اسم الله السيد 2
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
من أسماء الله الحسنى : ( السيد) :
أيها الأخوة الكرام ، لا زلنا في اسم " السيد " و " السيد " لغة : صفة مشبهة للموصوف بالسيادة ، أصله ساد يسود سيّود ، قلبت الواو ياءً ، وأدغمت في الياء ، فأصبحت سيد " السيد " على الإطلاق هو الله ، لأنه مالك الملك ، بل مالك الخلق ، ولا مالك للخلق سواه ، هو سيد الخلق ، لأنه مالك أمرهم بأمره يعملون ، وعن قوله يصدرون ، يملكهم ملكاً مطلقاً ، خلقاً ، وتصرفاً ، ومصيراً ، لكن يمكن أن يوصف الإنسان بأنه سيد ، مع الفارق بين الخالق والمخلوق .
السيد من بني البشر الذي تأبى نفسه أن يفعل منكراً :
بماذا وصف النبي عليه الصلاة والسلام ؟ بماذا وصف النبي عليه الصلاة والسلام ؟ بصفات أخلاقية ." نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه ونسبه ، فَدَعَانَا إِلَى اللَّهِ لِنُوَحِّدَهُ وَنَعْبُدَهُ ، وَنَخْلَعَ مَا كُنَّا نَعْبُدُ نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ الْحِجَارَةِ وَالْأَوْثَانِ ، وَأَمَرَنَا بِصِدْقِ الْحَدِيثِ ، وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ ، وَصِلَةِ الرَّحِمِ ، وَحُسْنِ الْجِوَارِ ، وَالْكَفِّ عَنْ الْمَحَارِمِ وَالدِّمَاء.." .
أنا أنقل لكم حديثاً لصحابي جليل ، أراد أن يعرف النجاشي بالإسلام .
الإسلام بناء أخلاقي يستند إلى عبادات شعائرية :
إذاً الإسلام مجموعة قيم أخلاقية ، الإسلام بناء أخلاقي يستند إلى عبادات شعائرية .
الإسلام شيء ، والخمس شيء آخر ، هذه دعائم ، هذه الدعائم لا تسمى بناء هي أساسات بناء ، لكن البناء هو الأخلاق ." بُنِي الإسلامُ على خَمْسٍ "
من هنا تبين أن قيمة المسلم الأولى في خلقه ، وأن الخلق هو الذي يجذب الناس إلى الدين ، وأن سوء الخلق يبعد الناس عن الدين ، فحينما يتوهم الإنسان أنه إذا صلى ، أو إذا صام ، أو إذا حج ، أو إذا زكى صار مسلماً ؟ نقول له : لا ، لا تكون مسلماً حقيقة إلا إذا تحليت بعد أدائك للعبادات بمكارم الأخلاق ، فالإيمان هو الخلق ، ومن زاد عليك في الإيمان زاد عليك في الخلق .
النبي الكريم اتصف بمئات الصفات الرائعة ومع ذلك فقد مدحه الله تعالى بخلقه العظيم :
الآن النبي عليه الصلاة والسلام ، كان نبياً ، وكان رسولاً ، وكان متكلماً ، وكان متحدثاً ، وكان حكيماً ، مئات الصفات التي وهبه الله إياها ، لكن حينما مدحه ، مدحه بالخلق العظيم .
يعني أنت ليس من المعقول أنك إذا أعطيت ابنك سيارة تقيم له حفلاً تكريمياً ، السيارة منك ، حفل التكريم لا معنى له إطلاقاً ، أما إذا نجح في الشهادة الثانوية ، ونال الدرجة الأولى شيء طبيعي جداً أن تقيم له حفلاً تكريمياً ، أي الأخلاق كسبية .
لذلك كل الصفات الرائعة التي تحلى بها النبي حينما جاء مكان مدحه ، مُدح بخلقه العظيم .
وما لم يقتدِ المسلمون بأخلاق نبيهم لن يفلحوا .
التقريع والقسوة في الخطاب ليست من صفات الدعاة الصادقين :
يعني بسبب رحمة استقرب في قلبك يا محمد كنت ليناً لهم ، مع كل خصائصه ، مع أنه أوتي القرآن ، مع أنه أوتي وحي السماء ، مع أنه كان جميل الصورة ، مع أنه كان فصيح اللسان ، مع أنه لا ينسى . مع أنه ، مع أنه، لو سردت آلاف الصفات ، يقول الله له كتوضيح ، أنت أنت أنت يا محمد مع كل هذه الخصائص : " وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ " [آل عمران:159]لو معك علم ، لو حافظ آلاف النصوص ، لو متبحر بكل الكتب ، ما دمت فظاً غليظ القلب ينفض الناس من حولك ، هذا الكلام لمن موجه ؟ لا إلينا ، لا في وحي ، ولا في قرآن ، ولا في معجزات ، ولا في فصاحة ، ولا في جمال ، هذا الكلام موجه لسيد الخلق وحبيب الحق ، موجه لمن اصطفاه الله على العالمين ، قال له أنت ، أنت ، أنت بالذات : " وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ " .أنا أعجب أشد العجب من داعية ، ليس نبياً ، ولا رسولاً ، ولا يوحى إليه ، ولا معه القرآن ، وليس فصيحاً ، وليس جميل الصورة ، ومع ذلك قاسٍ جداً في توجيهه ، هذا التقريع ، والقسوة في الخطاب ليس من صفات الدعاة الصادقين .
الإنسان لا يكون سيداً إلا إذا كان أخلاقياً :
فكلما ارتفع مقامك تزداد ، فكلما ارتفع مقامك تزداد وتتسع دائرة اهتمامك ، فالذي يخرج من ذاته ليحمل همّ المسلمين ، ليخفف عنهم أعباءهم ، ليدعوهم إلى الله عز وجل ، ليبين لهم هذا الإنسان له عند الله مقام خطير ، ولئلا يترسخ في أذهاننا مفهوم ما أراده الله أن الإسلام عبادات ، ضُغط الإسلام إلى عبادات .المفارقة الحادة بين هوية المسلم وبين سلوكه :
والله أيها الأخوة ، هناك مفارقات حادة جداً في حياتنا ، تجد إنساناً صائماً مصلياً من رواد المساجد ، وليس هناك من علاقة بين هويته كمسلم وعقيدته وبين سلوكه ، تجده غربياً في احتفالاته ، في كسب ماله ، في تجارته ، مادة محرمة ، مشبوهة ، يجوز ، لا يجوز بفائدة ، بغير فائدة ، هذا الشرخ العظيم بين حقيقة الدين ، وبين واقع المسلمين ، شيء مقلق ، يعني مليار و خمسمئة مليون مسلم في الأرض ليس أمرهم بيدهم ، وللطرف الآخر عليهم ألف سبيل وسبيل ، لماذا ؟ لأن أمر الله هان عليهم فهانوا على الله .
في اللحظة التي تتوهم فيها أن الدين أن تصلي ، وأن تصوم ، وأن تحج ، وأن تزكي ، ولا شيء عليك بعد ذلك ، افعل في بيتك ما شئت ، ولتخرج زوجتك بما يحلو لها من ثياب فاضحة ، ولتجعل ابنتك تتابع صرعات الأزياء ، وأنت راض عنها ، وأن تتعامل بالأمور التجارية تعاملاً غير إسلامي ، هنا المشكلة الكبيرة .
لذلك أنا مضطر أن أبين لكم ، وهذه حقيقة صارخة أن العبادات الشعائرية وعلى رأسها الصلاة ، والصيام ، والحج ، والزكاة ، والنطق بالشهادة ، لا تقبل ، ولا تصح ، إلا إذا صحت العبادات التعاملية ، ويأتي على رأسها الأخلاق .
وفي الدين دليل ، ولولا الدليل لقال من شاء ما شاء ، لك أن تقول برأيك في أي موضوع ، إلا في الدين .
إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم .
العبادات الشعائرية لا تقبل ولا تصحّ إلا إذا صحّت العبادات التعاملية :
هي انتهت ، الصلاة : " إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ " [العنكبوت:45] إن لم تنهَ الصلاة عن الفحشاء والمنكر لن تستطيع أن تقطف من ثمارها شيئاً إنها حركات وسكنات ، وإشارات وتمتمات ، وهي أقرب إلى الطقوس منها إلى العبادات حقيقة خطيرة .الصيام : " مَن لم يَدَعْ قولَ الزُّورِ والعمَلَ بِهِ ، فَليسَ للهِ حاجة فِي أَن يَدَعَ طَعَامَهُ وشَرَابَهُ "[أخرجه البخاري] .
صام ثلاثين يوماً ! الحج :
الزكاة ، إنفاق المال : النطق بالشهادة :
" من قال لا إله إلا الله مخلصاً دخل الجنة قيل : وما إخلاصها ؟ قال : أن تحجزه عن محارم الله " [رواه الطبراني عن زيد بن أرقم] عن معاصي الله عز وجل .
تميز الإنسان بأخلاقه وتواضعه وحلمه سبب تقربه من الله عز وجل :
تقرب إلى الله ، تقرب إلى " السيد " المطلق ، تقرب إلى الله " السيد " المطلق الذي ملك كل الخلق بأن تكون سيداً في قومك ، يعني متميزاً في أخلاقك ، بوفائك ، بحلمك ، برحمتك ، بتواضعك .
أقرب شيء تتقرب به إلى الله أن تتخلق بكمالات الله :
لذلك أقرب شيء تتقرب به إلى الله أن تتخلق بكمالات الله ، أقرب وسيلة وأجدى وسيلة في التقرب إلى الله أن تتخلق بكمالات الله ، الله سيد ، وكن أنت سيداً في قومك .
بكل مجتمع ، أحياناً بأسرة كبيرة ، بمجتمع صغير ، في شخص كبير ، كبير جداً أكبر من أكبر مشكلة ، له قلب كبير ، يتضاءل أمامه كل عظيم ، وفي إنسان صغير جداً له قلب صغير يعظم عليه كل حقير ، فلان يقول لك كبير ، يعني لا يستفز ، كبير لا يخون ، كبير لا يكذب ، كبير لا يؤذي ، كبير لا يحتال ، كبير ! فالله عز وجل سيد من أجل أن تتقرب إليه ينبغي أن تكون أنت أيضاً سيداً في قومك .
الرد عن تساؤل الأخوة الكرام عن أسماء الله الحسنى :
هذا الحديث من أعلى درجات الصحة ، في صحيح البخاري ومسلم ، رواه الشيخان ، ولكن جاء بعد التسعة والتسعين اسماً هذه الأسماء التي أدرجت بعد هذا الحديث لم يثبت بعضها عن النبي صلى الله عليه وسلم ، بل هي من جمع الرواة ولاسيما الوليد بن مسلم ، بل هي تفسير شخصي للحديث ، وقد أدرجها الوليد بعد الحديث ، وألحقها وألصقها به، وظن أغلب الناس أنها نص من كلام النبي صلى الله عليه وسلم .
ولكن العلماء الراسخين ، قديماً وحديثاً لا يخفى عليهم ذلك ، وقد أجرى الدكتور محمود عبد الرزاق الرضواني جزاه الله خيراً دراسة علمية استقصائية لما ثبت من الأسماء ، وما لم يثبت اعتمد شروطاً لصحتها ، من هذه الشروط : أن يرد الاسم نصاً في القرآن الكريم ، وفي السنة الصحيحة ، وأن تراد به العلنية وأن يكون مطلقاً من كل قيد ، وأن يكون وصفاً ودالاً على كمال الوصفية ، وقد اعتمدت هذه الدراسة في اختيار الأسماء الثلاثين التي تمّ شرحها حتى الآن ، فجزاه الله عنا خيراً ثانية .
موقع الأسماء الحسنى من العقيدة موقع خطير جداً لأنه بها تعرف الله وبسببها تدعوه :
سنتابع إن شاء الله الأسماء الحسنى في الدروس القادمة ، ويمكن أن نقول هذه الكلمة الدقيقة : إن أوسع باب نتعرف منه إلى الله ، وأن اقصر طريق إلى الله فضلاً عن التفكر في خلق السماوات والأرض ، أن نتعرف إلى أسماء الله الحسنى .إن أسماء الله الحسنى تقع في صدر معرفة الله عز وجل ، ومرة ثانية أنت حينما تعرف أسماء الله الحسنى تتوجه إليه " وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا "أنت حينما تتعرف إلى أسماء الله الحسنى تتقرب إلى الله ، وأنت حينما تتعرف إلى أسماء الله الحسنى تدعوه بها ، وأكمل شيء أن يكون لك نصيب من كل اسم من أسماء الله الحسنى .
الله رحيم هل ترحم من دونك ؟ الله عز وجل لطيف هل تتلطف بأهلك ؟ الله عز وجل كريم هل أنت جواد ؟ هذه الأسماء الحسنى قمم في الكمال ، والله عز وجل لا يمكن أن تنتمي إليه ، وأن تكون عبداً من عباده ، وأن تكون مسلماً حقيقة إلا إذا تخلقت بهذه الأخلاق .
فلهذا أيها الأخوة ، موقع الأسماء الحسنى من العقيدة موقع خطير جداً ، بها تعرف الله ، وبسببها تدعوه ، وعن طريق التخلق بكمالات الله التي هي من أسمائه الحسنى تتقرب إليه .
فهذا الموضوع يمكن أن يكون رأساً في موضوعات العقيدة ، موضوعات معرفة الله عز وجل ، وأصل الدين معرفته .