اسم الله الغني 1
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
من أسماء الله الحسنى: (الغني):
أيها الأخوة الكرام، مع اسم جديد من أسماء الله الحسنى، والاسم اليوم " الغني ".
ورود اسم الغني في القرآن الكريم:
هذا الاسم ورد في القرآن الكريم كما في قوله تعالى: " وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ " [محمد:38] شأن الخالق أنه غني عن كل شيء، وشأن المخلوق أنه مفتقر إلى كل شيء، الرب رب، والعبد عبد، وفي قوله تعالى: " وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ " [الأنعام:133].
أحياناً يكون الإنسان رحيماً لكنه فقير، يتحرق قلبه ولا يستطيع أن يفعل شيئاً فقير، لكن عظمة الله عز وجل أنه غني، وأنه رحيم، فغناه ورحمته تعطيان الإنسان كل شيء.
اقتران اسم الغني بعدة أسماء منها:
1 ـ الحميد: وغالباً ما يقترن اسم " الغني " باسم الحميد، كما في قوله تعالى: " لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ " [الحج:64].
هو غني عن عباده، لكنه يعاملهم معاملة يحمدونه عليها، هناك إنسان قد يكون غنياً، لا يحتاج إلى أحد، تراه فظاً، غليظاً، مستكبراً، مستعلياً، أما خالق السماوات والأرض، الذات الإلهية، الكاملة، غني، ومع أنه غني كامل، ما أروع أن يجتمع الغنى مع الكمال.
الرحمة حسن لكن في الأمراء أحسن، هناك حديث طويل حول هذا الموضوع أحيانا تجتمع صفتان في الإنسان فيكون متألقاً أعلى تألقاً، الله عز وجل " الغني " حميد، مع أنه غني عن عباده، لو أن كل من في الأرض كفروا لا يحتاج إليهم أبداً، ومع ذلك يعاملهم معاملة كاملة يحمدونه عليها.
2 ـ الحليم: واقترن اسم الله " الغني " باسم الحليم.
" قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ " [البقرة:263] غني عن عباده لكنه يمدهم بالطعام والشراب والهواء، ويمدهم بكل ما يحتاجونه إذاً وهم يعصونه، يُعصى ويرحمهم.
" إني والإنس والجن في نبأ عظيم أخلق ويعبد غيري، وأرزق ويُشكر سواي، خيري إلى العباد نازل، وشرهم إليّ صاعد، أتحبب إليهم بنعمي وأنا الغني عنهم، ويتبغضون إليّ بالمعاصي، وهم أفقر شيء إلي، من أقبل عليّ منهم تلقيته من بعيد، ومن أعرض عني منهم ناديته من قريب، أهل ذكري أهل مودتي، أهل شكري أهل زيادتي، أهل معصيتي لا أقنطهم من رحمتي، إن تابوا فأنا حبيبهم، وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم، أبتليهم بالمصائب لأطهرهم من الذنوب والمعايب، الحسنة عندي بعشرة أمثالها وأزيد، والسيئة بمثلها وأعفو، وأنا أرأف بعبدي من الأم بولدها " [رواه البيهقي والحاكم عن معاذ، والديلمي وابن عساكر عن أبي الدرداء].
3 ـ الكريم:
اقترن اسم الله " الغني " باسم الكريم: " وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ " [النمل:40] هناك غني بخيل، العدل حسن لكن في الأمراء أحسن، والسخاء حسن لكن في الأغنياء أحسن، والصبر حسن لكن في الفقراء أحسن، والتوبة حسن لكن في الشباب أحسن، والحياء حسن لكن في النساء أحسن.
وفي الحديث الشريف: " اللهم أنت الله، لا إِله إِلا أنت، أنتَ الغنيُّ، ونحن الفقراء، أنْزِلْ علينا الغيث واجعلْ ما أنزلت لنا قوة وبلاغا إِلى حين " [أبو داود].
غنى الإنسان نسبي لأنه في الوقت نفسه مفتقر إلى أشياء لا تعد ولا تحصى:
أيها الأخوة، الغني في اللغة صفة مشبهة باسم الفاعل، لمن اتصف بالغنى فعله غني غنىً، واستغنى واغتنى فهو غني، لكن الحقيقة الدقيقة أن غنى الإنسان نسبي.
" وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيّاً " [الزخرف:32] كيف؟ يعني إنسان يشعر بألم في صدره يقلق أشد القلق، قد يكون غنياً كبيراً يذهب إلى طبيب القلب، وهو في أعلى درجات التواضع له، يا ترى هل أحتاج إلى عمل جراحي، أم لا أحتاج؟ هل هذا الألم عابر، أم مستمر؟ هل هذا الألم يدل على خطر قادم أم أنه ألم عارض؟ هذا الغني الكبير يقف أمام الطبيب في أعلى درجات الأدب والتواضع والافتقار إلى علم هذا الطبيب، إذاً في هذا الموقف هذا الغني مفتقر إلى هذا الطبيب، هو غني لكنه الآن مفتقر إلى هذا الطبيب.
الاختصاصي في إصلاح المركبات، هو الآن أعلى من هذا، يأتي الآن طبيب، طبيب القلب نفسه، يستمع بسيارته إلى صوت غير طبيعي في المحرك، يقلق أشد القلق، يا ترى هل هذا مؤشر على تبديل المحرك؟ يأتي إلى من اختص في إصلاح المركبات، هذا الطبيب المتفوق طبيب القلب يقف أمام هذا الإنسان بتواضع بالغ، يا ترى صوت عارض، طارئ، يحتاج إلى إصلاح، يحتاج إلى تبديل محرك، ماذا يحتاج؟ بالموقف الأول الغني مفتقر للطبيب، الموقف الثاني الطبيب مفتقر لهذا الإنسان الذي يصلح المركبات، وكل إنسان متفوق في شيء إذا هو فيه غني، لكن مفتقر إلى أشياء، مفتقر إلى مليون شيء.
لذلك هذا معنى قوله تعالى: " وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ " [الزخرف:32] فأنت في الأعم الأغلب قد تتفوق باختصاص، بحرفة، بخبرة، بمال، بعلم، بمنصب، وفي الوقت نفسه أنت مفتقر إلى أشياء لا تعد ولا تحصى، أوضح شيء الصحة قد يكون قوياً ويقلق أشد القلق على صحته، قد يكون غنياً ويحتاج إلى خبير لإصلاح هذه الحاجة.
توزيع الحظوظ في الدنيا توزيع ابتلاء:
أيها الأخوة، لذلك الحظوظ وزعت في الدنيا توزيع ابتلاء، هذا ممتحن بالغنى، وهذا ممتحن بالفقر، وهذا ممتحن بالوسامة، وهذا ممتحن بالدمامة، وهذا ممتحن بالصحة فكل ما آتاك الله إياه أنت ممتحن فيه، وسوف ينظر الله ماذا تعمل، هل تتخذ الصحة أساساً للمعصية والإثم؟ أم أن تتخذ الصحة لخدمة الخلق؟ هل تتخذ وقت الفراغ للانحرافات التي لا ترضي الله؟ أم تتخذ وقت الفراغ لطلب العلم؟ أنت ممتحن بوقت الفراغ، ممتحن بالصحة، ممتحن بالمال، ممتحن بالزوجة، ممتحن بالأولاد، ممتحن في كل ما آتاك الله وممتحن في كل ما زوي عنك،لذلك من أدعية النبي عليه الصلاة والسلام: " اللهم ما رزقتني مما أحب فاجعله قوة لي فيما تحب " [الترمذي].
إذا امتحنتنا بالغنى، أو بالصحة، أو بالقوة، أو بالوسامة، فاجعل هذه الأشياء في خدمة عبادك يا رب، وإن امتحنتنا بالفقر أحياناً، بالمرض أحياناً، فاجعل الفراغ الناتج عن هذا الامتحان في طاعتك.
" اللهم ما رزقتني مما أحب فاجعله قوة لي فيما تحب،اللهم وما زويت عني مما أحب فاجعله فراغاً لي فيما تحب " [الترمذي].
الغنى الحقيقي هو غنى العمل الصالح:
أيها الأخوة، الحقيقة الدقيقة: أنك إذا وصفت إنساناً بأنه غني فهذا في الحقيقة ليس بغني، هذا غنى نسبي، لماذا؟ يعني الإنسان على حجم ماله الكبير، على هيمنته الكبيرة، على مكانته الرفيعة، على سيطرته، على كل ما يملك هذا منوط بقطر شريانه التاجي فإذا ضاق هذا الشريان دخل في متاعب لا تنتهي، وقد ينجو، وقد لا ينجو، إذاً ليس غنياً، وهذا الغني، هذا القوي، هذا المتفوق، هذا المتغطرس، كل مكانته، وقوته منوطة بسيولة دمه، فإذا تجمدت قطرة دم في أحد أوعية دماغه في مكان أصيب بالشلل، في مكان فقد الذاكرة، في مكان فقد السمع، في مكان فقد البصر، في مكان فقد الحركة، إذاً ليس غنياً.
أعرف شخصاً جاء بشهادة عليا، وصل لمنصب ما قبل الوزير، مكانة، وعلم، وزوجة رائعة، وبيت فخم، ودخل كبير، فقد بصره، زاره أحد أصدقائي، قال له: يا فلان والله أتمنى أن أجلس على الرصيف، وأتسول، وليس عليّ إلا هذا المعطف، وأن يرد لي بصري.
إذاً ما في غني " الغني " هو الله.
شيء آخر قاله الإمام علي رضي الله عنه: الغنى والفقر بعد العرض على الله.
أما قبل العرض على الله لا يعد الغني غنياً، ولا الفقير فقيراً، وأصحّ ما في هذا اللقاء الطيب أن الغنى الحقيقي هو غنى العمل الصالح، والدليل: أن سيدنا موسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام حينما سقى للفتاتين ابنتي سيدنا شعيب، قال: " رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ " [القصص:24].
فيجب أن تعد نفسك غنياً إذا أكرمك الله بعمل صالح، إذا سخرك لخدمة خلقه، إذا كنت مفتاحاً للخير، مغلاقاً للشر، إذا بثثت في الناس الطمأنينة، والأمن، والسكينة، إذا أطعمت جائعهم، إذا كسوت عاريهم، إذا عالجت مريضهم، إذا آويت مشردهم، إذا أنصفت مظلومهم، أنت الغني، الغنى الحقيقي غنى العمل الصالح.
القرار البطولي الذي يتخذه الإنسان بالتوبة قد يدفع ثمنه ولكن يرقى به إلى الجنة:
الآن الغنى في ذات الله عز وجل إذا تعلق الغنى بالمشيئة فهو من صفات الأفعال كقوله تعالى: " وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ " [التوبة:28].
هناك ملمح لطيف بالآية دقيق جداً، أوضحه بالمثل التالي:
إنسان يبيع الخمر في مطعم من أعلى مستوى، ثم أراد أن يتوب، فلما تاب انخفض الدخل إلى العشر، هذا الانخفاض له حكمة بالغة جداً، أراد الله جل جلاله أن يجعل لهذا القرار البطولي ثمن يدفعه، بهذا الثمن يرقى يوم القيامة " وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَة " لكن بعد حين يفتح الله عليه أبواب الرزق. لابدّ من امتحان، إذا إنسان أراد أن يتخذ قراراً بطولياً قد يدفع ثمنه، هذا الثمن الباهظ لقراره هو الذي يرقى به في الجنة، لكنه إلى حين " وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ " [التوبة:28] هذه إذاً من صفات الأفعال، لأنه هو أغنى وأقنى.
الغني سبحانه هو المستغني عن الخلق بذاته وصفاته وسلطانه:
" الغني " صفة من صفات أفعال الله عز وجل، وإن لم يتعلق الغنى بالمشيئة، فهو صفة من صفات الذات.
" وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ " [آل عمران:97].
هذه صفة ذات، وكقوله تعالى: " يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ " [فاطر:15] لو دخلنا في تفاصيل معنى " الغني "، " الغني " سبحانه هو المستغني عن الخلق بذاته، وبصفاته، وبسلطانه، والخلق جميعاً فقراء إلى إنعامه، وإحسانه، فلا يفتقر إلى أحد في شيء، بل كل مخلوق مفتقر إليه في كل شيء، وهذا هو الغنى المطلق، وهو الغنى الحقيقي، وغنى الإنسان غنى مجازي، يعني غني بماله، لكن مفتقر إلى الصحة، مفتقر إلى العقل، مفتقر إلى التوفيق، مفتقر إلى النصر.
الغني هو الذي يغني من يشاء من عباده بحكمته:
و " الغني " أيضاً هو الذي يغني من يشاء من عباده بحكمته، وأي غني سوى الله فغناه نسبي، مقيد، مجازي، لا غني على الحقيقة إلا الله، أما غنى الحق جلّ جلاله فهو غنىً كامل ومطلق، ومهما بلغ المخلوق في غناه.
كان هناك أحد أكبر أغنياء بريطانيا، دخل إلى غرفة أمواله، فالباب أغلق عليه خطأ، وكان كثير الأسفار، فظنه أهله أنه مسافر، بدأ يصرخ ويصرخ إلى أن أشرف على الموت، فجرح إصبعه، وكتب بدمه على الحائط: أغنى إنسان في بريطانيا يموت جوعاً وجوده ميتاً في غرفة أمواله.
ملكية الله عز وجل ملكية مطلقة:
الإنسان فقير، فقير إلى شربة ماء، يا أمير المؤمنين ! بكم تشتري هذا الكأس إذا منع عنك؟ قال: بنصف ملكي، قال: فإذا منع إخراجه؟ قال: بنصف ملكي الآخر.
أنت وكل ما تملك رهن كأس ماء، مهما بلغ المخلوق في غناه، فهو فقير إلى الله، لأنه المنفرد بالخلق والتقدير، والملك والتدبير، هو المالك لكل شيء، خلقاً، وتصرفاً، ومصيراً، ملكية مطلقة، خلقاً وتصرفاً ومصيراً.
قد تملك دولة طائرة، تبيعها إلى دولة أخرى، الآن المالك الحقيقي هو الثاني، لكن قد تمتلك بيتاً، ملك رقبة، وقد تسكنه، وتملكه ملك منفعة، ولكن مصيره ليس إليك، إما أن يصادر، أو أن تنظم المنطقة فيؤخذ بطريق، أو أن يموت الإنسان ويتركه، أو أن يضطر إلى بيعه، آتي بأمثلة دقيقة: ملكية الله عز وجل ملكية مطلقة، خلقاً، وتصرفاً، ومصيراً، يعطي من يشاء ما يشاء من فضله، ويقسم لكل مخلوق ما يخصه من حياته ورزقه، عطاؤه لا يمتنع، ومدده لا ينقطع، وخزائنه ملأى، ولا تنفذ: " يدُ الله ملأى، لا يَغيضُها ـ أي لا ينقصها ـ نفقة سحَّاء ـ مستمرة، دائمة ـ الليل والنهار ـ يعني طوال الليل والنهار ـ و قال: أَرَأَيتم ما أنْفَقَ منذُ خلق السمـــاء والأرضَ؟ فإنــه لم يَغـض ـ أي لم ينقـص ـ مــا في يــده وكــان عرْشُـه على الماء وبيــده الميــزانُ يَخفِضُ ويَرفَعُ " [متفق عليه].
والنبي صلى الله عليه وسلم قال فيما رواه عن ربه تبارك وتعالى: " يا عبادي ! لو أنَّ أوَّلكم وآخرَكم، وإنسَكم وجِنَّكم، قاموا في صعيد واحد فسألوني، فأعطيتُ كُلَّ إنسان مسألتَهُ، ما نقص ذلك مما عندي إلا كما يَنْقُص المِخْيَطُ إذا أُدِخلَ البحرَ يا عبادي، إنما هي أعمالُكم أُحصيها لكم، ثم أُوفّيكم إيَّاها، فمن وَجَدَ خيراً فليَحْمَدِ الله ومن وجد غير ذلك فلا يَلُومَنَّ إلا نَفْسَهُ " [مسلم].
أيها الأخوة " الغني " على سبيل الإطلاق، والقيام بالنفس هو من صفة الله وحده الغنى المطلق، والقيام على الخلق هو الله جل جلاله، وليس ذلك لأحد سواه، هو " الغني " بذاته عن العالمين، المستغني عن الخلائق أجمعين، واتصاف غير الله بالغنى لا يمنع أن يكون الحق متوحداً في غناه، لأن الغني في حق غيره مقيد، وفي حق الله مطلق، وهذا واضح معلوم، وذلك مطرد في جميع أوصافه بدلالة اللزوم.
تقنين الله عز وجل تقنين تأديب وتقنين العباد تقنين عجز:
بقي شيئاً آخر في الغنى، قد نرى شحاً في الأمطار، وقد نرى قلة في المحاصيل، وقد نرى قصراً في العمر، وقد نرى أشياء قليلة بالحياة، الحقيقة مستحيل وألف ألف مستحيل أن يكون تقنين الله عز وجل تقنين عجز، أما نحن البشر نقنن تقنين عجز الكهرباء قليلة نقطع التيار لساعات عن كل حي في المدينة، الماء قليل، نقطع الماء ساعات طويلة كل يوم، المحاصيل قليلة نرفع الأسعار، الإنسان يقنن تقنين عجز، إلا أن الله جل جلاله إذا قنن فتقنينه تقنين تأديب، الأدلة: " وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ " [الحجر:21].
الآية الثانية: " وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ " [الشورى:27].
مرة كنت في العمرة،اطلعت على مجلة علمية رصينة،قرأت فيها بحثاً عن اكتشاف سحابة في الفضاء الخارجي، يمكن أن تملأ محيطات الأرض ستين مرة في اليوم بالمياه العذبة " وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ ".
التقنين من الله تعالى تقنين تربية ومعالجة وسوق إلى بابه الكريم: لذلك التقنين تقنين إلهي.
" وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ " [الأعراف:96].
" وَأَن لَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاءً غَدَقًا (16) لِّنَفْتِنَهُمْ فِيهِ " [الجن:16-17].
" وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ " [المائدة:66].
وقد يُحرم المرء بعض الرزق بالمعصية، فالتقنين فيما يبدو هو تقنين تأديب لا تقنين عجز، تقنين حكمة، تقنين تربية، تقنين معالجة، تقنين سوق إلى باب الله عز وجل، فئة كبيرة جداً من عباد الله قد تساق إلى الله عز وجل بالتقنين والحرمان أحياناً، ولكن نسأل الله جلّ جلاله أن يجعل الرخاء والبحبوحة حالة يتمتع بها كل المؤمنين.
والحمد لله رب العالمين
مختارات