اسم الله الرحمن 2
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
من أسماء الله الحسنى: (الرحمن):
أيها الأخوة الأكارم، الأخوة الكرام لا زلنا في اسم الرحمن.
الرحمة العامة والرحمة الخاصة:
لابد من مقدمة كي نفرق بها بين الرحمة الخاصة، والرحمة العامة، يعني عندك ابن في البيت، هذا الابن أودع الله فيك محبته ابتداءً من دون كسب منك، فأي أب في الأصل، وأي أم ترحم ابنها، لكن الإنسان لا يرقى بهذه الرحمة الخاصة، لأنها ليست كسبية، بل وهبية، الإنسان يرقى بالرحمة العامة، أنت حينما ترحم طفلاً ليس ابنك، حينما ترحم موظفاً في محلك التجاري ليس ابنك، ترقى بالرحمة العامة، وفي بعض الآثار يقول عليه الصلاة والسلام: ولكنها رحمة عامة.
يعني أنت حينما ترحم زوجة ابنك التي في البيت كما لو أنها ابنتك، وحينما ترحم شاباً في محلك التجاري كما لو أنه ابنك، هنا ترقى عند الله بالرحمة العامة، لا بالرحمة الخاصة، الرحمة الخاصة أودعها الله فينا كي تستمر الحياة، ولولا هذه الرحمة الخاصة التي أودعها الله فينا لأولادنا الحياة تقف، طبعاً هناك دليل رمزي أن أحد الصالحين رأى أماً تقبل ابنها وهي على التنور، فكلما وضعت رغيفاً ضمت ابنها وشمته وقبلته، فتعجب من هذه الرحمة، فالله نزعها، فلما بكى ألقته في التنور، يعني الرحمة الخاصة ليست كسبية، إنما هي وهبية من أجل أن تستمر الحياة، من أجل أن يربي الأب المؤمن، والكافر، والفاسق، والمستقيم ابنه، وأوضح مثل اذهب إلى مستشفى الأطفال الأم المتعلمة تبكي، والجاهلة تبكي، والمحجبة تبكي، والسافرة تبكي، يعني شيء طبيعي، الذي يرقى بنا عند الله الرحمة العامة لا الرحمة الخاصة، هذه واحدة.
رحمة الله تقتضي أن يعالج عباده الشاردين ليحملهم على طاعته:
الآن كلمة الرحمن تعني الإله العظيم الذي يؤدب عباده، يسوقهم إلى بابه، يحملهم على طاعته، أي هناك رحمة ساذجة، لو فرضنا أماً جاهلة تحب ابنها، والطعام الذي طبخته رائع جداً، لكنه يؤذي معدة ابنها، ابنها معه التهاب معدي حاد، فالأم الجاهلة تطعمه هذا الطعام، وتسبب له الأذى دون أن تشعر، لكن الأم الواعية لا يمكن أن تطعم ابنها هذا الطعام، ولو بكى تمنعه أن يأكل، وفي الظاهر أنها ظالمة له، لأنه وعيها حملها على أن تمنعه من هذا الطعام، فلذلك الله عز وجل يقول: " فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ " [الأنعام:147].
تقتضي رحمة الله أن يعالج عباده الشاردين، الله رحمن ومع أنه رحمن يسوق لعباده من الشدائد ما يحملهم على طاعته: " فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ " [الأنعام:147].
كما يحمي أحدكم مريضه من الطهي، إن الله يحمي عبده المؤمن من الدنيا كما يحمي الراعي الشفيق غنمه من مراعي الهلكة.
أي شيء خلقه الله عز وجل هو تكريم للإنسان ينتفع به:
كلمة رحمن لا تعني حياة مريحة، وصحة، ودخل كبير، ومعاصٍ، وآثام، رحمن طبيب، رحمن يعالج، الآية واضحة: " فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ " [الأنعام:147].
تقتضي رحمته الواسعة ألا يرد بأسه عن القوم المجرمين: " مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ " [آل عمران:147].
إذن هو يعذبكم كي تؤمنوا، يعذبكم كي تؤمنوا وتشكروا، فإذا آمنتم وشكرتم حققتم الهدف من وجودكم، لأن الله سبحانه وتعالى سخر هذا الكون تسخير تعريف وتكريم، فأي شيء خلقه الله عز وجل يدلك على الله، وأي شيء خلقه الله عز وجل هو تكريم لك تنتفع به، فهناك هدف نفعي وهناك هدف إرشادي، فالذي عرف الله من خلال هذا الكون حقق الهدف الإرشادي، والذي انتفع بهذا الذي خلقه الله عز وجل حقق الهدف النوعي.
من آمن بالله وشكره حقق الهدف من وجوده:
لذلك أنت حينما تؤمن، وحينما تشكر، حققت الهدف من وجودك حينما تؤمن وحينما تشكر، أي رد فعل التعريف أن تؤمن، الله عز وجل نصب لك هذا الكون كل شيء في هذا الكون يدل على الله، نصب لك هذا الكون ليدلك عليه، وأكرمك بهذه النعم كي تشكره، فإذا آمنت، وشكرت حققت الهدف من وجودك، آية ثالثة سيدنا إبراهيم: " يَاأَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنْ الرَّحْمَانِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا " [مريم:45].
الله عز وجل أنعم على الإنسان بنعم ظاهرة وباطنة ليؤمن به ويشكره:
لذلك: " وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً " [لقمان:20] هناك نعم ظاهرة مألوفة، الصحة، والمال، والباطنة المصائب، لأن الله عز وجل عن طريق هذه المصائب يسوقنا إلى بابه عبّر عن هذا المعنى النبي عليه الصلاة والسلام فقال: " عجب ربنا من قوم يقادون إلى الجنة بالسلاسل " [البخاري].
آية أخرى: " قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَانُ مَدًّا " [مريم:75].
وأحياناً تقتضي حكمة الله عز وجل أن يمده برحمة، بعلم، بحكمة، وآية أخرى:
" إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَٰنُ بِضُرٍّ لَّا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنقِذُونِ (23) إِنِّي إِذًا لَّفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ " [يس:23-24].
آية أخرى: " وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنْ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ " [البقرة:126].
من رحم الناس ارتقى عند الله عز وجل بالرحمة العامة:
الآن اسم الله الرحمن، يعني الرحمة العامة، يعني الله عز وجل يطعم المؤمن، والكافر، والملحد، والفاسق، والمنحرف، والمجرم، كلهم يطعمهم، كلهم يستنشقون الهواء، كلهم يشربون الماء، كلهم يتزوج وينجب أولاداً، هذه الرحمة العامة، الله عز وجل هذا موضوع ثانٍ، كلفك أن ترحم كل الناس ترقى عند الله بالرحمة العامة، لأنه هو رحم كل الناس الدليل: " وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمْ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا " [الكهف:58].
معنى ذلك رحم كل عباده مؤمنهم وكافرهم، مستقيمهم ومنحرفهم، قال تعالى: " قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنْ الرَّحْمَانِ بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ " [الأنبياء:42] معنـى يكلؤكـم أي يحرسكـم ويحفظكم، آية ثالثـة: " وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمْ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ " [القصص:73].
ومن رحمته أنه يرحم جميع خلقه مؤمنهم، وكافرهم، مستقيمهم، ومنحرفهم، آية رابعة: " وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آيَاتِنَا قُلْ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْـرًا إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُـونَ مَا تَمْكُـرُونَ " [يونس:21] الناس بالقرآن تعني كل الخلق والخطاب لجميع المكلفين.
من كان مؤمناً بالله مطيعاً له فله معاملة خاصة وسكينة تلقى في قلبه:
إذاً فهمنا أن الله باسم الرحمن يرحم خلقه رحمة عامة، كالأب تماماً عنده عدد من الأولاد، أحدهم بار، والآخر عاق، أحدهم لطيف، والآخر قاسٍ في كلامه، يطعمهم جميعاً، يكسوهم جميعاً، يسكنون في البيت جميعاً، يأخذون المال من بيت أبيهم جميعاً، يقدم لهم في العيد الحلويات جميعاً، لكن قلبه مع من؟ مع الابن البار، فأن يتجلى الله عليك شيء وأن يطعمك شيء آخر، يطعم كل خلقه، يسقيهم، يكسوهم، ولكن إذا كنت معه، إذا كنت مؤمناً به، إذا كنت مطيعاً له، لك معاملة خاصة، لك سكينة تلقى في قلبك تسعد بها ولو فقدت كل شيء وتشقى بفقدها لو ملكت كل شيء.
أفضل أنواع الدعاء أن تطلب من الله رحمته:
الآن أيها الأخوة، من أفضل أنواع الدعاء أن تطلب من الله رحمته، لأن الله خلقنا ليرحمنا، قال تعالى: " إ لاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ " [هود:119].
فمريم بنت عمران دعت باسم الرحمن عندما تمثل لها جبريل بشراً سوياً، وبشرها بعيسى قال تعالى: " قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَانِ مِنْكَ إِنْ كُنتَ تَقِيًّا " [مريم:18] أي إن كنت تقياً تتقي الله، وتخشى الاستعاذة، وتعظمها، فإني عائذة بالرحمن منك، فجواب الشرط محذوف دلّ عليه ما قبله، كما يقول علماء النحو، يعني إن كنت تقياً فأنا أستعيذ بالله منك، إن كنت تعرف معنى الاستعاذة، ومعنى أن الله موجود، ويجيبني أستعيذ بالله منك.
من كان صادقاً لأداء دين عليه الله عز وجل يوفقه في عليائه ليقضي هذا الدين:
النبي عليه الصلاة والسلام قال لمعاذ بن جبل رضي الله عنه: ألا أعلمك دعاء تدعو به لو كان عليك مثل جبل أحد دين لأداه الله عنك؟ هذا الدعاء لوفاء الدين، وبالمناسبة ورد في بعض الأحاديث: " من أخذ أَموال الناس يُريدُ أَداءها أدَّى الله عنه، ومن أخذ أَموال الناس يُرِيدُ إِتْلافها أتلفه الله " [البخاري].
فأي إنسان عليه دين إذا كان صادقاً في أداء الدين، إذا كان يريد أن يؤدي هذا الدين الله جلّ جلاله في عليائه يوفقه لأداء هذا الدين.
قال: يا معاذ ألا أعلمك دعاء تدعو به لو كان عليك مثل جبل أحد دين لأداه الله عنك، قل يا معاذ: اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء، وتنزع الملك ممن تشاء، وتعز من تشاء، وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير، رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما تعطيهما من تشاء، وتمنع منهما من تشاء، ارحمني رحمة تغنيني بها عن رحمة من سواك.
هذا دعاء الدين، وفي الآية الكريمة: " وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِين " [البقرة:286] لذلك يا الله برحمتك نستغيث.
كلمة رحمة أوسع كلمة فيها عطاء الله عز وجل:
كلمة رحمة كلمة واسعة جداً، يا ترى الرحمة صحة؟ صحة، زواج ناجح؟ زواج ناجح، أولاد أبرار؟ أولاد أبرار، يا ترى الرحمة كفاية؟ كفاية، مكانة اجتماعية؟ مكانة اجتماعية، راحة نفسية؟ راحة نفسية، سعادة؟ سعادة، رضا؟ رضا، حكمة؟ حكمة، أمن؟ أمن، كلمة رحمة أوسع كلمة فيها عطاء الله عز وجل بدءاً من صحتك إلى حاجاتك إلى رزقك، وانتهاء بسعادتك في الدنيا والآخرة.
لذلك من الأفضـل أن نسـأل الله رحمتـه: " وَاعْـفُ عَنَّا وَاغْفِـرْ لَنَا وَارْحَمْنَـا أَنْتَ مَـوْلَانَا فَانصُرْنَـا عَلَـى الْقَـوْمِ الْكَـافِرِينَ " [البقرة:286].
" وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنْ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا " [الإسراء:23-24].
كلمة يا رب ارحمني، أو يا رب ارحم فلاناً كلمة واسعة جداً، تبدأ من صحتك، إلى زوجة صالحة، إلى أولاد أبرار، إلى سلامة، إلى راحة نفسية، إلى ثقة بالله، إلى حكمة، إلى سعادة، إلى رضا، يعني عطاء الله المطلق يسمى رحمة الله فاسأل الله عز وجل أن يرحمك.
الله عز وجل وسعت رحمته كل شيء:
قال الله في وصف عباده الموحدين: " إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (109) فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي " [المؤمنون:109-110].
وفي آية أخرى: " وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ " [المؤمنون:118].
لذلك يا رب نستغيثك برحمتك: " وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ " [الأعراف:156].
وأنت شيء.. أنت أيهــا الإنســان شيء، علـى كـل مـا عنـدك من ذنـوب: " وَرَحْمَتِـي وَسِعَـتْ كُـلَّ شَيْءٍ " [الأعراف:156].
رحمتي سبقت غضبي، الذين قالوا: إن اسم الرحمن لعله اسم الله الأعظم ليسوا بعيدين عن هذا التصور.
المتصل بالرحيم يمتلئ قلبه رحمة والمنقطع عن الرحيم يمتلئ قلبه قسوة:
وقال تعالى: " قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ " [يوسف:64].
لأنه أعطى الخلق جميعاً رحمة واحدة، عنده التسعة والتسعون، الآن السؤال علاقة المؤمن بهذا الاسم، علاقته، أولاً ينبغي أن يمتلئ قلب المؤمن بالرحمة، الدليل: " فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ " [آل عمران:159].
ينبغي أن يمتلئ قلبك بالرحمة من خلال اتصالك بالله.. المتصل بالرحيم يوجد بقلبه رحمة، والمنقطع عن الرحيم بقلبه قسوة، لذلك: " فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ " [الزمر:22].
من صفات المؤمن أن قلبه رحيم، ومن صفات المنقطع عن الله أن قلبه قاسٍ: " كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً " [البقرة:74].
لذلك من علامات آخر الزمان أن ينزع الحياء من وجوه النساء، وأن تذهب النخوة من رؤوس الرجال، وأن تنزع الرحمة من قلوب الأمراء، لا يوجد بالنساء حياء، ولا بالرجال نخوة، ولا بقلوب الأمراء رحمة، لذلك أنت كمؤمن علاقتك بهذا الاسم أن يمتلئ قلبك بالرحمة، والحب، والحرص على ما ينفع عموم الخلق.
بطولتك كمؤمن أن ترحم كل الخلق أما كل الناس يرحمون أولادهم:
مرة ثانية إخونانا الكرام: لا ترقى عند الله إلا بالرحمة العامة، والله مرة كنت بمحل تجاري، لكن حالة غريبة جداً، يبيع أقمشة فحمل الموظف في المحل وهو شاب صغير أول ثوب، الثاني، الثالث، الرابع، قال: لم أعد أتحمل، قال له: أنت شاب، ابنه إلى جانبه بسن موحد، حمل ثوباً واحداً، قال له: بابا انتبه لظهرك.
لا ترقى عند الله إلا إذا كانت الرحمة عامة، أقول لكم كلمة أرجو أن تعذروني بها إن لم ترحم الخادمة في البيت كما لو أنها ابنتك أنت مقصر جداً في الإيمان، إن لم ترحم زوجة ابنك في البيت كما لو أنها ابنتك أنت عنصري، لذلك ولكنها رحمة عامة، بطولتك كمؤمن أن ترحم كل الخلق، أما كل الناس يرحمون أولادهم.
توحيد العبد لاسم الرحمن في سلوكه يقتضي الرحمة العامة بعباد الله: توحيد العبد لهذا الاسم في سلوكه يقتضي الرحمة العامة بعباد الله سواء كانوا مؤمنين أو كافرين، فالمؤمنون يحبون لهم ما يحبون لأنفسهم، فيوقرون كبيرهم، ويرحمون صغيرهم، ويجعلون رحمتهم موصولة إليهم، يسعدون بسعادتهم، ويحزنون لحزنهم، أما رحمتهم بالآخرين فيحصروها على دعوتهم، ويسهمون في إخماد كفرهم، والنار التي تحرقهم، ويجتهدون في نصحهم، والأخذ على أيديهم، فلذلك ينبغي أن تكون الرحمة عامة، يقول الله عز وجل: " وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَالَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) يَاوَيْلَتِي لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنْ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولًا " [الفرقان:27-29].
" الراحمون يرحمهم الرحمن، أرحموا أهل الأرض يرحمكم من في السماء " [أبو داود].
والله لا يضيع عند الله شيء، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء.
النبي صلى الله عليه وسلم قال وهو على المنبر: " ارحموا ترحموا واغفروا يغفر الله لكم، ويل لأقماع القول " [رواه أحمد].
كلام دقيق، ويل للمصرين الذين يصرون على ما فعلوا وهو يعلمون، من هم الأقماع؟ هم الذين يسمعون القول ولا يعملون به، شبه النبي أذانهم بالأقماع، القمع تصب فيه السائل لا يمسكه، القمع ممر، فهناك إنسان آذانه كالقمع يدخل الكلام منها، ويخرج ولا يتأثر.
المقرب من الله عز وجل من كانت الرحمة في قلبه رحمة عامة:
أيها الأخوة الكرام: " إن أحب أسمائكم إلى الله عبد الله وعبد الرحمن " [مسلم].
هذا من جهة التسمية، فقد تسمى به كثير من المسلمين، وعلى رأسهم عبد الرحمن بن عوف وهو من العشرة المبشرين بالجنة هاجر الهجرتين، وشهد بدراً وأحد، والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
إذن البطولة أن ترحم كل الخلق، وأن تكون الرحمة التي أودعها الله في قلبك رحمة كسبية، فضلاً عن الرحمة الوهبية، بالوهبية ترحم أولادك، أما بالكسبية ترحم جميع الخلق، ولن تكون عند الله مقرباً إلا إذا كانت الرحمة التي في قلبك رحمة عامة.
والحمد لله رب العالمين
مختارات