اسم الله النصير 2
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم ، إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
من أسماء الله الحسنى : ( النصير ) :
من لوازم نصر الله للمؤمنين :
وما النصر إلا من عند اللهأيها الإخوة الكرام لازلنا مع اسم الله ( النصير ) والمسلمون اليوم في أشد الحاجة إلى أن ينتصروا على أعدائهم ، وما أكثرهم .
ولكن كما بينت في لقاء سابق أن الله سبحانه وتعالى يقول : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ " [محمد:7] .
النصر بيد الله : " وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ " [الأنفال:10] .
النصر الذي نتمناه له ثمن ، إن دفعنا ثمنه وصلنا إليه ، لذلك الله عز وجل يبين أن المؤمن الذي يحمله إيمانه على طاعة الله يحقق أحد شَرطي النصر .
شروط النصر : الإيمان والإعداد :
وللنصر شرطان كل منهما شرط لازم غير كاف ، فلابد من الإيمان الذي يحمل على طاعة الله ، ولابد من الإعداد ، لقوله تعالى : " وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ " [الأنفال:60] .
حقيقة الأخذ بالأسباب :
ويمكن أن ينسحب هذا على شئون حياتنا ، التفوق في العمل يحتاج إلى الأخذ بالأسباب ، ويحتاج إلى التوكل على الله ، وكلاهما شرط لازم غير كاف ، لذلك المسلمون في معظمهم لا يأخذون بالأسباب ، بل يتوكلون توكلا لا يرضي الله ، سماه العلماء التواكل ، وإذا أخذ بعض الناس بالأسباب وألّهها ، ونسي الله ، واعتمد عليها فقد أخطأ السبيل ، فكأن الطريق الأمثل أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ، ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء ، ومن السهل أن تأخذ الموقف الحاد ، أن تأخذ بها وتنسى الله ، أو أن تتواكل على الله ، ولا تأخذ بالأسباب ، هذا درس بليغ ، بل إن بعض المعاصرين يصفون كل إنجاز معركة ، معركة مع العمل ، مع الإنتاج ، مع التنمية ، فكلمة معركة تأخذ معنى واسعاً جداً، إن أردت أن تنتصر في أي معركة حقيقة أو مجازاً فلابد أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ، وأن تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء ، هذا حق وهذا قانون .
" إِنَّ اللَّهَ يَلُومُ عَلَى الْعَجْزِ " [أبو داود] .
أن نستسلم ، أن نيئس ، أن نحس بالإحباط ، أن نقول : انتهينا ، هذا نُلام عليه ، هذا يأس ، واليأس كفر ، هذا تشاؤم ، والتشاؤم ليس من صفات المؤمن ، لذلك لابد وأن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ، وبعدها تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء .
بأوسع معاني المعارك ، معارك قتالية ، معارك التنمية ، معارك البناء ، سمِّ أي قضية أو مشكلة في حياة المسلمين معركة ، والانتصار في هذه المعركة يحتاج إلى شرطين ، كل منهما شرط لازم ليس كاف ، أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ، وأن تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء ، وكأن الطريق الأمثل طريق ضيق عن يمينه واد سحيق وعن يساره واد سحيق ، إنك إن أخذت بالأسباب ، ونسيت الله ، واعتمدت عليها ، وألهتها وقعت في واد الشرك ، وهناك تأديب من الله ، على من اعتدّ بغير الله " ما من مخلوق يعتصم بمخلوق أعرف ذلك من نيته إلا جعلت الأرض هويا بين قدميه ، وقطعت أسباب السماء بين يديه ، وما من مخلوق يعتصم به من دون خلقه فتكيده أهل السماوات والأرض إلا جعلت له من بين ذلك مخرجا " .
" إِنَّ اللَّهَ يَلُومُ عَلَى الْعَجْزِ "
إن الله يلوم على العجزإذَا : المنهج الأمثل في كل معاركنا بدءًا من معركتنا مع أنفسنا ، وانتهاء بمعركتنا مع قوى الشر في الأرض ، تحتاج إلى شرطين ، كل منهما شرط لازم غير كاف ، أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء وأن تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء .
"إِنَّ اللَّهَ يَلُومُ عَلَى الْعَجْزِ وَلَكِنْ عَلَيْكَ بِالْكَيْسِ فَإِذَا غَلَبَكَ أَمْرٌ فَقُلْ : حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ "[ أبو داود] اليأس الإحباط هذا يلام عليه أشد اللوم .
ولكن عليكم بالكيس ، خذ الأسباب ، فإذا غلبك أمر إن أخذتها ، وبذلت الجهد في الأخذ بها ، واستقصيتها ، ثم لم تنجح ، عندئذ نسمي هذا قضاء وقدر ، عندئذ نقول : حسبنا الله ونعم الوكيل ، ولا يجوز أن نقول : حسبنا الله ونعم الوكيل إلا بعد أن نستنفذ الأخذ بالأسباب .
الطالب يريد أن يقدم امتحانا ، لكن لا يحضِّر للامتحان ، ثم لا ينجح ، ويقول : هكذا أراد الله ، هذه مشيئة الله ، هذا كلام باطل ، أما حينما يدرس بأقصى ما يستطيع ، ثم يحول حائل بينه وبين أداء الامتحان يقول عندئذ : حسبي الله ونعم الوكيل .
أنا أضع يدي على أخطر قضية في حياة المسلمين ، هي التواكل ، فلذلك النصر ثمنه هذا ، الأخذ بالأسباب ، والتوكل على رب الأرباب .
لكن أيها الإخوة ، يحضرني في هذا الموضوع حديث شريف :
عَنْ أَنَسٍ قَالَ : " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ : يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، آمَنَّا بِكَ، وَبِمَا جِئْتَ بِهِ ، فَهَلْ تَخَافُ عَلَيْنَا ؟ قَالَ : نَعَمْ ، إِنَّ الْقُلُوبَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ " [الترمذي] .
ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاهذا الحديث يحتاج إلى شرح ، فالله عز وجل جعل قلب الإنسان بيده ، يملؤه أمنا ، أو يملؤه خوفا ، يملؤه سعادة ، أو يملؤه ضيقا وانقباضا ، ما الناظم لهذا ؟ أراد الله أن يعلمه إن اتخذت قرارا صحيحاً سليما في التوبة إلى الله ، والصلح معه ، وطاعته يملأ الله قلبك رضى وسعادة ، وتفاؤلاً وسروراً ، وكأن الله بارك لك هذا القرار ، وأعانك عليه ، والدليل :
" حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ " [الحجرات:7] .
أي قرار صائب يجد له انشراحا .
" أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ " [الزمر: من الآية 22] .
فأيّ قرار خاطئ في المعركة معه كآبة وضيق :
" وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى " [طه:124] .
تبعات القرار الصائب والقرار الخاطئ :
هذه معاونة من الله عز وجل ، القرار الحكيم معه سرور ، معه انشراح ، معه راحة نفسية ، معه طمأنينة ، معه إقبال ، معه تألق ، والقرار الخاطئ معه انقباض معه تشاؤم معه كآبة ويكاد يكون مرض العصر الكآبة ، من إعراض الناس عن الله عز وجل ، بل إن كل ما يعانيه البشر من ضياع وتفلت وتشاؤم وإحباط هي أعراض لمرض واحد ، هو الإعراض عن الله : " وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى " [طه:124] .
كلُّ قوي جبّار بيد الله القوي الحبّار ، فلا تخش أحدًا إلا الله :
الآن ما علاقة هذا الحديث بالنصر ؟ هذا الذي تراه قوياً ، هذا الذي تراه طاغية قلبه بيد الله ، كشاهد على هذه الفكرة .
الإمام الحسن البصري من كبار التابعين ، وقد أدى أمانة العلم ، وبيّن ما ينبغي أن يبيّنه ، كان في عهد الحجاج ، وكان الحجاج كما تعلمون ، بلغه ما قاله فيه الحسنُ ، فقال لجلسائه : " يا جبناء ، والله لأرينّكم من دمه " وأمر بقتله ، القضية سهلة جداً ، وجاء بالسياف ، وأمر بإحضاره ليقطع رأسه أمام مَن حوله ، جيء بالحسن البصري ، ودخل على الحجاج ، ورأى السياف ، ومد النطع ، وانتهى كل شيء ، فحرك شفتيه ، فإذا بالحجاج يقول له : أهلا يا أبا سعيد ، أنت سيد العلماء ، ومازال يدنيه ، ويقربه حتى أجلسه على سريره ، واستفتاه في موضوع ، وقد تروي الرواية أنه عطّره ، وأكرمه ، وشيعه إلى باب قصره ، من الذي صعق ؟ الحاجب ، تبعه الحاجب ، قال : يا أبا سعيد ، لقد جيء بك لغير ما فعل بك ، فماذا قلت لربك ؟ قال : قلت له : " يا ملاذي عند كربتي ، يا مؤنسي في وحشتي ، اجعل فتنته علي بردا وسلاما كما جعلت النار بردا وسلاما على إبراهيم " .
هذا الذي تخافه قلبه بيد الله ، هذا القوي الذي يتمنى إفناءك قلبه بيد الله ، قد يملؤه الله هيبة منك ، إذًا الله نصير ، لأن قلوب الذين حولك بيد الله عز وجل ، ألم يقل أحد الأنبياء : " فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ " [هود:55] .
متحدياً لهم : " إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ " [هود:56] .
هذه الآية وحدها تكفي : " مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ " [هود:56] .
لذلك : " إِنَّ الْقُلُوبَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ " [الترمذي] .
أولا : يملأ الله قلبك انشراحا وسعادة وطمأنينة حينما تتخذ قراراً صواباً ، ويملأ الله ، القلب خوفاً وقلقاً وضيقاً وتشاؤماً وكآبة حينما تتخذ قراراً مخطئاً ، إذًا : الله أعاننا بهذا .
إن قلبَ الذي تخافه بيد الله ، يملؤه هيبة لك ، ومن هاب الله هابه كل شيء ، يملؤه رغبة في معاونتك ، فإذا كان الله معك خدمك أعداؤك ، وإذا كان الله عليك تطاول عليك أقرباؤك ، يا رب ، ماذا فَقَد مَن وجدك . وماذا وجد من فقدك ؟
إذاً : قلوب الذين تخافهم بيد الله ، إذًا : هو النصير .
من لوازم معية الله الدائمة للمؤمنين : " وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَمَا كُنْتُمْ " [الحديد من الآية: 4] .
لكن الشركاء يمكن أن لا يكونوا معك في وقت حرج ، وهو معكم في السماء ، وأنت في الطائرة ، وفي الأرض ، وفي البحر ، وفي بيتك ، وفي الفلاة ، وفي مكان ما فيه اتصالات ، الإنسان معه هاتف جوال ، يكون بأمسّ الحاجة إليه فلا يجد تغطية ، أما أنت فمع الله دائما ، وهو معكم بعلمه .
" وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَمَا كُنْتُمْ " [الحديد، من الآية: 4] .
إن دعوته فهو موجودقال العلماء : " معكم بعلمه " فإذا كنت مؤمناً فإن الله مع المؤمنين ، ومعكم بتوفيقه وحفظه ، وتأييده ونصره ، لذلك فرق العلماء بين المعية العامة ، والمعية الخاصة ، فالمعية العامة هو معكم بعلمه ، والمعية الخاصة هو معكم مؤيداً وموفقاً ، وحافظاً وناصراً .
لذلك : الله عز وجل موجود ، إن دعوته فهو موجود ، والإنسان لا يمكن أن يدعو جهة لا يؤمن بوجودها ، يكون أحمق ، لمجرد أن تدعوه وتقول : يا رب ، إذًا هو موجود .
الشيء الثاني : هو يسمعك إذا تكلمت ، ويراك إذا تحركت ، ويعلم ما في قلبك إن أضمرت ، يسمع ويرى ، ويعلم ، لا يحتاج إلى وصي ، ولا إلى سند ، ولا إلى براءة ذمة ، الله يعلم ، ويرى ، ويسمع، ويعلم ، التعامل معه سهل جداً ، لذلك قال بعضهم : الحمد لله على وجود الله ، يراك إن تحركت ، ويسمعك إن تكلمت ، ويعلم ما في نفسك إن سكت ، إذًا : موجود ويعلم .
الشيء الثالث : وهو على كل شيء قدير ، بيده كل شيء ، كن فيكون ، زل فيزول : " يَا عِبَادِي ، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ " [مسلم عن أبي ذر] .
ذلك لأن عطائي كلام وأخذي كلام .
كن فيكون ، زل فيزول ، الآن دققوا :
" إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا ، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ " [مسلم عن أبي ذر] .
قال تعالى : " وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ " [الشورى:30] .
" ما من عثرة ، ولا اختلاح عرق ، ولا خدش عود إلا بما قدمت أيديكم ، وما يغفر الله أكثر " [ذكره السيوطي في الجامع الصغير عن البراء بسند فيه مقال كبير] .
إذًا : هو معكم بعلمه ، وإن كنتم مؤمنين فهو معكم بتوفيقه وحفظه ، وتأييده ونصره .
الله موجود ، ويسمع إذا نطقتم ، ويرى إن تحركتم ، ويعلم ما في القلب إن أضمرتم ، وهو على كل شيء قدير .
من معاني ( النصير ) التي قد تخفى على بعض الناس :
هناك حالات لبعض الأطباء ربطوها بالخرافات ، لكنهم أهملوها ، الآن هناك بحوث حديثة جداً عن الشفاء الذاتي ، يكون المرض عضالا قد أجمع الأطباء على أنه لا شفاء له ، فيشفى الإنسان ذاتياً ، وعندما يصدق الإنسان أن الله بيده كل شيء ، وأن الله على كل شيء قدير ، أحياناً يستجيب له استجابة لا تصدق .
والله لي صديق أصيب بورم خبيث في رئتيه ، أخذت عينات إلى كل المخابر ، الورم من الدرجة الخامسة ، ولا أمل إطلاقاً ، ثم في النهاية شفاه الله عز وجل ، والقصة من اثتنين وعشرين سنة ، والآن حي يرزق لا يشكو من شيء ، والخزعات أخذت إلى بريطانية ، أدق الفحوص أجريت له ، وأمهر الأطباء عالجوه ، وقالوا : لا أمل ، لكن هناك شفاء ذاتي .
فلذلك ( النصير ) قد ينصرك على المرض ، وقد ينصرك على العدو ، وقد ينصرك على كل معركة تخوضها بأوسع معاني المعارك ، فهو نعم المولى ونعم النصير .
أيها الإخوة ، حينما تدعو الله عز وجل ، وتقول : يا ناصر انصرني ، يا نصير انصرني ، هو موجود ، ويسمع ، ويقدر ، ويحب أن يرحمك ، ولن تدعو جهة إلا إذا أيقنت بوجودها وعلمها ، وقدرتها ورحمتها ، لذلك قال تعالى : " قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فقد كذبتم " [الفرقان:77] .
الله أكبر من كل شيء ، فلا تقطع الأمل مهما حدث :
لا تقطع الأمل مهما حدث
حينما تقول : الله أكبر ، فهو أكبر من كل قوي ، أكبر من كل جبار ، قال تعالى : " قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ " [الشعراء:61] .
فرعون بحقده وجبروته ، وأسلحته وجيشه يتبع شرذمة من بني إسرائيل مع سيدنا موسى ، وصلوا إلى البحر ، لا أمل للنحاة ، انتهى الأمل ، الأمل صفر ، قال تعالى : " قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ " [الشعراء:61-62] .
وسيدنا يونس ، وهو في بطن الحوت الأمل صفر ، والإنسان يمكنه أن يقف على فم الحوت على قدميه ، ويمكن أن تقف في فمه ، ووجبته الغذائية أربعة أطنان ، والإنسان وزنه ثمانين كيلوًا ، قال تعالى : " أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ " [الأنبياء:87-88] .
وأروع ما في الآية أن الله قلب القصة إلى قانون ، قال تعالى : " وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ " [الأنبياء:88] .
في كل عصر ، في كل مصر ، في كل زمان ، في كل مكان ، في الجو ، في الأرض ، طائرة تحطمت فوق جبال الألب ، وانشقت ، ووقع بعض ركابها ، ونزل على غابة أرز في جبال الألب مغطاة بخمسة أمتار من الثلج ، فكان هذا الثلج وهذه الأغصان ماصات للصدمة ، فنزل واقفاً من أربعين ألف قدم .
إذا كان الله معك فمن عليك ؟ وإذا كان عليك فمن معك ؟
إذًا : تقول : الله أكبر ، أقوى من كل قوي ، زلزال تسونامي يساوي والكلام من موقع معلوماتي دقيق جداً ، يساوي مليون قنبلة ذرية ، الله عز وجل قوي ، فإذا كنت مع القوي حفظك القوي ، فهو نعم المولى ، ونعم النصير .
أيها الإخوة ، المعركة تحتاج إلى معلومات ، وإذا كنت مع الله ، فهو يعلم ماذا يخطط لك أعداؤك ، لذلك يلهمك خطة تحبط خططتهم ، أنت أقوى إنسان إذا كنت مع الله ، إذا أردت أن تكون قويا فادع الله سبحانه وتعالى ، فالدعاء سلاح المؤمن ، لكن الدعاء يحتاج إلى عمل ، والذي يدعو الله ولا يعمل يستهزئ بالدعاء ، قال سيدنا عمر لرجل : " ماذا تفعل هنا يا أخا العرب مع هذا الجمل الأجرب ؟ قال : أدعو الله أن يشفيه ، فقال له : هلاّ جعلت مع الدعاء قطرانا " .
العدو قد يكون قويا ، لكن الله أقوى ، والله أكبر ، قد يكون العدو يخطط، دقق في الآية : " وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ " [إبراهيم:46] .
إله عظيم يصف مكر الكافرين بأن مكرهم تزول منه الجبال ، يقول لك بعد قليل : " وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا " [آل عمران الآية: 120] .
خالق الكون ، كلام رب العالمين ، كل آلاتهم ، كل أسلحتهم ، كل أموالهم ، كل أقمارهم الصناعية ، كل حاملات طائراتهم ، قال تعالى : " وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا " [آل عمران الآية: 120] .
والآن يقول أحد أكبر الموظفين في البنتاجون : لا تجرؤ دولة في الأرض أن تحاربنا ، ماذا نفعل بهذه الأسلحة ؟ ولكن هذا الذي أراد أن يموت ماذا نفعل به ؟ أقضَّ مضاجع أهل الأرض ، هذا الذي أراد أن يهز أركانهم ، ويقدم حياته رخيصة لهذا الهدف .
أيها الإخوة ، لو أن إنسانا انتصر لإنسان ، قال تعالى : " إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُم "[فاطر:14] .
والإنسان من شأنه أنه ليس معك دائماً ، قد تكون في أمسّ الحاجة إليه ، فيكون هاتفه مشغولا ، أو خارج التغطية أو تعطل ، إن اعتمدت على مخلوق فقد لا يسمعك ، وإذا سمعك قد لا يستجيب لك ، وأحياناً يتجاهلك ، لذلك :
كن مع الله تر الله معك واترك الكل وحاذر طمعك
وإذا أعطاك من يمنعه ثم من يعطي إذا ما منعك
***
هذه ملة طه فخذ بها .
أطع أمرنا نرفع لأجـلك حجبنا فإنا منحنا بالرضا من أحـبنـــا
ولذ بحمانا واحـتــم بجنابنا لنحميك مما فيه أشرار خلقــنــا
وعن ذكرنا لا يشغلنك شاغـل وأخلص لنا تلقَ المسرة والـهنا
***
نعم المولى ونعم النصير ، كن مع الله ولا تبال ، والله عز وجل يحب أن ينصرنا ، لكنه يطالبنا أن ندفع ثمن النصر .
زبدة القول :
ملخص هذا اللقاء الطيب ، الطاعة مع الصبر سبيل إلى النصر ، أما المعصية مع الصبر فليس بعدها إلا القبر .