قفز الحواجز (2)
العقبة الثانية: التشاؤم
يا أصحاب الرسالة.. الأمة فيها خير كثير أنتم عنه غافلون، وصدق رسول الله: {إذا قال الرجل هلك الناس فهو أهلكهم}
تفاءل!!
وكل من تشاءم اليوم وما استبشر فما أطاع نبيه ^ ولا اقتدى به أو سلك طريقه، وانظروا إلى مواقف تفاؤل النبيr التي امتلأت بها سيرته:
(مرَّ بقرية يُقال لها عثرة فغيَّر اسمها إلى خُضرة، وغيَّر اسم صحابي اسمه شهاب وسمَّاه هشام وعاصية إلى جميلة وأصرم (من الصَّرم وهو القطع) إلى زُرعة.(
وندب جماعة إلى حلب شاة، فقام رجل يحلبها، فقال: ما اسمك؟ قال: مُرَّة، فقال: اجلس، فقام آخر فقال: ما اسمك؟ قال: أظنُّه حرب، فقال: اجلس، فقام آخر فقال: ما اسمك؟ فقال: يعيش، فقال: احلبها.
وكان ﷺ يكره الأمكنة منكرة الأسماء، ويأبى العبور فيها، كما مرَّ في بعض غزواته بين جبلين، فسأل عن اسميهما فقالوا: فاضح ومخز، فعدل عنهما ولم يجُزْ بينهما(.
وهو ما علمه إياه ربه، ففي صحيح مسلم: )إن الله سمى المدينة طيبة أو طابة»، وكرِه أن تٌسمَّى باسمها الجاهلي يثرب من التثريب وهو العيب.)
وكان النبي ﷺ يحب الفأل الحسن، لأن الإنسان إذا أمَّل فضل الله تعالى كان على خير، وإذا قطع رجاءه من ربه كان على سوء، وكانr يكره التشاؤم والنظرة السوداوية إلى الأحداث، ومن ذلك أن النبي rخل على أعرابي يعوده، وكان النبي إذا دخل على مريض يعوده قال لا بأس طهور إن شاء الله، فقال له: (لا بأس طهور إن شاء الله). قال: قلت طهور كلا بل هي حُمَّى تفور أو تثور على شيخ كبير تُزيره القبور، فقال النبي ﷺ ( فنعم إذن (
رأى النبي ﷺ في الحُمَّى تطهيرا من الذنوب لأنه ﷺ ينظر دائما إلى الجانب المشرق في المحنة، أما الأعرابي آثر الكآبة والأحزان فاختار الهلاك والموت، فماذا كانت نتيجة التشاؤم وتوقع الأسوأ؟!
الأسوأ!! واسمع رواية الطبراني للحديث: قال النبي r: (أما إذا أبيت فهي كما تقول، وما قضى الله فهو كائن، قال: فما أمسى من الغد إلا ميتاً.)
ومن هنا خرج ابن القيِّم بالنتيجة التالية:
) واعلم أن التطير إنما يضرُّ من أشفق منه وخاف، وأما من لم يُبالِ به ولم يعبأ به شيئا لم يضُرَّه البتة.)
يا حامل الراية..
بوسعك أن تنظر إلى العالم بنظارة معتمة، فلا ترى في العقبات سوى كومة أحزان وجعبة آلام، وبوسعك أن تنظر إليها باعتبارها ضريبة نصر وعلامة اصطفاء، فالشيء واحد والعين نفس العين لكن الرؤى تتباين.
قال مصطفى صادق الرافعي في كلام مصطفى يفيض صدقا ويورث رفعة، وقد امتلك روح المؤمن المتفائلة ونظرته المستبشرة في كلام جميل صافح القلوب فأزال الكروب:
(والبطل الشديد البأس لا ينبع إلا من الشدائد القوية، والداهية الأريب لا يخرج إلا من المشكلات المعقَّدة، والتقي الفاضل لا يُعرف إلا من الأهواء المستحكمة.(
صاحب الرسالة أشد الناس تفاؤلا، وهو أكثرهم نشاطا وأعلاهم همة.. يُحسن الظن بربه.. كل عسير عنده يسير.. كل مرض لديه إلى شفاء، وكل هزيمة إلى انتصار، وكل فشل إلى نجاح، والتفاؤل يفيض من قلبه على من حوله، ليبث روح التفاؤل في المتشائمين حوله بل وفي الخلق أجمعين.
مختارات