اسم الله المنان 1
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
من أسماء الله الحسنى : ( المنّان ) :
أيها الإخوة الكرام ، مع اسم جديد من أسماء الله الحسنى ، وهو اسم ( المنان ) .
1 ـ ورودُ اسم ( المنان ) في السنة النبوية :
اسم الله الأعظم :
معاني قوله تعالى " وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا " :
لهذه الآية معان كثيرة ، من معاني هذه الآية لن تستطيع أن تدعو الله إلا إذا توسلت إليه بكمال مشتق منه ، تريد أن يجيبك الرحيم ؟ كن رحيماً ، تريد أن يستجيب لك ؟ كن عادلاً ، تريد أن تلبى دعوتك ؟ كن منصفاً : " وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا " .
معنى آخر لهذه الآية : أنت بحسب حالك اختر من أسماء الله الحسنى الاسم المناسب ، فقد تكون متطلعاً إلى الشفاء ، قل : يا شافٍ ، يا عظيم ، قد تكون متطلعاً إلى النصرة قل : يا ناصر ، يا رب انصرني ، انصر دينك يا رب .
فلذلك اسم الله الأعظم موضوع خلافي ، المتفق عليه أن اسم الله الأعظم إذا دعوت به أجابك ، وإذا سألت به أعطاك .
حظُّ المؤمن من الدعاء :
والمؤمن أيها الإخوة حينما يوقن أن الله سبحانه وتعالى رحمته عامة ، وأفعاله حكيمة ، ولا يفعل إلا الأصلح ، لأنه كامل كمالاً مطلقاً ، عندئذٍ يستجيب لقضاء الله وقدره ، ومن علامات المؤمن أنه يرضى بقضاء الله وقدره .إذاً : اسم الله الأعظم قد يكون اسم الرب ، وقد يكون اسم الرحمن ، وقد يكون اسم ( المنان ) كما ورد في هذا الحديث ، ولكن قد يكون اسم الله الأعظم الاسم الذي أنت في أمسّ الحاجة إليه .
2 ـ معنى ( المنان ) في اللغة :
1 ـ القطع : أيها الإخوة ( المنان ) في اللغة صيغة مبالغة ، مِن الفعل منّ يمُن مَناً ، معنى منّ ، يمن ، مناً : أي قطع يقطع ، قطع الشيء ، وذهب به ، معنى ذلك أنه منّ .
شيء آخر ، منّ عليه ، أي أحسن وأنعم عليه .
إن اسم الله إذا جاء بصيغة المبالغة فيعني مبالغة في الكمّ ، أو في النوع ، فالله عز وجل إذا قلت : يا غفار ، فإنه يغفر أكبر ذنب تتصوره ، وإذا قلت : يا غفار فيغفر مليون ذنب ، والصلح مع الله يتم بلمحة واحدة ، والدنيا ساعة فاجعلها طاعة ، والصلح سريع .
أيها الإخوة ، بعض العلماء قال : المنة ؛ النعمة الثقيلة .
قدم إنسانٌ لإنسان هدية بألف ليرة ، هذا عمل طيب ، أما أن يعطيك بيتاً ، و مركبة ، وأرضاً ، ورأس مالٍ ، بلا مقابل ، فهذا عطاء كبير بمقياس البشر .
فالمن النعمة الثقيلة ، ولا تكون حقيقة إلا لله عز وجل ، لأن الله سبحانه وتعالى منحك نعمة الإيجاد ، أوجدك ، ولم تكن شيئاً مذكورا ، منحك نعمة الإمداد ، منحك نعمة الهدى والرشاد ، فالنعم العظيمة ، النعم الجليلة ، هي نعم الله عز وجل .
المنن والنعم الثقيلة لا تصح حقيقة إلا لله :
البطولة أن تفوز فوزاً عظيماً ، البطولة أن تستحق الجنة . البطولة كما قال الإمام علي رضي الله عنه : " الغنى والفقر بعد العرض على الله " . لكن ( المنان ) هو الذي يقدم لك نعمة ثقيلة ، وعلى الحقيقة هي نعم الله عز وجل ، ولكن هناك مَن يمنّ عليك ، يقول لك : لحم كتفك من خيري ، هذا منٌ بالقول ، وهو مستقبح ، وهناك منٌ بالعمل ؛ أن يعطيك ، أن يملكك، أما المنّ بالقول فمستقبح ، ولكن العلماء أجازوه في حالة نادرة ، حينما تُكفَر النعمة .أعلمه الـرمـــاية كل يــوم فلما اشتد ساعده رماني
وكــم عملته نظم القوافي فلمــا قـــال قافية هجاني
" لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى "المنّ القولي مستقبح ، إلا في حالة نادرة إذا كُفرت النعمة .
حينما وجد الأنصار على أنفسهم في لعاعة من الدنيا تألف النبي بها قوماً ليسلموا ، ووكلهم إلى إسلامهم ، قال : " ألم تكونوا ضلالاً فهداكم الله بي ، ألم تكونوا عالة فأغناكم الله "فلذلك المنّ مقبول في حالات نادرة ؛ حينما ينسى الإنسان الخير ، ينسى العطاء فيذكره غيرُه به .2 ـ فضل الله وعطاءه ببعثة النبي عليه الصلاة والسلام :
أما المنّ القولي ـ دققوا ـ : " يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ " [الحجرات:17]الله منّ عليكم بالعطاء ، وأنتم تمنون بالقول ، والمنّ القولي مستقبح ، وهو يذهب أجر العمل الصالح ، فإن فعلت خيراً يجب أن تنساه إلى الأبد ، وكأنك لم تفعل شيئاً ، والأكمل إذا فعل معك معروف ينبغي ألا تنساه ما حييت ، أكمل موقف بمن أحسنت إليه أن يذكر هذا الفضل . أكمل موقف لمن أحسنت إليه ألا ينسى هذا الفضل ، وأكمل موقف لمن أحسن أن ينسى ، المحسن يجب أن ينسى ، والمحسن إليه ينبغي ألا ينسى .أيها الإخوة ، أحياناً الإنسان من كماله لو ذكر إنسان فضله يقول : لله المنة ، والفضل ، هذا فضل الله ، إذا ذكر إنسان إحسان المحسن أيضاً من كمال المحسن أن يقول : لله المنة والفضل ، وأساساً لما قال النبي عليه الصلاة والسلام : " ألم تكونوا ضلالاً "لم يقل فهديتكم ، قال : " فهداكم الله بي "لله المنة والفضل ، فإذا أراد إظهار فضله عليك خلق الفضل ونسبه إليك ، فأنت تواضع ، والتواضع موقف موضوعي ، ليس موقف مجاملة .
مرة أحد الإخوة الكرام قدم بيتا في موقع جيد جداً لمشروع خيري ، القائمون على هذا المشروع الخيري أقاموا له حفلا تكريميا ، وكل المتكلمين أثنوا على إحسانه وعطائه إلا رجلا واحدا قال كلاماً آخر ، قال له : أيها المحسن الكبير ، كان من الممكن أن تكون أحد المنتفعين بجمعيتنا ، وأن تقف في رتل طويل تنتظر الدور لقبض مبلغ يسير مع التوقيع المهين ، ولكن الله أكرمك بأنك تعطي ولا تأخذ .
صدقوا أيها الإخوة ، حينما تعطي يجب أن تذوب لله شكراً ، أنه سمح لك أن تعطي ، والعطاء والأخذ لا علاقة له بالذكاء ، قد تجد إنسانا قمة في الذكاء ، وهو مضطر أن يبذل ماء وجهه ليأخذ ، وقد تجد إنسانا قمة في الذكاء ، ومع ذلك هو فقير ، يضطر أن يسأل ، ويتذلل ، وإنسان آخر أقلّ ذكاء ، وأقلّ فهما ، لكن الله رزقه ، فإذا أعطيت يجب أن تذوب شكراً لله أنه سمح لك أن تعطي ، ولم يلجئك إلى أن تأخذ .
3 ـ المنّان يعطي قبل السؤال :
( المنان ) هو الله عز وجل ، و ( المنان ) ذو الهبات العظيمة ، والعطايا الوافرة ، الذي ينعم ، ويبدأ بالنوال قبل السؤال .
للتقريب : أب كريم ، قوي ، غني ، ابنه بحاجة إلى ثياب جديدة ، الكمال المطلق يقتضي أن يشتري له هذا الثياب من دون أن يسأله ، فمن كمال الله عز وجل أن يعطي قبل السؤال ، ويعطي من دون سؤال .
هذا يذكرنا بما قلته قبل قليل : حظك من الدعاء الاتصال ، لأن كرم الله يقتضي أنه يعطيك ، ولم تكن سائلاً ، وقد تسأله ولا يعطيك ، إن كان هذا العطاء ليس في صالحك ، لأن الله عز وجل لا يفعل إلا ما هو خير لك .
لم يقل : والشر ، أي أن عطاءك خير ، ومنعك خير ، إعزازك خير ، وإذلالك خير ، لكن العلماء ، قالوا : لا ينبغي أن تقول : الله ضار ، ينبغي أن تقول : الضار النافع ، لأنه يضر لينفع ، لا ينبغي أن تقول : الله الخافض ، هو يخفض ليرفع ، لا ينبغي أن تقول : الله المذل ، هو يذل كي تتوب إليه ، عندئذٍ يعزك ، الله عز وجل يعطي من دون سؤال ، ولله المنة والفضل ولا منة لأحد عليك وهو المحسن إلى العبد والمُنعم عليه ولا يطلب جزاء .
لا تمنن من أجل أن تستكثر الرد .أحيانا يدعي إنسانٌ الذكاء ، يقول : أنا الآن أخدمه ، لكن أنا لي مصلحة معه ، أخدمه ، لكن أنتظر منه في وقت ما أن أسترد هذه الخدمات عطاء كبيرا ، هذا معنى قول الله عز وجل : " وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ " لكن الله سبحانه وتعالى يمنحك كل شيء ، ولا يطالبك بشيء .
حقُّ الله على عباده :
أنت حينما تعبد الله تؤدي واجب العبودية ، وهذا من حق الله عليك .ما حق الله على عباده ؟ أجاب النبي عليه الصلاة والسلام : أن يعبدوه ، ولا يشركوا به شيئاً .
سؤال ثانٍ : " يا معاذ بن جبل ، قلتُ : لبيك يا رسول الله وسعديك ، قال : هل تدري ما حقُّ العباد على الله إذا فعلوا ذلك " دققوا ، والله أيها الإخوة الكرام القسم الثاني من هذا الحديث يملأ القلب أمناً وأماناً ، يملأ القلب طمأنينة ، يملأ القلب ثقة بالله عز وجل .
" يا معاذ هل تدري ما حقُّ العباد على الله "
كيف بإله عظيم يعطي إنساناً ضعيفاً حقاً عليه ؟!سأله ثانية وثالثة : " قال : الله ورسوله أعلم ، قال : يا معاذ حقُّ العباد على الله إذا هم عبدوه أن لا يعذِّبهم " .
أنشأ الله لك حق عليه ، قال لك : اعبدني .
خاتمة : " قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ "