فقه البعث والحشر - الجزء الثالث
براهين المعاد في القرآن تقرر ثلاثة أصول:
أحدها: تقرير كمال علم الرب كما قال سبحانه: {أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (77) وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (79)} [يس: 77 - 79].
الثاني: تقرير كمال قدرة الرب كما قال سبحانه: {أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ (81) إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82)}... [يس: 81 - 82].
الثالث: كمال حكمة الرب كما قال سبحانه: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (21)} [الجاثية: 21].
ولكن الكفار لا يؤمنون بالرب.. ولا يؤمنون بالدين الحق.. ولا يؤمنون بالبعث.. ولذلك اختلط عليهم الأمر، فهم في أمر مريج آل بهم إلى الشقاء في الدنيا والعذاب في الآخرة.
فما أجهلهم بربهم.. وما أسفه عقولهم.
{بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ (5) أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ (6) وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (7) تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (8)} [ق: 5 - 8].
وقد وكل الله تعالى إ بكل إنسان قريناً من الملائكة يكتب عمله، فإذا كان يوم القيامة قال الملك: يا رب هذا هو الشخص الذي وُكِّلت به، وهذا عمله الذي أحصيته عليه في الدنيا، كما قال سبحانه: {وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ (23) أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (24) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ (25) الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ (26)}... [ق: 23 - 26].
يا حسرة على العباد كم ضيعوا من الأوقات في غير طاعة الله.. ويا خيبة الكفار في ذلك اليوم العصيب.
فسبحان الرب الملك العظيم، العزيز الجبار، الغني الحليم، الذي له الخلق والأمر، وله التصريف والتدبير في الكون كله، في السماء والأرض، وفي الدنيا والآخرة.
خلق الملائكة المقسِّمات أَمْر الله الذي أُمِرت به بين خلقه كما قال سبحانه: {فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا (4)}... [الذاريات: 4].
ومن أعظم المقسمات لأوامر الرب في خلقه:
جبريل: الذي يَقْسِم الوحي بأمر ربه إلى الرسل، ويقسم العذاب وأنواع العقوبات على من خالف الرسل.
وميكائيل: الذي يقسم القطر والبرد والثلج والنبات والأرزاق بأمر الله.
وإسرافيل: الذي يقسم الأرواح على أبدانها عند النفخ في الصور بأمر الله.
وملك الموت: الذي يقسم المنايا بين الخلق بأمر الله.
وكل حركة في السموات والأرض من حركات الأفلاك، والنجوم، والشمس، والقمر، والرياح، والسحاب، والنبات، والحيوان، فهي ناشئة عن الملائكة الموكلين بالسموات والأرض كما قال سبحانه عنهم: {فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا (5)} [النازعات: 5].
وذلك كله يدل على كمال قدرة الرب.. وكمال علمه.. وكمال حكمته.. وكمال عنايته بخلقه.. وكمال رحمته لهم.
وإبداء الخلق وإعادته دليل ظاهر مكرور يدل على المبدأ والمعاد، الذي نزلت به كتبه سبحانه، وأخبرت به جميع رسله.
وذلك مشهود في الدنيا عياناً:
في إبداء الليل والنهار وإعادتهما.. وفي إبداء الزمان وإعادته الذي هو حاصل بسير الشمس والقمر.. وفي إبداء النور وإعادته في القمر.. وإبداء النبات والحيوان وإعادتهما.. وإبداء فصول السنة وإعادتها.. وإبداء ما يحدث في تلك الفصول وإعادته.
أو ليس القادر على ذلك كله بقادر على أن يحيي الموتى يوم القيامة: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (33)} [الأحقاف: 33].
مختارات