النفس إن لم تشغلها شغلتك
لاحظت أن البعض يبالغ في تقدير الفائدة المرجوة من قيامه بالأعمال النافعة، ومن ثمّ يترقب باستمرار المردود الذي يتوقع أن يكسبه من قراءته أو تعلمه أو تدريبه أو سماعه أو…الخ. وتتقافز الأسئلة المعتادة: لم أستفد شيئاً بعد أن قرأتُ؟ أو درستُ؟ أو حضرتُ وسمعتُ؟. وهذه السؤالات تنطوي على أمرين:
الأول: الرغبة الجامحة والعجلة الفادحة في تحصيل العلم أو الفهم أو الحفظ.
الثاني:الغفلة عن ما يحتف بهذه الأعمال من المطالعة والسماع والتدرب وغير ذلك من الفضائل والخيرات والبركات.
ومن هذه الفضائل العلم بأن الزمن قصير، وأن الأنفاس محدودة، وكل زمن يُقضي في عمل خير فهو غنيمة محضة، وتأمل في أكوام الشرور التي دفعها الله عنك بتوفيقك للاشتغال بالنافع، من مضار الدنيا ومساخط الله، والإنسان إذا رأى هذه الفتن المخيفة من حوله وبين يديه وعن يمينه وشماله ثم تفكر في نعمة الله عليه بأن قذف في قلبه الانصراف عنها إلى العمل والعلم الفاضل، وحتى المفضول وما دونه من المباح = أدرك عظم المنة وجلال اللطف. والحزم في أن يحارب المرء الفراغ حيثما حلّ، وأن يشتغل غالب وقتك، ولو بالمفضول إن لم تقوى همته على الفاضل من الأعمال، إن لم يوفق لقراءة البخاري فليقرأ في كتب التراجم ونحوها، فإن لم يطق القراءة، فليشتغل برياضة جسمه، أو بحفظ الشعر، أو تعلم الطبخ، أو بإتقان بعض الفنون الحاسوبية، أونحو ذلك من الأعمال المباحة.
المهم أن ينصرف عن مواضع الخطيئة ومظان العصيان وأفعال الأراذل ومصاحبة الثقلاء، وهذا المعنى مناسب جداً لمن لا تعينه قدراته على جمع العلم وفهمه كما ينبغي، وأيضاً لمن يبالغ في المردود الذي يتوقع أن يجنيه عاجلاً من فعل التعلم والتدريب وخلافها. وبالجملة فالمرء أمير نفسه يسوسها ويصلحها حتى يلقى الله مجاهداً طائعاً تواباً منيباً.
مختارات