الليلة الثانية
يطيرُ الحَمامُ حولَ الكَعبةِ فَينبَجِسُ الفرحُ .. ويُبصِرُ الحَجيجُ خُطاهم إلى المَطاف ..
وتَهمسُ لهم مَكةُ : تَهَجّى رِحلتك أيها الحاج من طَوافِ القُدوم .. فهذهِ شَعيرةٌ أولُ الوُضوءِ فيها ؛ هو طَواف القدوم !
يَتأجّجُ النورُ هنا حتى يَتوهَج ، ويُهديكَ اللهُ في أولِ لقاءٍ سِرَّ البِداية ..
فهنا ..
تَغسلُك الكَعبةُ ..
تَعتِقُك من ذاتِك ..
وتَرى أجنحَة الحَمامِ في قَلبك ..
تَرتجِفُ حينَ تطلُّ عليك الكَعبَة بِبَهائِها ، ثمّ تَبزغُ فجأةً ؛ مثلَ نَجمةٍ .. ويَتصلُ بالله الحدَيث !
تَنهمرُ بِلا وَعيٍ على أَسْتار الكَعبة .. وتَخلعُ عن كَتِفَيك الخَوفَ و وسخًأ قَديما !
هنا .. لا تَرى في المَطافِ سِواك .. فالكلُّ يَلهثُ بِالشوقِ .. وعلى بابِ الكَعبةِ ؛ يَرتَعِشُ صوتُ الحَجيجِ بالدعاء ..
في غَمرة الوَجد يَبكون ..
يَشربونَ دُموعَهم في تَوسلاتِهم .. و يَغص ( الَملتَزِم ) بالأمنيات !
لا يَتقي الحجيجُ شمسَ المَطاف .. الحجيجُ مَشغولونَ بالإجابَة .. مَشغولون بالله عن أنفسهم !
لا دَلالاتٌ للكلماتِ .. لكنّ الأصوات الخَفيةِ تُوحي بنَشيدٍ واحد .. تَنزوي فيه الحروفُ ، وتَتشابه فيه الآهات !
في طوافِ القُدوم ؛ تَستلمُ الحقيقة ..
انظر .. قلبُك مُتَهدِّم ، وجدارُ روحك { يكادُ أن يَنقَض } .. يُقيمُه اللهُ ، ولا يَتركك تَقتات الوَجع !
تَدخل إليه بِوعاءٍ فارِغ .. يَمتلكُك جوعُك .. وتَظل عينكَ إلى الله مَمدودة ..
يَنسدِلُ السِّتار على كل الوجوه ؛ فلا تُبصر إلا حُروفَ الجرحِ في صَوتك ..
هنا .. رائَحةُ الحقيقة .. حيث تَتكىءُ روحُك على وعدِ المغفرة ؛ ولا تنشغلُ بِسواك !
طوافُ القدومِ يقولُ لك ؛ إنّ المَشغول بالله عنه لا يُشغل ! فكيف نمضي أعمارنا نشدُّ السِهامَ على بعضنا !!
يَنتصف الوقتُ ؛ أو ينتهي ونحن مُشردون بلا رُشد ..
نَتتبع رقاعَ غيرنا ، ونَنسى أننا بلا ثَوب !
كيفَ يَحتشدُ حولك كلُّ الخَلق ؛ِ ومع ذلك لا تَشمّ إلا رَائحةَ الرَماد من حَريقك .. وتَتوسلُ له ؛ أن يطفئَ عنك النار !
آلافٌ يَمضون في قُطرِ دائرة يَطوفونَ تَتسع لهم ..
فَلِما لا تَتسع أوطانُنا .. ولِمَا لا نَتسعُ لغير ذواتنا ؟!
يَتسِعُ لنا المطاف بألوانِنا ، ومَذاهبنا ، وتَبايُننا .. فلما نَتخاصَم من أقصى المَشرق حتى أقصى المَغرب !!
ولكننا حولُ الكعبةِ نَقتسِم الخطوةَ بيننا !!
نَقتسمُ أستارَ الكعبةِ بين أحزانِنا !! ونَهمسُ بالبَسملةِ وادِعينَ ، فلا وَسوسَةٌ ، ولا غير إيقاعِ الدّعاءِ والصلوات !
نِحنُ في المَطاف ؛ نَكتشفُ أن الغَفلةَ عن الله قد هدمتْنا .. تَرتفعُ فينا ثَرثرةُ الطينِ فَنشقى ..
أو نَنسى ؛ أنّ في البَيدرِ من الشَوكِ ما يَحتاجُ مناجِلَ العُمر كي لا يزيد ..
مالنا مَشغولةٌ أعينُنا عن الله بالبحثِ في تفاصيلِ من حولنا !
ما أعجبَ طوافَ القُدوم ..
إذ يُعلمنا ؛ أنّ عُمرك تُصوِّبه نَظرة ..
أن تاريخَك مكتوبٌ في وجهة عينك ..
ضُمَّ القِبلةَ ، ولا تَلتفِت إلى غير الصَدِىء المَنثور في دَربك .. ولا تكن مَسكوبًا في الهمّ على ضِفاف غيرك ..
واخلَع عن قلبِك الانَشغالَ بغيرِ الله .. و ارفق بمن حولك .. ولاحِقْ خطوةِ الخَلقِ بِنعلٍ يَحميهم من عثْرةِ الطريق !
ها هو مُحمدٌ ﷺ يَمنحُ للأمة كُلها إذنَ العبورِ إلى سِعَة اللهِ ورحمته .. ويُعلِّمُ الأمِة فقهًا عَظيمًا .. فِقهَ ( لا حَرَج ) !
لاحرجَ على الأعرابِيّ ؛ إذا لم يَلتَقِط كل التَعاليم ..
لا حرجَ على الأمِّي ؛ِّ إن أخطَأ في إشاراتِ الطريق ..
لا حرج على الشابِ ؛ إنْ التَبَسَت عليه الدُروب ..
إنَّما الحَرج علينا .. إن لم نُعلِّمهم كيفَ تُسرَجُ القَناديل !
يَرفعُ النَّبيُ ﷺ صوتَه ( بلا حرج ) .. وَيَعتِقُنا من مُحاكمة بَعضنا لبعض .. ويُعلمنا كيفَ يفيءُ المُسيء لِلمُحسِن ..
ويُؤوينا تحت عباءَته ؛ فَنُورِقُ بِفقه المَناسِك !
يسيلُ العَرقُ في ثِياب الحَجيج ؛ ثم يَتبخَّر هناك ..
يَرحلُ الى يوم القيامة ؛ ثم يَتجمّعُ غيَمًا باردًا ..
العرقُ في القيامة ؛ يُصبحُ خريرًا حانِيًا لا يكف !
تَنفتح الحقولُ في مَكة ..
تَنبع زمزمُ ، وتَتفتح في داخل الحَجيج ..
تُورِقُ الكعبةُ بالجمال ، و تَرتبكُ الأيدي : من أين نبدأ يا الله !
من أين ..
ونحنُ الفقراء لكل هذا الفَضل !
يَخلعُ الحَجيجُ ثيابَ الحزنِ ويَرتدون العَطايا ..
الليلُ في مَكة دافء ..
الليل في مكة وافرٌ بالدهشة .. الليلُ في مكة مَملوءٌ بالبَوح !
في الحَرم .. تُصبح الأحلامُ طرِيَّة ، وتُبعثُ فيها الرُوح ..
وعلى باب " المُلتَزم " ؛ يَنقشُ البكَّاؤونَ بِحنّاء دُموعهم نُصوصَ العِشق !
وحولُ الكعبة ؛ تَقرأُ أيامَك .. وخطوطَ حياتِك في كَفك المَمدودة للسّماء !
فقط .. اغسل يديكَ بِزمزم من خَيباتِ الذنوب ..
واعلو إلى العرش بِكفيكَ وقل ؛ يا كَريم ..
ثُم أَلحَّ في الطَلب ؛ أن تَنغلقَ المَتاهاتُ ، وتَنفتحَ لك كلُّ أبوابِ الجِهات !
ليس عليك حَرَجٌ ؛ لو تَدفَقت دُموعُك وأنت على ضِفاف الحرم !
ليس عليك حَرج ؛ إن طالَ ارتِماءُ المدامِع في السّجود حتى يُنادى عليك بالجواب !
ليس عليكَ حرجٌ ؛ لو تَفيأتَ الأسْتارَ ، وجلستَ تحتَ المِيزابِ فقيرًا تسأَله ؛ أن يَسقيَ روحًا ذَبُلت من كَثرة في الخَطايا ما بَذلت !
ليس عليكَ حرج ؛ لو وقفتَ عندَ المقامِ وقلتَ لله :
هَبْ خطوتي مقامًا .. فقد أسرفتُ في الغَسَق !
ليس عليك حَرج ؛ لو كانت الخطواتُ دَمعةً دمعة ، وابتلَّ المَطافُ !
ربما حين تكتملُ الأشواطُ ؛ يَكتملُ لك النهار ،ُ ويَنتهي من عمرك عذابُ السفر !
ليس عليك حرجٌ ..
إن اعترفتَ ثم اغتَرفْت .. حتى ارتويتَ من رحمة الله !
ليس عليك حرجٌ ..
لو طافَ قلبُك بالبيت سَبعًا ؛ ثم صَلَّيْتَ عند المقام وقلتَ :
" يا ربّ هذا قدومِي عليك .. فَنَحِّ عن وجهيَ كلّ الجِهات ، واجعلْ مُرادَك فينا مرادي .. وكُفَّ عن عيني غيرَ رُؤاك " !
مختارات
-
" اجتناب المعاصي "
-
أهل الحديث هم أهل الحق
-
شرح ادعية اخر البقرة
-
القرآن من الله تعالى وليس من البشر
-
شرح دعاء "اللهم إني أعوذ بك من الجوع؛ فإنه بئس الضجيع، وأعوذ بك من الخيانة؛ فإنها بئست البطانة "
-
اسم الله المصور 2
-
شرح دعاء " ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين * ونجنا برحمتك من القوم الكافرين".
-
اسم الله الشاكر 2
-
شرح اذكار الخروج والدخول من المنزل والمسجد
-
اسم الله الآخر 1