" اليأْس والقنوط "
" اليأْس والقنوط "
ذم اليأْس والقنوط والنهي عنهما:
#### أولًا: في القرآن الكريم:
- قال تعالى: " قَالُواْ بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلاَ تَكُن مِّنَ الْقَانِطِينَ قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ " [الحجر: 55-56].
قال الطبري: (قال ضيف إبراهيم له: بشرناك بحقِّ يقين، وعلم منَّا بأن الله قد وهب لك غلامًا عليمًا، فلا تكن من الذين يقنطون من فضل الله فييأسون منه، ولكن أبشر بما بشرناك به واقبل البُشرى،.. فقال إبراهيم للضيف: ومن ييأس من رحمة الله إلا القوم الذين قد أخطؤوا سبيل الصواب، وتركوا قصد السبيل في تركهم رجاء الله، ولا يخيب من رجاه، فضلوا بذلك عن دين الله) [جامع البيان].
قال الواحدي: ( " فَلاَ تَكُن مِّنَ الْقَانِطِينَ ": من الآيسين، والقنوط: اليأْس من الخير، " قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ " [الحجر: 56] قال ابن عباس: يريد ومن ييئس من رحمة ربه إلا المكذبون، وهذا يدلُّ على أنَّ إبراهيم لم يكن قانطًا، ولكنه استبعد ذلك، فظنت الملائكة به قنوطًا، فنفى ذلك عن نفسه، وأخبر أنَّ القانط من رحمة الله ضالٌّ) [الوسيط فى تفسير القرآن المجيد].
- وقال تعالى: " وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ " [الروم: 36].
(يخبر تعالى عن طبيعة أكثر الناس في حالي الرَّخاء والشدة؛ أنهم إذا أذاقهم الله منه رحمة من صحة، وغنى، ونصر، ونحو ذلك فرحوا بذلك فرح بطر، لا فرح شكر وتبجح بنعمة الله، وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ أي: حال تسوؤهم وذلك بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ من المعاصي، إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ ييأسون من زوال ذلك الفقر والمرض ونحوه،وهذا جهل منهم وعدم معرفة) [تيسر القرآن الكريم،للسعدى].
قال الماوردي: ( " إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ " فيه وجهان: أحدهما: أن القنوط اليأْس من الرحمة والفرج، قاله الجمهور، الثاني: أن القنوط ترك فرائض الله في اليسر، قاله الحسن) [النكت والعيون].
قال البغوي: (إذا هم يقنطون، ييأسون من رحمة الله، وهذا خلاف وصف المؤمن، فإنه يشكر الله عند النعمة ويرجو ربه عند الشدة) [معالم التنزيل،للبغوى].
- وقال تعالى: " لا يَسْأَمُ الإِنسَانُ مِن دُعَاء الْخَيْرِ وَإِن مَّسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُوسٌ قَنُوطٌ " [فصلت: 49].
قال الطبري: ( " فَيَؤُوسٌ قَنُوطٌ " يقول: فإنه ذو يأس من روح الله وفرجه، قنوط من رحمته، ومن أن يكشف ذلك الشر النازل به عنه) [جامع البيان،للطبرى].
#### ثانيًا: في السنة النبوية:
- عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال: سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول: (إنَّ الله خلق الرَّحمة يوم خلقها مائة رحمة، فأمسك عنده تسعًا وتسعين رحمة، وأرسل في خلقه كلِّهم رحمة واحدة، فلو يعلم الكافر بكلِّ الَّذي عند الله من الرَّحمة، لم ييأس من الجنَّة، ولو يعلم المسلم بكلِّ الذي عند الله من العذاب، لم يأمن من النَّار) [رواه البخارى].
قال بدر الدين العيني: (... (لم ييأس من الجنة) من اليأْس وهو القنوط.. وقوله: (لم ييأس من الجنة) قلت: قيل: المراد أن الكافر لو علم سعة الرحمة لغطى على ما يعلمه من عظيم العذاب فيحصل له الرجاء، وقيل: المراد أن متعلق علمه بسعة الرحمة مع عدم التفاته إلى مقابلها يطمعه في الرحمة) [عمدة القارى شرح صحيح البخارى،لبدر الدين العينى].
- وعَنْ أَبِي هُـرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رسولُ اللهِ صَلى اللهُ عليه وسلم: (لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة ما طمع في جنته أحد، ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة، ما قنط من رحمته أحد) [رواه مسلم].
قال المباركفوري: (إن المؤمن قد اختص بأن يطمع في الجنة، فإذا انتفى الطمع منه فقد انتفى عن الكل، وكذلك الكافر مختص بالقنوط، فإذا انتفى القنوط عنه فقد انتفى عن الكل، وورد الحديث في بيان كثرة رحمته وعقوبته كيلا يغتر مؤمن برحمته فيأمن من عذابه ولا ييأس كافر من رحمته ويترك بابه) [مرعاة المفاتيح].
#### أقوال السلف والعلماء في اليأْس والقنوط:
- قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (الفقيه حقُّ الفقيه: من لم يُقنِّط النَّاس من رحمة الله، ولم يرخِّص لهم في معاصي الله، ولم يؤمِّنهم من عذاب الله) [رواه الدارمى، وأبو داود فى الزهد].
- وقال ابن مسعود: (الهلاك في اثنتين، القنوط، والعجب) [الزواجر عن اقتراف الكبائر،لابن حجر الهيتمى].
- وقال أيضًا: (الكبائر ثلاث: اليأْس من رَوْح الله، والقنوط من رحمة الله، والأمن من مكر الله) [جامع البيان،للطبرى].
- وقال محمد بن سيرين: (الإلقاء إلى التهلكة هو القنوط من رحمة الله تعالى) [معالم التنزيل،للبغوى].
- وقال أيضًا: (لا تيأس فتقنط فلا تعمل) [العجاب فى بيان الأسباب،لابن حجر العسقلانى].
- وقال سفيان بن عيينة: (من ذهب يقنِّط الناس من رحمة الله، أو يقنِّط نفسه فقد أخطأ) [تفسير القرىن العظيم،لابن أبى حاتم].
#### من آثار اليأْس والقنوط:
1- اليأْس والقنوط من صفات الكافر والضال:
قال الله تعالى: " قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ " [الحجر: 56].
وقال: " إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ " [يوسف: 87].
قال السعدي: (يخبر تعالى عن طبيعة الإنسان، أنه جاهل ظالم بأنَّ الله إذا أذاقه منه رحمة كالصحة والرزق، والأولاد، ونحو ذلك، ثم نزعها منه، فإنه يستسلم لليأس، وينقاد للقنوط) [تيسير الكريم الرحمن،للسعدى].
قال ابن عطية: (اليأْس من رحمة الله وتفريجه، من صفة الكافرين) [المحرر الوجيز،لابن عطية].
2- اليأْس والقنوط ليس من صفات المؤمنين:
قال البغوي: (إذا هم يقنطون، ييأسون من رحمة الله، وهذا خلاف وصف المؤمن فإنه يشكر الله عند النعمة، ويرجو ربه عند الشدة) [المحرر الوجيز،لابن عطية].
قال القاسمي: (الجزع واليأْس من الفرج عند مسِّ شر قضى عليه. وكل ذلك مما ينافي عقد الإيمان) [محاسن التأويل].
3- اليأْس والقنوط فيه تكذيب لله ولرسوله:
قال ابن عطية: (اليأْس من رحمة الله، وتفريجه من صفة الكافرين. إذ فيه إمَّا التكذيب بالربوبية، وإمَّا الجهل بصفات الله تعالى) [المحرر الوجيز،لابن عطية].
قال القرطبي: (اليأْس من رحمة الله،.. فيه تكذيب القرآن، إذ يقول وقوله الحق: " وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ " [الأعراف: 156] وهو يقول: لا يغفر له، فقد حجَّر واسعًا، هذا إذا كان معتقدًا لذلك، ولذلك قال الله تعالى: " إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ " [يوسف: 87] وبعده القنوط، قال الله تعالى: " وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ " [الحجر: 56]) [انظر:الجامع لأحكام القرآن،بتصرف يسير].
4- اليأْس فيه سوء أدب مع الله سبحانه وتعالى:
فـ(الخوف الموقع في الإياس: إساءة أدب على رحمة الله، التي سبقت غضبه، وجهل بها) [صلاح الأمة فى علو الهمة،لسيد العفانى].
5- اليأْس سبب في الوقوع في الكفر والهلاك والضلال:
قال القاسمي: " وَإِذَآ أَنْعَمْنَا عَلَى الإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَؤُوسًا " [الإسراء: 83] إشارة إلى السبب في وقوع هؤلاء الضالين في أودية الضلال. وهو حب الدنيا وإيثارها على الأخرى، وكفران نعمه تعالى، بالإعراض عن شكرها، والجزع واليأْس من الفرج عند مسِّ شر قضى عليه) [محاسن التأويل].
قال محمد بن سيرين وعبيدة السلماني في تفسير قوله تعالى: " وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ " [البقرة: 195]: (الإلقاء إلى التهلكة هو القنوط من رحمة الله تعالى) [معالم التزيل،للبغوى].
#### حكم اليأْس والقنوط:
أجمع العلماء على تحريم اليأْس والقنوط، ومن اليأْس والقنوط ما يخرج من الملة، ومنه ما لا يخرج من الملة، وإنما هو من الكبائر، بل أشد تحريمًا من الكبائر الظاهرة كالزنا، وجعلهما القرطبي في الكبائر بعد الشرك من حيث الترتيب [انظر:الجامع لأحكام القرآن،للقرطبى].
قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (الكبائر أربع: الإشراك بالله، والقنوط من رحمة الله، واليأْس من روح الله، والأمن من مكر الله) [رواه الطبرى فى تفسيره].
وقال العدوي: (الإياس من الكبائر) [حاشية العدوى على شرح كفاية العالم الربانى].
#### أقسام اليأْس من رحمة الله:
1- اليأْس التام: وهذا يخرج من الإسلام إذا لم يوجد الرجاء معه تمامًا.
2- يأْس العصاة: وهو يأس عصاة المسلمين بسب كثرة المعاصي، وهذا لا يخرج من الملة ولكنه من كبائر الذنوب [انظر:تيسير الكريم الرحمن، للسعدى].
قال السعدي: (الإياس من رحمة الله من أعظم المحاذير، وهو نوعان: إياس الكفار منها، وتركهم جميع سبب يقربهم منها، وإياس العصاة، بسبب كثرة جناياتهم أوحشتهم، فملكت قلوبهم، فأحدث لها الإياس) [تيسير الكريم الرحمن].
#### ما يباح من اليأْس:
اليأْس ليس مذمومًا في كل الأحوال بل قد يحمد في بعض المواضع، ومنها:
- اليأْس مما في أيدي الناس:
(كان عمر رضي الله عنه يقول في خطبته على المنبر: إنَّ الطمع فقر، وإن اليأْس غنى، وإن الإنسان إذا أيس من الشيء استغنى عنه) [رواه ابن المبارك فى الزهد].
واليأْس مما في أيدي الناس شرط لتحقيق الإخلاص قال ابن القيم: (لا يجتمع الإخلاص في القلب ومحبة المدح والثناء والطمع فيما عند الناس، إلا كما يجتمع الماء والنار، والضب والحوت، فإذا حدثتك نفسك بطلب الإخلاص، فأقبل على الطمع أولًا فاذبحه بسكين اليأْس، وأقبل على المدح والثناء فازهد فيهما زهد عشاق الدنيا في الآخرة، فإذا استقام لك ذبح الطمع والزهد في الثناء والمدح سهل عليك الإخلاص) [الفوائد].
- ذكر نصوص الوعيد والعذاب لمن غلب رجاؤه وانهمك في المعاصي:
قال البخاري: (كان العلاء بن زياد يذكر النار، فقال رجل لِـمَ تقنط الناس؟ قال: وأنا أقدر أن أقنط الناس، والله عزَّ وجلَّ يقول: " قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ " [الزمر: 53] ويقول: " وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ " [غافر: 43] ولكنَّكم تحبون أن تبشروا بالجنة على مساوئ أعمالكم، وإنما بعث الله محمدًا صلى الله عليه وسلم مبشرًا بالجنة لمن أطاعه، ومنذرًا بالنار من عصاه) [صحيح البخارى].
من صور اليأْس والقنوط كثيرة، ومنها:
1- اليأْس والقنوط من مغفرة الله للذنوب.
2- اليأْس والقنوط من زوال الشدائد وتفريج الكروب.
3- اليأْس من التغيير للأفضل:
ويتمثل في يأس الإنسان من تحصيل ما يرجوه في أمر من أمور الدنيا كجاه أو مال أو زوجة أو أولاد وغيرهم.
4- اليأْس من نصر الإسلام، وارتفاع الذُّل والمهانة عن المسلمين.
#### من أسباب اليأْس والقنوط:
1- الجهل بالله سبحانه وتعالى:
قال ابن عادل: (القنوط من رحمة الله تعالى لا يحصل إلا عند الجهل بأمور:
أحدها: أن يجهل كونه تعالى قادرًا عليه.
وثانيها: أن يجهل كونه تعالى عالـمًا باحتياج ذلك العبد إليه.
وثالثها: أن يجهل كونه تعالى، منزهًا عن البخل، والحاجة.
والجهل بكلِّ هذه الأمور سبب للضلال) [اللباب فى علوم الكتاب].
وقال ابن القيم: (الكبائر:..القنوط من رحمة الله، واليأْس من روح الله.. وتوابع هذه الأمور إنما تنشأ من الجهل بعبودية القلب، وترك القيام بها) [مدارج السالكين،لابن قيم الجوزية].
2- الغلو في الخوف من الله سبحانه وتعالي:
قال ابن القيم: (لا يدع الخوف يفضي به إلى حدٍّ يوقعه في القنوط، واليأْس من رحمة الله، فإنَّ هذا الخوف مذموم، وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول: حدُّ الخوف ما حجزك عن معاصي الله، فما زاد على ذلك: فهو غير محتاج إليه، وهذا الخوف الموقع في الإياس: إساءة أدب على رحمة الله تعالى، التي سبقت غضبه، وجهل بها) [مدارج السالكين].
ولغلبة هذا الخوف على قلب اليائس أسباب منها: (إدراك قلبه من معاني الأسماء والصفات ما يدل على عظمة الله وجبروته، وسرعة عقابه، وشدة انتقامه، وحجب قلبه عن الأسماء الدالة على الرحمة، واللطف، والتوبة، والمغفرة... إلخ، فيسيطر على القلب الخوف فيسلمه ذلك إلى اليأْس من روح الله، والقنوط من رحمته) [أثر لإيمان فى تحصين الأمة الإسلامية ضد الأفكار الهدامة،لعبد الله الجربوع].
3- مصاحبة اليائسين والقانطين والمقنطين:
فإنَّ مصاحبة هؤلاء تورث اليأْس والقنوط من رحمة الله إما مشابهةً، أوعقوبةً للاختلاط بهم.
4- التعلُّق بالأسباب:
قال فخر الدين الرازي: (الكافر يعتقد أن السبب في حصول تلك النعمة سبب اتفاقي، ثم إنه يستبعد حدوث ذلك الاتفاق مرة أخرى فلا جرم يستبعد عود تلك النعمة فيقع في اليأس. وأما المسلم الذي يعتقد أن تلك النعمة إنما حصلت من الله تعالى وفضله وإحسانه وطوله فإنه لا يحصل له اليأس، بل يقول لعله تعالى يردها إلي بعد ذلك أكمل وأحسن وأفضل مما كانت، وأما حال كون تلك النعمة حاصلة فإنه يكون كفورًا لأنه لما اعتقد أن حصولها إنما كان على سبيل الاتفاق أو بسبب أن الإنسان حصلها بسبب جده وجهده، فحينئذ لا يشتغل بشكر الله تعالى على تلك النعمة) [انظر: مفاتيح الغيب].
#### من الوسائل المعينة على التخلص من اليأْس والقنوط:
1- الإيمان بأسماء الله وصفاته:
إنَّ العلم والإيمان بأسماء الله وصفاته، وخاصة التي تدلُّ على الرحمة، والمغفرة، والكرم، والجود، تجعل المسلم لا ييأس من رحمة الله وفضله، فـ(إذا علم العبد، وآمن بصفات الله من الرحمة، والرأفة، والتَّوْب، واللطف، والعفو، والمغفرة، والستر، وإجابة الدعاء؛ فإنه كلما وقع في ذنب؛ دعا الله أن يرحمه ويغفر له ويتوب عليه، وطمع فيما عند الله من سترٍ ولطفٍ بعباده المؤمنين، فأكسبه هذا رجعة وأوبة إلى الله كلما أذنب، ولا يجد اليأْس إلى قلبه سبيلًا، كيف ييأس من يؤمن بصفات الصبر، والحلم؟! كيف ييأس من رحمة الله من علم أنَّ الله يتصف بصفة الكرم، والجود، والعطاء) [صفات الله عز وجل الواردة فى الكتاب والسنة،لعلوى السقاف].
2- حسن الظن بالله ورجاء رحمته:
قال السفاريني: (حال السلف رجاء بلا إهمال، وخوف بلا قنوط. ولابد من حسن الظن بالله تعالى) [غذاء الألباب فى شرح منظومة الآداب].
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قال الله عزَّ وجلَّ: أنا عند ظنِّ عبدي بي، وأنا معه حيث يذكرني، والله، لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم يجد ضالته بالفلاة، ومن تقرَّب إلي شبرًا، تقربت إليه ذراعًا، ومن تقرَّب إلي ذراعًا، تقربت إليه باعًا، وإذا أقبل إليَّ يمشي، أقبلت إليه أهرول) [رواه البخارى ومسلم واللفظ له].
وعن أنس رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (قال الله تعالى: يا ابن آدم، إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم، لو بلغت ذنوبك عنان السماء، ثم استغفرتني، غفرت لك ولا أبالي، يا ابن آدم، إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا، ثم لقيتني لا تشرك بي شيئًا، لأتيتك بقرابها مغفرة) [صححه الألبانى فى صحيح سنن الترمذى].
3- الزهد في الدنيا:
فمن أسباب اليأْس والقنوط الأساسية، تعلق القلب بالدنيا والفرح بأخذها، والحزن والتأسف على فواتها بكل ما فيها، من جاه، وسلطان، وزوجة، وأولاد، ومال، وعافية..إلخ، فاعلم أنَّ الله سبحانه يعطي الدنيا لمن لا يحب ومن يحب، ولا يعطي الآخرة إلا لمن أحب، وقد منع أحب الخلق إليه، وأكرمهم عليه، نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الدنيا وما فيها، فخرج وما ملأ بطنه من خبز البر ثلاث أيام متواليات، وأنَّ المرء لن يأخذ أكثر مما قدر له فلا ييأس ولا يقنط لفوات شيء.
4- الصبر عند حدوث البلاء:
وذلك أن الله سبحانه ذم اليائسين من رحمته عند حصول البلاء، واستثنى من الذم الصابرين على البلاء، وجعل لهم الثواب العظيم.
فقال تعالى: " وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاء بَعْدَ ضَرَّاء مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُوْلَـئِكَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ " [هود: 9-11].
ونهى النَّبي صلى الله عليه وسلم عن تمني الموت بسبب البلاء، فعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يتمنين أحدكم الموت لضرر أصابه، فإن كان لا بد فاعلًا، فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرًا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرًا لي) [رواه البخارى ومسلم واللفظ للبخارى].
#### قصص في عدم اليأْس والقنوط:
قصة نبي الله يعقوب عليه السلام:
فقصة نبي الله يعقوب عند فقد ابنه يوسف عليهما الصلاة والسلام درس عظيم في ترك اليأْس، وحسن الظن بالله، والصبر على البلاء، ورجاء الفرج من الله، في عدة مواضع منها:
- عندما جاءه نعي أحب أولاده إليه يوسف عليه الصلاة والسلام - وهذا أعظم المصائب على قلب الأب-لم يفقد صوابه، وقابل قدر الله النازل، بالصبر والحلم، والاستعانة بالله سبحانه على رفعه " قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ " [يوسف: 18].
- ولما عظمت المصيبة بفقد ابنه الثاني ازداد صبره، وعظم رجاؤه في الفرج من الله سبحانه، فقال لأبنائه " قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ " [يوسف: 83].
- حين عوتب في تذكر يوسف عليه الصلاة والسلام بعد طول الزمان، وانقطاع الأمل، وحصول اليأْس في رجوعه، قال بلسان المؤمن الواثق في وعد الله برفع البلاء عن الصابرين، وإجابة دعوة المضطرين " قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ " [يوسف: 86].
- وأخذ بالأسباب في السعي والبحث عن يوسف وأخيه فقال لأبنائه: " يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ " [يوسف: 87].
- فكانت العاقبة لمن صبر وأمل ورضي ولم يتسخط قال تعالى: " فَلَمَّا أَن جَاء الْبَشِيرُ من عند الحبيب مبشرًا باللقاء القريب " أَلْقَاهُ " قميص يوسف " عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا " فرجع البصر، وبلغ الأمل، وزال الكرب، وحصل الثواب لمن صبر ورضي وأناب، " قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ " [يوسف: 96].
مختارات