الموعظة الخامسة
الموعظة الخامسة
تعلق شابٌّ كان يعمل قصابًا بجارية حسناء لبعض جيرانه، وابتغى إليها سبيلاً لم يستطع، فقدر الله تعالى أن أرسلها مولاها ذات يوم في حاجة إلى قرية مجاورة، فخرجت وحدها لتقضي تلك الحاجة، فتبعها ذلك الشاب، وراودها عن نفسها، فقالت له: لا تفعل!! فأنا والله أشد حبًا لك منك لي، ولكني أخاف الله!! فقال الشاب: فأنت تخافينه، فلماذا أنا لا أخافه؟ !! فرجع الشاب تائبًا نادمًا منكسرًا، فأصابه العطش في الطريق حتى كاد أن يهلك، فإذا هو برسول لبعض أنبياء بني إسرائيل، فسأله الرسول: ما لك؟! ما بك؟ فقال الشاب: العطش !! فقال: تعالى حتى ندعو الله حتى تظلنا سحابة حتى ندخل القرية ونشرب منها !! فقال الشاب: ما لي من عمل صالح !! فقال الرسول: فأنا أدعو وأنت تؤمِّن ! فدعا الرسول وأمَّن الشاب، فأظلتهم سحابة حتى انتهوا إلى القرية، فمال الشاب القصاب عائدًا إلى بيته، ومالت السحابة معه!! فرأى رسول النبي ذلك، فتبع الشاب وقال له: زعمت أنه ليس لك عملٌ!! وأنا الذي دعوت وأنت الذي أمنت، فأظلتنا سحابة ثم تبعتك وتركتني!! لتخبِرْني ما أمرك!! فقص عليه الشاب قصته مع تلك الجارية!! فقال له الرسول: التائب إلى الله بمكان ليس أحد من الناس بمكانه ( كتاب التوابين – لابن قدامة المقدسي -).
أخي: يا مبارزًا بالذنوب خذ حذرك، وتوق عقابه بالتقى فقد أنذرك، وخلِّ الهوى كما ترى ضيرك قبل أن يغضب الإله ويضيق حبسه " وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ " (كتاب التبصرة – لابن الجوزي -).
قال أبو علي الدقاق رحمه الله: «دخلت على أبي بكر بن فورك رحمه الله عائدًا له في مرضه، فلما رآني دمعت عيناه، فقلت له: إن الله يعافيك ويشفيك!! فقال لي: وتظنني أخاف من الموت؟!! إنما أخاف من بعد الموت!! ثم بكى وأبكى من حوله رحمه الله تعالى»(كتاب وفيات الأعيان – لابن خلكان -).
وقال مالك بن دينار رحمه الله: «دخلت على جار لي وهو في الغمرات يعاني عظيم السكرات، يغمى عليه مرة ويفيق أخرى، وفي قلبه لهيب الزفرات، وكان منهمكًا في دنياه، متخلفًا عن طاعة ربه ومولاه، فقلت له: يا أخي: تب إلى الله، وارجع عن غيِّك، عسى المولى أن يشفيك من ألمك ويعافيك من مرضك وسقمك، ويتجاوز بكرمه عن ذنبك، فقال: هيهات!! هيهات!! قد دنا ما هو آتٍ، وأنا ميت لا محالة، فيا أسفى على عمر أفنيته في البطالة!! وكلما أردت أن أتوب مما جنيت سمعت هاتفًا يهتف من زاوية البيت: عاهدتنا مرارًا، فوجدناك غدارًا، فنعوذ بالله من سوء الخاتمة» (كتاب بحر الدموع – لابن الجوزي -).
مختارات