ﺍﻟﻠّﺒﻨﺔ ﺍلثامنة
{ يا أيّها المُزمِّل قُم الّليل إلا قَليلاً }..
أوّل الإبتداءِ خلوةُ المُتَعَلِّم.. لذا حَبَّبَ إلى مُحمّدٍ الخلاء في غار حِراء في أوّل الأَمر..
ليَكمُلَ اللهُ لهُ المِيراثَ ويَصحَّ لهُ الإنبعاث.. وعَلَّمهُ سُبحانهُ الصّمتَ المُقدّس في حَضرَةِ الجَواب.!
وأقامَهُ في غَار العُزلة وأرهَف سَمعَهُ لِهَمسِ الكونِ ورسالةٍ ثقيلةٍ تقتربُ منهُ في أَنـاة..
{ يا أيّها المُزَّمّل قُم الّليلَ إلا قَليلاً }.. إذ اللّيلُ هوَ خَلوَتك الآتية بديلاً من اللهِ عن خَلوةِ الغارِ و صمتَه السَّاكن..
هذا صَمتٌ جديدٌ يا مُحمّد.. صَمتٌ مُمتلِئ.. فَفيهِ عُزلَتك التي سَيملَؤُها { ورتّل القرآن ترتيلا }.. عُزلَتُك الّتي رُبّما تَستَغرِقُ { الّليلَ كُله أو نِصفَه }.. عُزلَتُكَ التي سَتتلقى فيها كُلّ الإجاباتِ و بَصيرةِ الطَّريق !
هذهِ عُزلةٌ بِفَهمٍ جَديد.. حيثُ يُصبِحُ للصَّمتِ و السُّكونِ حِكمَةُ التّأمّلِ و حيثُ يَتَلقّى قَلبُك في هَدأَةِ الَّليلِ رسائِلَ السَّماءِ و ينفَتِحُ عَقلُكَ لِكلماتِ الله..
فيا كُلَّ مُتَّبِع.. { قُم الَّليل } إن كنتَ تَبغي حياةً ذاتَ مَعنى و أَثَر ؛
ثِق أنَّ الرِّسالةَ في الأرضِ حِرفَةٌ متجرها الخَلوَة.. وقِفلِ الحانوتِ لهُ مِفتاح.. ثَنِّيَ الرُّكَبَ على عَتَباتِ الصّمت !.. حتى تبلُغَ جَلوة الوعي.. ويَليقُ بِرُوحِك أن تسمَعَ كَلِمَة { اقرأ } تتلوها انتَ مِن بَعد على مَلَأٍ مِن النَّاس.. فللصَّمتِ و العُزلَة مَهَمَّةٌ في بِناءِ الذِّات..
فقد قال السَّكَندَرِيُّ: " أدفُن وجودك في أرضِ الخُمول ؛ فما نَبَتَ مِمّا لم يُدفَنَ لا يَتِمّ نِتَاجُه ".!
و لَقَد كانت مَدرَسةُ القيامِ في الَّليلِ هيَ الخُطوة الثّانية بَعد قولِهِ تعالى { يا أيها المدثر قم } فتَدبّر !
و كان قياماً هادئاً تَتَجذَّرُ معهُ أقدامُ النّبيّ كُلَّما رتَّلَ { القرآن ترتيلا }.. يرتَفِعُ في القِيام و تَرتفِعُ مَعه أمّته.. فقد قال له الله "
{ و من الّليلِ فَتَهجّد بِه نافِلَةً لَكَ عَسى أن يَبعثَك رَبّك مَقاماً محموداً } و قد كان !
تأمّل مَعِيَ كلّ ما قَيل، ثُمَّ انتَظِر بَقِيّة المَعنى.. " كيفَ تكونُ بدايَتي في خَلوَتي ".
مختارات