" الفُجُــور "
" الفُجُــور "
ذَمُّ الفُجُور والنَّهي عنه:
#### أولًا: في القرآن الكريم:
وردت آيات في القرآن الكريم في معنى الفُجُور مِن هذه الآيات ما يلي:
- قال تعالى: " أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ " [ص: 28].
وفي تفسير هذه الآية قال الطَّبري: " أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ " يقول: الذين اتقوا الله بطاعته وراقبوه، فحَذِرُوا معاصيه، " كَالْفُجَّارِ " يعني: كالكفَّار المنتهكين حُرُمَات الله[انظر:جامع البيان].
- وقال تعالى: " بَلْ يُرِيدُ الإِنسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ " [القيامة: 5].
وفي تفسير هذه الآية قال ابن كثير: (وقوله: " بَلْ يُرِيدُ الإِنسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ " قال سعيد، عن ابن عبَّاس: يعني يمضي قُدُمًا.
وقال العوفي، عن ابن عبَّاس: " لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ " يعني: الأمل، يقول الإنسان: أعمل ثمَّ أتوب قبل يوم القيامة، ويقال: هو الكفر بالحقِّ بين يدي القيامة.
وقال مجاهد: " لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ " ليمضي أمامه راكبًا رأسه، وقال الحسن: لا يلقى ابن آدم إلَّا تَنْزِع نفسه إلى معصية الله قُدمًا قُدمًا، إلَّا مَن عصمه الله) [انظر:تفسير القرآن العظيم].
- وقوله - سبحانه -: " فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا " [الشمس: 8].
قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: (وقوله: " فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا " أي: فأرشدها إلى فجورها وتقواها، أي: بيَّن لها ذلك، وهداها إلى ما قدَّر لها.
قال ابن عبَّاس: " فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا " بيَّن لها الخير والشَّر، وكذا قال مجاهد، وقتادة، والضَّحاك، والثَّوري.
قال سعيد بن جبير: ألهمها الخير والشَّرَّ، وقال ابن زيد: جعل فيها فجورها وتقواها) [انظر:تفسير القرآن العظيم].
#### ثانيًا: في السنة النبوية:
- عن عبد الله رضي الله عنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عليكم بالصِّدق، فإنَّ الصِّدق يهدي إلى البرِّ، وإنَّ البرَّ يهدي إلى الجنَّة، وما يزال الرَّجل يصدق، ويتحرَّى الصِّدق حتى يُكْتَب عند الله صدِّيقًا، وإيَّاكم والكذب، فإنَّ الكذب يهدي إلى الفُجُور، وإنَّ الفُجُور يهدي إلى النَّار، وما يزال الرَّجل يكذب، ويتحرَّى الكذب حتى يُكْتَب عند الله كذَّابًا) [رواه البخارى ومسلم واللفظ له].
قال المناويُّ: (عليكم بالصِّدق، أي: الزموه وداوموا عليه، فإنَّه مع البرِّ، يحتمل أنَّ المراد به العبادة، وهما في الجنَّة. أي: الصِّدق مع العبادة يُدْخِلان الجنَّة،وإيَّاكم والكذب، اجتنبوه واحذروا الوقوع فيه. فإنَّه مع الفُجُور، أي: الخروج عن الطَّاعة، وهما في النَّار، يُدْخِلان نار جهنَّم) [فيض القدير].
- عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، أن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال: (أربعٌ مَن كنَّ فيه، كان منافقًا، أو كانت فيه خصلة مِن أربعة، كانت فيه خصلة مِن النِّفاق، حتى يدعها: إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر) [رواه البخارى ومسلم واللفظ للبخارى].
قال ابن رجب: (ويعني بالفُجُور: أن يخرج عن الحقِّ عمدًا حتى يصير الحقُّ باطلًا والباطل حقًّا، وهذا ممَّا يدعو إليه الكذب، كما قال صلى الله عليه وسلم: (إيَّاكم والكذب، فإنَّ الكذب يهدي إلى الفُجُور، وإنَّ الفُجُور يهدي إلى النَّار) [رواه البخارى ومسلم واللفظ له]،[جامع العلوم والحكم].
قال ابن حجر: (الفُجُور: الميْل عن الحقِّ والاحتيال في ردِّه) [فتح البارى،لابن حجر].
وقال ابن بطال: (الفُجُور: الكذب والرِّيبة، وذلك حرام، ألَا ترى أنَّ النَّبيَّ -عليه السلام - قد جعل ذلك خصلة مِن النِّفاق) [شرح صحيح البخارى،لابن بطال].
#### أقوال السَّلف والعلماء في الفُجُور:
- قال الحسن بن علي رضي الله عنه: (أكيس الكيس التُّقَى، وأحمق الحمق الفُجُور) [انظر:التمثيل والمحاضرة،للثعالبى].
- وقال عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه: (لا تعرضنَّ فيما لا يعنيك، واعتزل عدوَّك، واحتفظ مِن خليلك إلَّا الأمين، فإنَّ الأمين مِن القوم لا يعدله شيء، ولا تصحب الفاجر يعلِّمك مِن فجوره، ولا تفش إليه سرَّك، واستشر في دينك الذين يخشون الله عزَّ وجلَّ) [رواه البيهقى].
- وعن ابن مسعود موقوفًا: (إنَّ المؤمن يرى ذنوبه كأنَّه قاعدٌ تحت جبلٍ، يخاف أن يقع عليه، وإنَّ الفاجر يرى ذنوبه كذباب مَرَّ على أنفه، فقال به هكذا - أي بيده - فذبَّه عنه) [رواه البخارى].
- وقال الشَّعبي: (اتَّقوا الفاجر مِن العلماء، والجاهل مِن المتعبِّدين، فإنَّهما آفة كلِّ مفتون) [انظر:شعب الإيمان،البيهقى].
- وعن سفيان قال: كان يقال: (تعوَّذوا بالله مِن فتنة العابد الجاهل، وفتنة العالم الفاجر، فإنَّ فتنتهما فتنة كلِّ مفتون) [رواه البيهقى فى شعب الإيمان].
- وقال علي رضي الله عنه: (الحِرفة مع العفَّة خير مِن الغِنَى مع الفُجُور) [ربيع الأبرار ونصوص الأخيار].
- وقال - أيضًا -: (خالط المؤمن بقلبك، وخالط الفاجر بخلقك، كان يقال: يُمْتَحن الرَّجل في ثلاثة أشياء: عند هواه إذا هوى، وعند غضبه إذا غضب، وعند طمعه إذا طمع) [ذكره ابن مفلح فى الآداب الشرعية].
- وقال - أيضًا -: (لا تواخ الفاجر؛ فإنَّه يزيِّن لك فعله، ويحبُّ لو أنَّك مثله، ومدخله عليك ومخرجك مِن عنده شَيْنٌ وعار) [رواه الدينورى فى المجالسة وجواهر العلم].
- ورُوِي عن الحسين أنَّه قال: (يا بني؛ ليس مع قطيعة الرَّحم نَمَاء، ولا مع الفُجُور غِنًى) [انظر:الإعجاز والإيجاز،للثعالبى].
- وقال مالك بن دينار: (إنَّ للمؤمن نيَّة في الخير هي أمامه لا يبلغها عمله، وإنَّ للفاجر نيَّة في الشَّرِّ هي أمامه لا يبلغها عمله) [ربيع الأبرار ونصوص الأخيار،للزمخشرى].
#### من آثارُ الفُجُور:
1- الفُجُور دليلٌ على خِسَّة النَّفس، وعلامة مِن علامات الدَّناءة في الشَّخص، وعنوانٌ للانحطاط الأخلاقي.
2- الفُجُور خُلُقٌ يدعو لكراهية صاحبه، ويجعله ممقوتًا مِن الخَلْق، ممَّا يزرع الشَّحناء والبغضاء في المجتمع.
3- كما أنَّ هذه الصِّفة ليس ضررها محصورًا على الفاجر وحده، بل إنَّ تداعيات فجوره قد تُلْحِق الأذى على الأفراد وعلى المجتمع.
#### من أسباب الوقوع في الفُجُور:
1- هشاشة الإيمان في قلب الموصوف بالفُجُور، وضعف الوازع الدِّيني، وعدم الخوف مِن الله سبحانه وتعالى ومراقبته.
2- قد تُسَبِّب بعض الظَّواهر الاجتماعيَّة في الوقوع في الفُجُور، كأن يكون المجتمع مجتمع غير منضبط بضوابط الشَّرع، وقد تكون التَّنشئة والتَّربية هي السَّبب في ظهور هذه الظَّاهرة.
3- غياب فريضة الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر.
#### مِن الأقوال والأمثال في الفُجُور:
1- كان يقال: (اثنان لا يجتمعان: القُنُوع والحسد، واثنان لا يفترقان أبدًا: الحرص والفُجُور) [انظر:الذخائر والبصائر،لأبى حيان].
2- وقال بعضهم - وتُروَى عن الجاحظ -: (خير الدُّنيا والآخرة في خصلتين: التُّقى والغِنى، وشرُّ الدُّنيا والآخرة خصلتين: الفُجُور والفقر) [نثر الدر فى المحاضرات،للآبى].
3- وقال ابن المقفَّع: (النَّاس على دين السُّلطان إلَّا القليل؛ فليكن للبِرِّ والمروءة عنده نفاق، فسيكسد بذلك الفُجُور والدَّناءة) [نثر الدر فى المحاضرات،للآبى].
4- وعن صعصعة بن صوحان أنَّه قال لابن زيد بن صوحان: (أنا كنت أكرم على أبيك منك، وأنت أكرم عليَّ مِن ابني، إذا لقيت المؤمن فخالصه،وإذا لقيت الفاجر فخالفه، ودينك لا تُكلِّمنَّه) [انظر:الأمثال،لابن سلام].
5- وقال أبو عمرو بن العلاء: (يا عبد الملك: كن مِن الكريم على حذر إن أهنته، ومِن اللَّئيم إذا أكرمته، ومِن العاقل إذا أحرجته، ومِن الأحمق إذا مازحته، ومِن الفاجر إذا عاشرته، وليس مِن الأدب أن تجيب مَن لا يسألك، ولا تسأل مَن لا يجيبك، أو تحدث مَن لا ينصت لك) [انظر: الجليس الصالح الكافى،لأبى الفرج الجريرى].
مختارات