آفة الكبر 1
قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ (٤٠) لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (٤١)} [الأعراف: ٤٠، ٤١].
وقال تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (٦٠)} [غافر: ٦٠].
الله تبارك وتعالى وحده هو الكبير الذي له الكبرياء في السموات والأرض، وله الأسماء الحسنى والصفات العلا، وله الجلال والجمال والكمال، وله الملك كله، وله العزة كلها: {فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٣٦) وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٣٧)} [الجاثية: ٣٦، ٣٧].
ومن استكبر من الخلق فليس له ذلك؛ لأن الكبرياء لله وحده لا شريك له، والعبد مخلوق ضعيف عاجز فقير، لا يملك لنفسه ولا لغيره نفعاً ولا ضراً إلا ما مَلَّكه الله إياه.
والكبر بطر الحق، وغَمْطُ الناس بازدرائهم واحتقارهم.
وآفة الكبر في الناس على ثلاث درجات:
الأولى: أن يكون الكبر مستقراً في قلب الإنسان منهم، فهو يرى نفسه خيراً منهم إلا أنه يجتهد ويتواضع، فهذا في قلبه شجرة الكبر مغروسة إلا أنه قد قطع أغصانها بإخفائه الكبر.
الثانية: أن يظهر ذلك بأفعاله من الترفع في المجالس، والتقدم على الأقران، فتراه يصعر خده للناس ويحتقرهم.
الثالثة: أن يظهر الكبر بلسانه كالدعاوى والمفاخرة وتزكية النفس، والتكبر بالنسب، والمال، والعلم، والجمال، والقوة، وكثرة الأتباع، ونحو ذلك من الحالات.
فالتكبر بالمال أكثر ما يجري بين الملوك والتجار.. والتكبر بالجمال أكثر ما يجري بين النساء.. والتكبر بالعلم أكثر ما يجري بين المرائين.. والتكبر بالنسب أكثر ما يجري بين الناقصين الجاهلين.. والتكبر بكثرة الأتباع أكثر ما يجري بين الملوك بكثرة الجنود.. وبين العلماء بكثرة الطلاب والمستفيدين.
ومن صفات المتكبر:
استكباره عن الحق.. واحتقار الناس.. وحبه قيام الناس له.. وجلوسه في صدور المجالس.. ومشيه متبختراً.. وأنه لا يمشي غالباً إلا ومعه أحد يمشي خلفه.. ولا يزور أحداً تكبراً على الناس.. ويستنكف جلوس أحد إلى جانبه، ولا يتعاطى في بيته شغلاً.. ونحو ذلك.
والكبر من المهلكات، ويعالج بأمرين:
الأول: استئصال شجرته من القلب، ووسيلة ذلك أن يعرف الإنسان ربه ويعرف نفسه.
الثاني: من تكبر بالنسب فليعلم أن هذا تعزز بكمال غيره.. ومن اعتراه الكبر بالجمال فلينظر إلى باطنه وأقذاره نظر العقلاء.. ومن اعتراه الكبر بالقوة فليعلم أنه لو آلمه عِرْق عاد أعجز من كل عاجز.. ومن تكبر بسبب المال فليعلم أن اليهود أغنى منه وهم شر خلق الله، وقد غضب الله عليهم ولعنهم.. ومن تكبر بسبب العلم فليعلم أن حجة الله على العالم أكثر من الجاهل.
وأول ذنب عصى الله به أبوا الثقلين: الكبر والحرص.
فالكبر ذنب إبليس اللعين، فآل أمره إلى ما آل إليه، وذنب آدم - صلى الله عليه وسلم - الحرص والشهوة، فكان عاقبته التوبة والهداية.
فأهل الكبر والإصرار والاحتجاج بالأقدار مع شيخهم وقائدهم إلى النار إبليس، وأهل الشهوة المستغفرون التائبون المعترفون بالذنوب مع أبيهم آدم في الجنة.
والتكبر شر من الشرك، فإن المتكبر يتكبر عن عبادة الله تعالى، والمشرك يعبد
مع الله غيره، ولذلك جعل الله النار دار المتكبرين كما قال سبحانه: {قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (٧٢)} [الزمر: ٧٢].
والذين طبع الله على قلوبهم هم أهل الكبر والتجبر كما قال سبحانه: {كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ (٣٥)} [غافر: ٣٥].
والكبر قليله وكثيره في النار، وهو موجب للحرمان من الجنة كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ» أخرجه مسلم (١).
ومن تواضع لله رفعه، ومن تكبر عن الانقياد للحق أذله الله ووضعه وصغَّره وحقَّره، ومن تكبر عن الانقياد للحق فإنما تكبر على الله، فإن الله هو الحق، وكلامه حق، ودينه حق، فإذا رده العبد وتكبر عن قبوله، فإنما رد على الله وتكبر عليه: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (٦٠)} [غافر: ٦٠].
مختارات