اسم الله المتين 2
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
من أسماء الله الحسنى: (المتين):
أيها الأخوة الكرام، لازلنا في اسم " المتين " فالله سبحانه وتعالى قوي متين، أي لا يحتاج في إمضاء حكمه إلى جند أو مدد، ولا إلى معين أو عضد، لأن الله سبحانه وتعالى قوي بذاته، متين بذاته، والـ " المتين " هو القوي.
" وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ " [الحديد:2].
الله عز وجل خلق الإنسان ضعيفاً ليفتقر في ضعفه فيسعد بافتقاره:
أيها الأخوة، الإنسان بفطرته يحب القوي، لأنه في الأصل ضعيف، قال تعالى: " وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً " [النساء:28].
خلقه ضعيفاً ليفتقر في ضعفه، فيسعد بافتقاره، ولو خلقه قوياً لاستغنى بقوته كلام دقيق جداً، خلقه ضعيفاً ليفتقر في ضعفه إلى الله فيسعد بافتقاره، ولو خلقه قوياً لاستغنى بقوته عن الله، فشقي باستغنائه.
لذلك الإنسان يحب القوي، ويلتفت إليه، فالله سبحانه وتعالى صاحب الأسماء الحسنى، فمن القوة قوي، ومن الغنى غني، ومن الحكمة حكيم، ومن الرحمة رحيم، ومن اللطيف لطيف، فكلما اشتدت معرفتك وزادت بأسماء الله الحسنى اشتد حبك له، وقد قيل: أرجحكم عقلاً أشدكم لله حباً.
أزمة أهل النار في النار هي أزمة علم:
كلما توسعت في معرفة أسماء الله الحسنى ازددت حباً له، لذلك قال بعض العلماء: من أعجب العجب أن تعرفه ثم لا تحبه، ومن أعجب العجب أن تحبه ثم لا تطيعه.
دائماً الخلل في الطاعة وراءه خلل في التصور، الخلل في الطاعة وراءه خلل في المعرفة، والأزمة دائماً أزمة علم، بل إن أزمة أهل النار في النار هي أزمة علم والدليل قالوا وهم في النار: " وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ " [الملك:10].
لأن جبلتك بنيت على أن تحب ذاتك، وأن تحب سلامتك، وأن تحب كمالك، وأن تحب استمرار وجودك، انطلاقاً من جبلتك، وفطرتك أنت تحب الخير لنفسك، أين الأزمة؟ أزمة علم فقط.
ما من تصرف إلا وراءه تصور فإن صحّ التصور صحّ التصرف:
الآن إذا عرفت أن الله قوي متين، وأن الأمر كله بيده، تتجه إليه، تتكل عليه، تقبل عليه، تخطب وده، تطيع أمره، أزمة علم، ما من تصرف إلا وراءه تصور، إن صحّ التصور صحّ التصرف، فأي خلل في حياتنا أساسه نقص في العلم، ونقص في التوحيد.
من باب الحوار: لو ملك الواحد منا رؤية رسول الله لكان في مقامه، لأنه من جبلتنا، لأنه خلقه الله عز وجل بخصائصه، وخصائصه كخصائصنا، الفرق فرق معرفة، لو أتيح لإنسان أن يعرف الله كما عرفه النبي الكريم لأقبل على الله كما أقبل عليه النبي الكريم أزمة معرفة.
إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم، والعلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك.
من حمد الله ووحده وكبره فقد عرفه:
دقق: " الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا " [الكهف:46] دقة الآية يعني بنون بلا مال عبء كبير، ومال وفير بلا بنون وضع صعب جداً " الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ".
الآن الله عز وجل سيقيّم لك زينة الحياة الدنيا، قال: " وَالْبَاقِيَاتُ " [الكهف:46] معنى ذلك أن المال، وأن البنين ليسا باقيين " الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ " [الكهف:46].
" وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ " كما قال العلماء: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، حمدته، ووحدته، وكبرته، فقد عرفته، إن عرفته عرفت كل شيء، وإن فاتتك هذه المعرفة فاتك كل شيء.
الوعد العظيم الذي وعد الله به عباده المؤمنين يمتص عندهم كل متاعب الحياة:
لذلك إذا عرفت أن الله قوي متين، وأن الأمر كله بيده، قطعت الرجاء عمن سواه، أي أدق شيء بحياة المؤمن أنه يعلق كل أمله بالله،يعلق كل رجائه بالله،كل ثقته بالله،كل ثقته بما عند الله،فلهذا الله عز وجل قال: " أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ " [القصص:61].
مرة أخ من باب الدعابة، قال لي: المؤمن شأنه كشأن الناس جميعاً، ليس يتميز عليهم بالسعادة، يعني أراد أن يثير مشكلة، فقلت له: وضع المؤمن كما تقول، إذا في ارتفاع أسعار تناله، إذا في حر شديد يعاني من هذا الحر، كما تفضلت، قلت له: المؤمن يعاني ما يعاني الآخرون، إلا أن المؤمن يتميز عليهم، يشبه إنساناً عنده أولاد كثيرون، وبيته صغير، وبيته بالأجرة، ودخله محدود، ويعاني ما يعاني، له عم ليس عنده أولاد معه مبالغ فلكية، يعني مثلاً خمسمئة مليون، ومات بحادث فجأة، وكل هذه الأموال آلت إليه لكن الإجراءات المالية، وبراءات الذمة تحتاج لوقت طويل، خلال سنة لم يقبض درهماً واحداً لكنه دخل في الأمل، كلما رأى قصراً رائعاً يقول سأشتريه، وكلما رأى مركبة فارهة يقول سأشتريها، دقق بالآية: " أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا " أي الوعد العظيم الذي وعد الله به عباده المؤمنين، هذا الوعد يمتص كل متاعب الحياة، الآية مرة ثانية: " أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ ".
الله عز وجل قوي متين من عرفه زهد فيما سواه:
المؤمن يعاني ما يعاني، ويعاني كالناس جميعاً، إلا أن الله خصّه بوعد كبير، خصّه بجنة عرضها السماوات والأرض، هذا الوعد، وهذا الأمل، وهذا التطلع إلى ما عند الله من خير، ينسيه كل متاعب الحياة.
فإذا عرفت أن الله قوي متين تبددت أمام ناظريك كل العقبات، ومعنى القوة أن هذه القوة في كل المجالات، الله عز وجل يقول: " الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً " [البقرة:165] يعني يجوز أن نقول يوجد بالجمال قوة، جمال أخاذ، يوجد بالكرم قوة، كرم منقطع النظير، يوجد بالغنى قوة، يوجد بالحب قوة.
لذلك الله عز وجل قوي بمعنى أنه قوي بكل صفات الكمال، قل " الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً " أي النتيجة الطبيعية أنك إذا عرفت الله زهدت فيما سواه، إنسان جائع جوعاً شديداً، والطعام عنده من أيام، هناك بداية تغير المذاق، وغير شهي إطلاقاً، لكنك جائع ما في قوة يمكن أن تصرفك عنه إلا بطعام نفيس، الطعام النفيس يزهدك بهذا الطعام الذي لا تستسيغه، من عرف الله زهد فيما سواه.
مواقف الإنسان البطولية تأتي من معرفته بالخالق سبحانه:
أنا أرى أن المشكلة الكبرى نقص في معرفة الله، نقص في معرفة ألوهيته، بيده الأمر.
دخلت مرة لجامع كبير، فوق المحراب آية بحجم كبير جداً لكنك إذا قرأتها اقشعر جلدك: " يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ " [الفتح:10] لا تشعر بالإحباط، هؤلاء الأقوياء عصي بيد الله.
" فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنظِرُونِ (55) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم ۚ مَّا مِن دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا ۚ إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ] [هود:55-56].
يعني ما معنى فرعون؟ يعني قتل الإنسان عند فرعون كقتل ذبابة، أن يقف السحرة أمامه، ويقولون كلاماً لا يستطيع الإنسان أن يقوله لأقل موظف في جهاز قوي.
" فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ ۖ إِنَّمَا تَقْضِي هَٰذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (72) إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ ۗ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ " [طه:72-73] هذه المواقف البطولية من أين تأتي؟ من معرفتك بالله.
معرفة أسماء الله الحسنى تسعد الإنسان في الدنيا والآخرة:
أنا لا أبلغ إذا قلت لكم إذا كان الإسلام هرماً، وقد قُسم إلى أربعة أقسام قسمه الأعلى هو العقيدة، إن صحت العقيدة صحّ العمل، وإن فسدت العقيدة فسد العمل، وأهم شيء بالعقيدة أن تعرف الله، وأهم شيء بمعرفة الله أن تعرف أسماءه الحسنى وصفاته الفضلى، فإذا عرفت أسماءه الحسنى وصفاته الفضلى توجهت إليه، واعتمدت عليه، وأنبت إليه، وأقبلت عليه، واستعنت به، عندئذٍ تسعد في الدنيا والآخرة، هناك شيء يسمى الآن مصيري.
طالب نجح من السابع للثامن نجاحاً عادياً ـ الآن دقق ـ حادي عشر، ثاني عشر الآن علاماتك بالثاني عشر تحدد مصيرك، طبيب، مهندس، صيدلي، يعني بمقاييس بلدنا علاماتك بالثاني عشر تحدد مصيرك.
أحياناً يكون هناك أمراض كثيرة، كلها أمراض طارئة، والإنسان يشفى منها، لكن في بعض الأمراض تحدد مدة بقائك في الدنيا، يقول لك مرض عضال.
معرفة أسماء الله الحسنى تحدد علاقة الإنسان مع ربه:
أنا أرى أن معرفة أسماء الله الحسنى تحدد علاقتك مع الله، يعني هذا كلام أسميه حقيقة مرة لكنها أفضل ألف مرة من الوهم المريح، مادمت تعلق الأمل على غير الله، مادمت تتجه إلى غير الله، مادمت ترى أن طاعة زيد أكبر عندك من طاعة الله، مادمت ترى أن إرضاء الزوجة أكبر عندك من إرضاء الله، مادام الاتجاه إلى غير الله، فالطريق إلى الله مسدود.
" قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا " [التوبة:24]يعني الطريق إلى الله ليس سالكاً.
" فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ " [التوبة:24].
من تعلق بغير الله عز وجل شدد الله عليه:
الآن الله عز وجل يغار عليك، إذا تعلقت بغيره شدد عليك، إذا تعلقت بغيره ألهم هذا الآخر أن يسيء إليك، لأنه يغار عليك، وهذا شيء ثابت، لمجرد أن تعقد الأمل على ابنك مثلاً تجعل هذا الابن منتهى آمالك، ومحط رحالك، الذي يحصل يتجنس، ويرفض العودة، وقد يمن عليك باتصال هاتفي في العام مرة، لأنك علقت الأمل به.
" لو كنتُ متخذا من أُمَّتي خليلا لاتَّخذتُ أبا بكر، ولكن أخي وصاحبي " [البخاري].
هذه تجربة دقيقة جداً، حينما تعقد الأمل على زوجتك، تضع كل أملك فيها تخيب ظنك، لماذا خيبت ظنك؟ تأديباً من الله عز وجل، لأنه الله يغار عليك، أن تتعلق بغيره.
وهذا معنى الشرك الخفي، الشرك الخفي أن تعتمد على غير الله، من نحن أمام الصحابة الكرام؟ قمم البشر، وفيهم سيد البشر، فلما اعتمدوا على عددهم، وكثرتهم في حنين خذلهم الله، قال: " وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ " [التوبة:25] يعني المؤمن لأنه يرى أن الله هو القوي، وهو " المتين " لا يعلق الأمل على غيره ولا يخاف من غيره، أن تتحدى الأقوياء تحدياً صارخاً،
" فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنظِرُونِ (55) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم ۚ مَّا مِن دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا ۚ إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ " [هود:55-56].
المؤمن للمؤمن متواضع جداً ولغير المؤمن عزيز عفيف:
والله أيها الأخوة، بنفس المؤمن من العزة ما لو وزعت على أهل بلد لكفتهم، عزيز، وقد وجه النبي المؤمنين فقال: " ابتغوا الحوائج بعزة الأنفس فإن الأمور تجري بالمقادير " [أخرجه ابن عساكر].
ونبهنا وقال: " لا ينبغي للمؤمن أن يُذِلّ نفسَهُ " [الترمذي].
وعلمنا أن المؤمنين أعزة على الكافرين، متواضع إلى أقصى درجة، يقول سيدنا عمر حينما تولى الأمر وكان شديداً، فخاف الناس شدته، يقول لأبي ذر: والله يا أبا ذر في قلبي من الرحمة ما لو علموها لأخذوا عباءتي هذه، ولكن هذا الأمر لا يناسبه إلا كما ترى، ثم يقول: اعلموا أيها الأخوة أن هذه الشدة قد أضعفت، وإنما تكون على أهل البغي والعدوان أما أهل التقوى والعفاف فأنا أضع لهم رأسي ليطؤوه، المؤمن للمؤمن متواضع جداً، لغير المؤمن عزيز.
فلذلك: إما أن تكون عبداً لله، أو أن تكون عبداً لعبد لئيم، استمعوا لهذه الآيات:
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ " [المائدة:54].
أحياناً يكون إنسان عنده عزة وهو مستخدم، يكون في مدير عام منبطح لمن هو أقوى منه.
خيارات القوي في العمل الصالح لا تعد ولا تحصى:
لكن الآن الشيء الدقيق جداً أن الله قوي متين وهذا المعنى الدقيق لا يتعارض مع سعي الإنسان بأن يكون قوياً لأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول: " المؤمن القويُّ خيْر وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كلّ خير " [مسلم].
" المؤمن القويُّ خيْر وأحبُّ إلى الله " يستنبط من هذا أنه إذا كان طريق القوة (طريق أن تكون قوياً، إما بمالك، أو بمنصبك) سالكاً وفق منهج الله يجب أن تكون قوياً، لأن خيارات القوي في العمل الصالح لا تعد ولا تحصى، إن كنت قوياً بالمال بإمكانك أن تفتتح مأوى للعجزة، مأوى للمسنين، معهداً شرعياً، مستشفى، مستوصف، أن تزوج الشباب، أن ترعى الأرامل، أن تطعم الجياع، إذا كان طريق القوة سالكاً وفق منهج الله يجب أن تكون قوياً، لأن خيارات القوي في العمل الصالح لا تعد ولا تحصى، إذا كنت قوياً مالياً، وإذا كنت قوياً بالعلم، تعلم العلم، تنشر هذا العلم، وإذا كنت قوياً في منصبك بجرة قلم تحق حقاً، وتبطل باطلاً، بتوقيع تقر معروفاً، وتزيل منكراً.
كلمة المسلمين ليست العليا وللآخرين عليهم ألف سبيل وسبيل:
أيها الأخوة، انطلاقاً من اسم القوي " المتين ": " وَأَعِدُّوا لَهُمْ " [الأنفال:60] للطرف الآخر.
" وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ " [الأنفال:60] الذي حصل أنهم أعدوا لنا، ولم نعد لهم، كنا في غفلة لمئتي عام، هم في صحوة، وفي عمل دؤوب حتى استكملوا القوة العظمى، ففرضوا ثقافتهم، وإباحيتهم، وانحرافهم على شعوب الأرض، وهذا نقص خطير في حياة المسلمين، هذه الصحون هذا غزو فضائي، كانوا يجبروننا بالقوة المسلحة على أن نفعل ما يريدون، الآن لا يحتاجون لا إلى طائرات، ولا إلى مدافع، ولا إلى صواريخ، ولا إلى حاملات طائرات، يحتاجون إلى محطة إباحية فقط، يبثونها، تجد بيوتات المسلمين إلى ساعة متأخرة من الليل غارقة في هذه المشاهد الرخيصة، أي قيام ليل؟ أي ذكر؟ أي صلاة بالمسجد؟ أنا لا أتكلم عن فئة قليلة عرفت ربها، وعرفت دينها، أتكلم عن السواد الأعظم من المسلمين، يعني مليار وخمسمئة مليون مسلم، لا وزن لهم في الأرض، والواحد منهم كألف سابقاً، وما كان المسلمون مع الله عز وجل، بينما الألف من هؤلاء الذين يعيشون معنا كأف، مليار وخمسمئة مليون لا وزن لهم؟ ليس أمرهم بيدهم؟ ليست كلمتهم هي العليا؟ للطرف الآخر عليهم ألف سبيل وسبيل؟.
لذلك " وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ " على المؤمن أن يتخلق بكمالات الله عز وجل: شيء آخر: " وَالَّذِينَ " انطلاقاً من أن تتخلق بكمال مشتق من اسم القوي " المتين ": " وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ " [الشورى:39] تذلل، خنوع، تضعضع.
" من جلس إلى غني فتضعضع له ذهب ثلثا دينه " [أبو الشيخ عن أبي الدرداء].
" وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ " لكن لا يوجد عدوان.
" وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا " [الشورى:40] يقول لك: سأكيل له الصاع صاعين، كلام غير شرعي، الشرعي " وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا " قال: " فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ " [الشورى:40] إذا غلب على ظنك أن العفو يصلح هذا الذي اعتدى عليك وعفوت عنه أجرك عند الله، يعفو بحكمة، يعفو حينما يرى أن العفو قد ينقذ أخاه من الشقاء فيعفو عنه.
أيها الأخوة، لا بد من أن نتخلق من كمالات الله، وأن نتقرب بهذه الأخلاق إلى الله.
ملخص اسم القوي " المتين ": " المؤمن القويُّ خيْر وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف " [مسلم].
والحمد لله رب العالمين
مختارات