سطوة الوهم
لا شك في وقوع العين، ووجود السحر، والجن، والمس، كل ذلك نؤمن به، ونصدق بوقوعه، لدلالة الوحي عليه، ولكن كل هذه الأمور لحقتها أكوام من الشوائب على المستوى الاجتماعي، وفي وعي قطاع عريض من الناس.
وتجتمع أطراف الإشكاليات الاجتماعية في اختلاط مفاهيم العين والسحر بالأمراض والعوارض النفسية، مع تسرب أشكال كثيرة من الأوهام والخيالات النفسية والاجتماعية في وسط ذلك كله. والدافع الأساسي لمناقشة هذا الموضوع، هو خطورة انعكاساته على الفرد، وعلى إدارة الإنسان لمشاكله وإخفاقاته، ولمدى إدراكه الواعي لحقيقة أفعاله وأفعال من حوله.
إحدى الداعيات كانت تتحدث في وسط جمع غفير من النساء، وتقول لهن لو قرأت عليكن بعض الآيات والرقى لظهر أن النصف منكن (أو الأغلب نسيت الآن) مصابات بالعين أو السحر! فتخرج المرأة المسكينة من المحاضرة مشبعةبالوهم من احتمالية اصابتها بعين أو مس، فإذا ذهبت للبيت وحصل لها مشاكل مع زوجها، أو شعرت بأزمات اكتئاب، أو أية عوارض نفسية، توهمت بأنها بالفعل مصابة، فتذهب لراقي، فيقرأ عليها، فمن رهبة الموقف، ولنفترض أنها أول مرة تحضر عند راقي، وترى طريقة القراءة، لاسيما إذا كان للراقي طقوس غريبة، وإذا كان معها غيرها في حالة الرقية الجماعية، وشاهدت حالات الصرع والصراخ، ستشعر برهبة، وبتنميل، وبتعرق، ثم يسألها الراقي عن شعورها، فتخبره، فيصدر تشخيصه (الصادر عن جهل ورمي بالغيب في الغالب) بأنها مصابة بكذا أو كذا، فتصدق وتفسر كل ما يعتريها في حياتها بأنه نتيجة مباشرة للإصابة بالمس أو السحر. فانظر كيف عطلت هذه الأوهام قدرتها على إدارة حياتها كما ينبغي، وربما حاجتها لزيارة طبيب نفسي، لكن أكثر الناس يفضلون أن يصابوا بعين ومس وسحر، ولا يذهبوا لطبيب نفسي.
أحدهم ذهب لصديقه قبيل ليلة زفافه يشتكي من إصابته بمشكلة خاصة، فطمأنه صديقه، وأخبره بحقيقة المشكلة، وأنها تعتري بعض الشباب إبان أيام الزواج الأولى بفعل الضغط النفسي، وهي تزول بمجرد مرور الوقت، وبالفعل انحلت مشكلته بعد مدة قليلة، وكان الشاب يعتقد أنه مصاب بسحر أو عين، فتخيّل ماذا سيحصل لو ذهب الشاب لراقي، وأقنعه بأنه مصاب بسحر؟، كيف سيكون زواجه؟ وكيف سينهدم بيت الزوجية الناشئ!
ولهذه الحوادث نظائر كثيرة جداً، من وقوع كثيرين في فخاخ الأوهام، والخيالات التي تدمر حياتهم، وتفسد عيشهم، بل إن نفوس بعض الناس بها من الضعف وقلة التوكل والتجافي عن الأذكار ما يجعلها أكثر قابلية للإصابة بهذه البلايا، كما يقول الشيخ عبدالكريم الخضير:”كلما اشتد الخوف من العين صار أسرع للإصابة، وأضعف للنفس المقابلة، وهذا شيء مشاهد”.
مختارات