تابع " المسارعة إلى القربات "
تابع " المسارعة إلى القربات "
24- الإكثار من السجود: وهذه من أنفس ما نصح به الرسول صلى الله عليه وسلم أُمَّتَه، فاحفظها أخي الكريم واجعلها نصب عينيك؛ كلما تَهَيَّأَ لك وقت سارعت إلى التطوع والصلاة، وبادرت إلى التقرب إلى الله بالركوع والسجود؛ فإن ذلك من موجبات رحمته وحفظه والفوز بجنته؛ فعن أبي فراس ربيعة بن كعب الأسلمي خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه قال: كنت أبيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فآتيه بوضوئه وحاجته فقال: سلني، فقلت: أسألك مرافقتَك في الجنة، فقال: أَوَ غير ذلك؟ قلت: هو ذاك، قال: فأعنِّي على نفسك بكثرة السجود (رواه مسلم).
واعلم أن سجودَك لله سببٌ لحطِّ الخطايا والسيئات ورفع الدرجات في الجنات؛ فعن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «عليك بكثرة السجود؛ فإنك لن تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة، وحط عنك بها خطيئة» (رواه مسلم).
وما أقبح التفريط في زمن الصبا فكيف به والشيب في الرأس نازل
ترحل عن الدنيا بزاد من التقى فعمرك أيام تعد قلائل
فاحرص - رحمك الله - على صلاة الضُّحى والسُّنن والرواتب، وركعتين بعد الذكر وشروق الشمس في المسجد، وكن ملازمًا للتَّطَوُّع في غير أوقات النهي المعروفة يرفع الله ذكرك في الدنيا والآخرة.
25- الحرص على العمرة وتكرار الحج وزيارة المسجد النبوي؛ فإذا وجدت أخي الكريم متَّسَعًا في وقتك فلا بأس أن تملأه بما يقرِّبُك من الله تعالى؛ كمعاودة أداء الحج والعمرة، والقيام بزيارة المسجد النبوي الشريف؛ فإن هذه الأعمال من الفضائل العظيمة التي يغفر الله بها الذنب ويُفَرِّج بها الشدة والكرب، ويرفع بها الدرجات يوم المعاد؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «العمرة إلى العمرة كَفَّارةٌ لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة» (رواه البخاري ومسلم).
ولقد روي أن أبا الدرداء - أو أبا ذر رضي الله عنهما - وقف ذات يوم أمام الكعبة ثم قال لأصحابه: أليس إذا أراد أحدُكم سفرًا يستعدُّ له بزاد؟ قالوا: نعم. قال: فسفر الآخرة أبعدُ مما تسافرون ! قالوا: دُلَّنا على زاده، فقال: حجُّوا لعظائم الأمور وصلُّوا ركعتين في ظلمة الليل لوحشة القبور، وصوموا يومًا شديد حره لطول يوم النشور.
فَشَمِّرْ - حفظك الله - لقضاء وقتك في هذه العبادات، وإياك أن تَغْتَرَّ برعاع الناس ممن اجتالتهم مكاتب السياحة والغواية فراحوا يبذلون الأموال والأوقات في أوكار الفساد في عواصم الكفر والضلال باسم السياحة والترويح عن النفس، وما ذلك إلا ضلال وفجور مبيَّت للمسلمين من زمن بعيد فتأمل.
فما هي إلا ساعة وسوف تنقضي ويدرك غب السير من هو صابرُ
26- المداومة على أذكار الصباح والمساء: وذلك بعد صلاة الفجر، وصلاة العصر؛ فإن المداومةَ على ذلك سببٌ لحفظ العقل والمال والنفس، ومجلبةٌ للخير وبركةٌ في العمر، وفوزٌ يوم القيامة؛ قال تعالى: " وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا " [طه: 130]، وقال تعالى: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا " [الأحزاب: 42].
وقد وَرَدَت في السنة أذكارٌ تقال في كل صباح ومساء؛ فعلى المسلم أن يُشَمِّرَ في حفظها والعمل بها؛ وهي متداوَلةٌ والحمد لله في كتب الأذكار والأدعية، وهي على سهولتها ويسرها تثمر ثمارًا ملحوظة يانعة من صفاء الذهن وطمأنينة النفس وقوة العقل وسلامة البدن، فاحرص - حفظك الله - على المداومة عليها وحفظ وقتك الثمين فيها؛ فلحظات الإشراق أوقات يمن وبركة فيها تقسم الأرزاق ويستجاب الدعاء، وإياك أن تُفَوِّتَ على نفسك أجرًا عظيمًا بعد ذكر الصباح؛ فالبث - حفظك الله - ذاكرًا بعد صلاة الفجر، ثم صَلِّ ركعتين بعد الشروق؛ فإنها كأجر حجَّة وعمرة تامة؛ فعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صلى الفجر في جماعة ثم قعد يذكر الله تعالى حتى تطلع الشمس، ثم صلى ركعتين، كانت كأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة» (رواه الترمذي وقال حديث حسن).
27- التَّفَكُّرُ في آيات الله تعالى: وهذا خُلُقٌ نبيلٌ امتدح الله به عباده المؤمنين؛ فحقيق بك - أخي الكريم - أن تَبْذُلَ فيه وقتَك؛ ليزداد إيمانك ويقينك وتتقوَّى عزيمتُك على الاستقامة والطاعة و المجاهدة؛ قال تعالى: " إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ الليْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ " [آل عمران: 190، 191].
وقال تعالى: " أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ * فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ " [الغاشية: 17، 18].
واعلم - أخي الكريم - أن التفكر في ملكوت الله ومخلوقاته يجدد في النفس الإيمان ويذهب الخواطر والوساوس، ويشغل النفس والوقت في النفع والصلاح.
28- زيارة القبور واتباع الجنائز: ومما ينبغي للمسلم أن يحرص عليه زيارة القبور؛ فإنها من أسباب الأذكار والصبر على مكاره الطريق؛ فعن بريدة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها» (رواه مسلم ).
فاحرص - رعاك الله - على حفظ وقتك في هذه العبادة؛ فإنها تفكر وتذكر، وإيقاظ من الغفلة والسهو، وحبس للنفس عن الشهوات والهوى، ومدعاة إلى التزام التقوى والهدى.
وكن حريصًا على حفظ وقتك في الصلاة على الجنائز واتباعها حتى تدفن؛ فإن ذلك سبيل للحصول على ثواب الله ورحمته؛ قال صلى الله عليه وسلم: «من شهد الجنازة حتى يصلي عليها فله قيراط، ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان، قيل: وما القيراطان؟ قال: مثل الجبلين العظيمين» (رواه البخاري ومسلم).
أخي الكريم: فجاهد نفسك حفظك الله في استثمار هذه الوسائل في حفظ وقتك وتصبر في الثبات عليها وتحل بالتوكل والعزم؛ فإن الوقتَ أمانةٌ يشق على النفس أداؤها كما أمر الله، والله ولي التوفيق.
مختارات