حكم الجهر بالذكر
اختلف الفقهاء فى حكم رفع الصوت والجهر بالذكر على قولين:
القول الاول: أنَّ رفع الصوت والجهـر بالذكــر جائزلكن الأفضل أن يراعى مقدار رفع الصوت المأذون به فى الذكر، فلا يجهر بالذكر فوق مايُسمع نفسه إلا فى المواضع التى ورد فيها الجهر، بمثل هذا قال بعض الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة. واستدلوا على جواز الجهر ورفع الصوت بالذكر بما ورد أنَّ النبى صلى الله عليه وسلم ذكر عن رب العزة فى الحديث القدســـى أنه يقول " أنا عند ظن عبدى بى، وأنا معه إذا ذكرنى؛ فإن ذكرنى فى نفسه ذكرته فى نفسى، وإن ذكرنى فى ملإٍ ذكرته فى ملإٍ خيرٍ من الذى ذكرنى فيه " وبحديث النبى صلى الله عليه وسلم " إن لله ملائكةٌ يطوفون بالطرق يلتمسون أهل الذكر.... " المتقدم، وفيه فإذا وجدوا قوماً يذكرون الله تنادوا؛ هلموا إلى حاجتكم. ومن الحديث المتقدم أيضاً لمَّا خرج النبى صلى الله عليه وسلم على حلقة من أصحابه فقال " ما أجلسكم؟.... "
وجه الدلالة من الأحاديث السابقة، أنَّ هذه الأحـاديث تدل على جواز الجهر ورفع الصوت بالذكر، الذكر فى الملأ لا يكون إلا عن جهر. واستدلوا كذلك بحديث ابن عباس رضي الله عنه الذى فى الصحيحين؛ أنه قال إنَّ رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة (يعنى أذكار دبر الصلاة) كان على عهد النبى صلى الله عليه وسلم. وعلق الإمام النووى على ذلك فقال " هذا دليلٌ لما قاله بعض السلف أنه يُستحب الجهر بالذكر عقب المكتوبة "، لكن يُستحب الجهر بالذكر عقب المكتوبة ليس على الصورة التى تُصنع فى بعض المساجد من الجهر بأن يُمسك أحدهم مكبر الصوت ويأخذ فى الذكر بطريقة معينة ويذكرون الناس جميعاً بصوتٍ واحد هذه الأذكار، هذا ليس هو المقصود وإنما يُجهر بمثل هذا بحيث لا يُشَوش على الآخرين وبحيث لا نخرج عن السنة فى ذلك. يُجهر بها ولا يُخافت بها. واستدلوا أيضا بحديث أنه صلى الله عليه و سلم " مر رجل به صلى الله عليه و سلم وكان يرفع صوته بالذكر فقيل له يا رسول الله عسى أن يكون هذا مرائيا فقال لا و لكنه أواه " و هذا حديث رواه الامام أحمد فى مسنده و الطبرانى فى الكبير و قال الهيثمى فى المجمع رواه الامام احمد و الطبرانى و اسنادهما حسن. ووجه الدلالة واضح: أن هذا الرجل كان يجهر بالذكر ولم ينكر عليه النبى صلى الله عليه وسلم مثل ذلك، واستدلوا على أن الأفضل مراعاة مقدار رفع الصوت يعنى لا يجهر بالصوت بالشكل الذى يتجاوز الشكل المناسب أو يتجاوز المعتاد و المألوف و الطبيعى ولا يخافت بطريقة لا تسمع حتى لا يسمع نفسه استدلوا على ذلك بقول الله تعالى فى سورة الاعراف {وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلاَ تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ (205) } [الأعراف] ووجه الدلالة فى الآية: أن الله سبحانه و تعالى فى هذه الآية أمر بالذكر فى النفس فلا يكون نداءا و لا يكون مخافتا و إنما دون الجهر من القول لا يبلغ درجة العلو و الصراخ و علو الصوت و لا المخافتة شديدة الاسرار فهذا امرنا الله سبحانه و تعالى ان يكون بين هذا و ذاك خيفة و تضرعا دون علو صوت. واستدلوا ايضا بحديث ابى موسى الأشعرى رضى الله عنه قال " كنا مع النبى صلى الله عليه وسلم فى سفر فارتفعت اصواتنا بالتكبير فقال يا أيها الناس إنكم لا تدعون أصم ولا غائبا إنه سميع قريب تبارك اسمه وتعالى جده " [صحيح البخارى]. فها هنا النبى صلى الله عليه وسلم ندبنا إلى خفض الصوت بالذكر إذا لم تدع حاجة إلى رفعه وقالوا أن ذلك أقرب إلى الخشوع و أبعد عن الرياء، هذا القول هو قول من قال بجواز رفع الصوت لكن قالوا بأن الأفضلية لأن يضبط الإنسان هذا الصوت بحيث لا يتعدى الحدود لا فى العلو و لا فى الإسرار.
القول الثانى: الجهر بالذكر بدعة الا فى المواضع التى ورد فيها الجهر يعنى الاذان قلنا ان الاذان ذكر فلابد فيه من الجهر، التلبية ان النبى صلى الله عليه وسلم يقول " الحج العج الثج " [سنن الدارمى] العج: أى رفع الصوت بالتلبية وانظروا من قال بهذا القول الامام ابو حنيفة قال رحمه الله رفع الصوت بالذكر بدعة يخالف الامر من قول الله تعالى {وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً } فينبغى ان يقتصر فيه على ما ورد فى الشرع واستدلوا على هذا كما هو بين من كلام الامام بأن الذكر ينبغى ان يكون خيفة وينبغى أن يكون الجهر ممنوعا لان الله عز و جل قال ودون الجهر من القول. لكن ناقش العلماء هذا الاستدلال من وجهين ان هذا الامر ليس للافتراض او الوجوب حتى يقال بحرمة ضده يعنى هذا تضرعا وخيفة الصحيح من اقوال العلماء ان هذا للاستحباب ان يكون هذا هو شأن الانسان حال الذكر لله سبحانه وتعالى والبعض يقول ان الآية دلت على جواز الجهر والسر كليهما وان الافضل ذكر الله سبحانه وتعالى سرا تضرعا وخيفة هذا وجه الامر هنا ليس للافتراض او الوجوب حتى يقال ببدعية مثل هذا. وان هذه الآية محمولة على سامعى القرآن كما يدل عليه اتصال هذه الآية بقول الله تعالى {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (204)}[الأعراف]، فالمعنى اذكر ربك ايها المنصت فى نفسك تضرعا وخيفة قالوا هذه الآية محمولة على سامعى القرآن اما حديث " انكم لا تدعون أصم و لا غائبا انه سميع قريب " فوجه الدلالة أنه صلى الله عليه وسلم نهاهم عن رفع اصواتهم بالتكبير مما يدل على أفضلية الاسرار ويقال هذا جيد لكن جهر الصحابة ربما كان مفرطا جاوز الحد ولذا نهاهم عن هذا الجهر وانه لو لم يمنعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم لتوهموا ان رفع الصوت بالذكر فى السفر عند صعود الثنية ان هذا مسنون فأراد النبى صلى الله عليه وسلم أن يبين لهم أن هذا هو الافضل او ان هذا هو الاحسن و الاليق و أراد سدا للذريعة و تيسيرا على الامة لكن هذا لا دلالة فيه على منع الجهر مطلقا.
الارجح فى هذه المسألة و الله اعلم هو جواز رفع الصوت بالذكر لكن الافضل للذاكر ان يراعى مقدار رفع الصوت المأذون به. قال الامام الشوكانى فى تحفة الذاكرين " الجمع بين القولين فى هذه المسألة ان هذا معتمد على حال الاشخاص فقد يكون الجهر افضل اذا امن من الرياء و كان فى الجهر تذكير للغافلين " احيانا الانسان يجد الناس فى لغط فمثلا يقول اذكار الصباح.. اذكار المســاء يا شباب محتاجين نذكر بعض يقولها بطريقة تلفت نظر الناس دون ان يكون فى ذلك ارادة للكبر او العلو على الناس بانه هو الذى يصنع وهم لا يصنعون، انما من باب التناصح الجيد هذا لا بأس به اذا صنع بعض الناس مثل هذا حتى يقتدى به من يقتدى وحتى يكون تذكرة للغافل وتنشيط للأخوة والاخوات بالاقتداء فى مثل هذه الاحوال. قال " وقد يكون الاسرار افضل اذا كان الامر بخلاف ذلك " إذا خاف الرياء فيسر هذا هو الاوفق له فالطريقة المثلى فى هذا الباب ان يجهر فى الموضع الذى ورد فيه الجهر، الشرع يقول اذا لبيت فارفع صوتك فارفع صوتك الشرع يقول اذا سبحت واذا حمدت الله عز وجل اذا كنت فى وردك المطلق من استغفار وكذا فلماذا تريد ان تشعر الناس بانك تصنع هذا أسر حتى تكون أبعد عن شبهات الرياء والعياذ بالله تعالى. اذاً يجهر فى الموضع الذى ورد فيه الجهر و يسر فى الموضع الذى ورد فيه الاسرار، ويذكر دائما ابدا قول الله تعالى {وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً (110) }[الإسراء]،فلا يتجاوز الحدود المضروبة له
شرح الوابل الصيب للشيخ هانى حلمى
مختارات