أشرف الصراعات
أشرف الصراعات هي تلك التي تجري بداخلك. بين نوازع الخير وغرائز الشر. هذا الصراع يقوم على تنظيم نوع الفعل الوارد والصادر عن الحواس بما يتفق مع المعنى. المعنى الذي تؤمن به. والمعتقد الذي تضمره، والإيمان الذي يحتويك وتحتويه. هذا صراع أبدي، منذ بلوغك الحلم وحتى تلفظ آخر أنفاسك، وهويتجدد ويشتد بحسب المواقف، والمنعطفات الفارقة في حياتك. حدة الصراع تزداد بزيادة التناقض بين ما تضمره وما تفعله. ربما يزيد الصراع أكثر إذا فشلت في إعادة ترتيب الأمور، ورد أفعالك إلى نصابها المتسق مع المعنى الباطني. وإذا استمرّ إخفاقك في حل الصراع غالباً ستواجه مآزق روحية مروّعة، وأزماتنفسية تعيسة، وأحياناً ينعكس ذلك على جسدك. أبوحامد الغزالي -رحمه الله- ت505 أخبر في سيرته الروحية “المنقذ من الضلال” عن هذا الصراع الذي كان يضطرب داخله، ثم أشار إلى أنه أدى به إلى الإصابة بالبكم المؤقت، وهذا عرض معروف سيوكولوجياً لبعض أزمات الاكتئاب الحاد. كثيراً ما يكون هذاالصراع متقداً وحامياً أوائل الشباب، لشدة حرارة الطبع، وقسوة النوازع، وكثافة الإغراء.
البعض يتحاشى هذا الصراع الداخلي بإماتته، وكتمه، وطمسه، وتجاهله، وشيئاً فشيئاً يموت نداء الخير والحق والجمال، ويقف الشر والفساد والقبح وحيداً في قمرة القيادة. وآخرين حققوا انتصارات مهمة ومتتابعة أضعفت غرائز الشر ونوازعه، وأعانهم الله على النجاة من ألم الصراع، فانقادت نفوسهم للخير والحق،وأكثر صراعاتهم الداخلية إنما تكون في تحسين الخير، وتنمية الحق في أفعالهم، والترقي في مدارج الجمال. والبقية من الناس لا زالوا يعانون من ذلك التضارب، وتلك التناقضات، وهم الآن في وسط الصراع الدامي. لم يقبلوا برفع راية الاستسلام ولا الطمس ولا التجاهل، وإنما واجهوا التكاليف الشاقة بما ينبغي، وهمفي تعب مع نوازعهم، ورهق إزاء رغبات نفوسهم، وشهوات طبائعهم. إذا كنت من هؤلاء فلا تبرح مكانك، وقاوم، فالكثير من حولك تجاهلوا الأمر واستسلموا. نعم، أعرف ما تقاسي، ولا يعرف الشوق إلا من يكابده ولا الصبابة إلا من يعانيها. حتى لو كانت الحرب سجالاً، لا تيأس، فالمعركة طويلة، وليس أمامك من خيار سوى أن تنتصر، فقط، فلا نامت أعين الجبناء.
مختارات