الَّلبِنة التاسعة
{ يا أيُّها المُزمِّل.. قم الليل }
إذ في المِحراب ستولَدُ الحِكمة !
و في اللَّيل فقط " يستيقظُ ما هو أصيلٌ و كامن فينا "
نَلتَقي بأنفُسنا.. بإنحناءتنا.. و بِكلّ عَجزِنا.. و بكلّ تباريح الضَّعف فينا..
كم ينقُصنا أن نتعلّم كيف نَخلِق حاسَّةَ الإصغاءِ للتّيه الذي يكبُر فينا !
للوجعِ الذي يتمدّد فينا و ينتظرُ صوت الشّفاء كي لا يستمرَ فينا !
اللّيل هو زمنُ الشّجاعة ؛ اذ يُعلّمنا كيف نعترف بين يدي الله بكلِّ تشوّهنا.. و بكلِّ الشّهوات التي لا يَسمعُ دَبيبها في السُّويداء الا الله..
اللّيل زمنٌ يكتُبك أو يرسُمك أو يبعثُك من جديد بعد أن نالت الضَّوضاءُ من صمتِك كثيراً..
تغتالنا معاركُ النّهار.. تلتهِمُ منسأَتِنا كأنّها تدلّ القوم على موتِنا أو تعجلَ به... نتلوّث في أحداث الحياة حتى يُلقَى بنا في آخر السَّطر.. أو آخرِ الأمر أو حتى في ذيلِ القوافل كلِّها !
فيأتي اللُّيل كلحظةِ سلام أبدية.. يغشاها تجلٍّ إلهي.. يقتربُ منك و تكادُ تشعرُ به إذ يقول لك.. " هل من مستغفرٍ فأغفرُ له..
هل من سائلٍ فأعطيه "..!
ها هو بكلّ أسمائه الحسنى و صفاته العليا يأتيك أنتَ أنت..
فاعبُر إليه.. استلهِم من فضّله فَضلَك.. و من قوتِه قوتَك.. و من سَعَتِه سَعةَ أحلامِك..
اعبُر إليه.. هاهو يُبيحُ لكَ كُلّما توغَّلتَ في النّافلةِ أن يكونَ سمعك و بصرك حتى لا تزيغ و لا تزلّ و لا تضلّ !
ها هوَ يسألُك أنت أنت.. " هل من سائلٍ فأعطيه "..!
فاجثو على رُكبَتيكَ و ارفع يَديك و دَع المَناكِبَ تنحَسرُ عنها كُلَّ الأغطِية و انخَرِط في بُكاءٍ و توسُّل طويل فقد أراد أن يَمنَحَك..
قُم اللَّيل حتى تتعلَّم الوَصل.. قُم اللّيل حتى يزيدُ القُرب..
قم اللّيل حتى ينتهي من عالَمِك معنى المُستحيل !
قم اللّيل فلن يُفلح العَجز و لا الرُّعبُ و لا كلّ الفَوضى أن تبلُغ َمنك..
قم اللّيل و رتّب أوراقك.. و تدبّر كيف أمَرَ الله بعد قوله { و ثيابك فطهّر و الرُجز فاهجُر } بقيام اللّيل !
اللّيل مَمحاةُ الذّنوب.. و كلَّما تَكثَّفَ الصَّمتُ سَمِعنا صوت الحقيقة دون مجاملاتِ القوم و عرفنا مَن نَكون !
قُم اللّيل فكلُّ معرفةٍ لا بدّ أن تُبنى على العِرفان ؛ و العِرفانُ هو أن تعرِفَ رَبَّكَ بدمعِك و بتسبحيةٍ خفيّة و بِبَثٍّ يَحمِلُكَ إلى أن تقول { و أعلمُ من الله ما لا تَعلمون }.!
اللّيل يرفعُ مَقامك ؛ و لهذا كان به الإبتداء !
مختارات