لذنب أذنبه حتى تاب الله عليه، وهنا تسري روح الإيثار وروعة التضحية والفداء حول اسطوانة الحرس التي كان الصحابة يجلسون عندها لحراسة النبي صلى الله عليه وسلم، وهنا أشعر بأزيز صدره صلى الله عليه وسلم يتردَّد من البكاء بجوار اسطوانة التهجد حيث كان يتهجد.
سجدة الإيمان: أسجد وآوي إلى الروضة الشريفة حيث ركن الإيمان المتين ونبع الهداية الأصيل، وإذا كان الإيمان يأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى جحرها، فكيف بمسجد رسول الله! وكيف بأشرف بقعة فيه!! فلأفتح قلبي على مصراعيه لاستقبال النور الساطع، وأهيِّئ نفسي لأغتسل من الغفلات والشهوات والأهواء الزوابع، متأكدا من إجابة دعاءٍ لهج به اللسان في أشرف المواضع.
سجدة الجوائز: أسجد أقرب ما يكون من موضع تنزل الآيات ومهبط الوحي ومنبع أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ومزار روح القدس جبريل، فأكون اليوم كالمغتسل في مصب النهر، أو الواقف في الصف الأول مستعدا لاستلام أغلى الجوائز واقتناص أنفع الفوائد في ديني ودنياي.
مختارات