" مواقف ونظرات في التربية "
مواقف ونظرات في التربية "
إن هدي الرسول صلى الله عليه وسلم وذكره للأطفال دائمًا وتشجيع من يقتدي به منهم حث عملي على ارتباطهم بسنته، كما أن تحبيب شرائع الإسلام لهم حسب المناسبات؛ كقصر الصلاة في السفر مثلاً لفت لأنظار الأطفال والناشئة إلى أن هذا من يسر الدين وسهولته.
* أما القرآن الكريم فيحسن تلقين الطفل في الثالثة أو الرابعة من عمره، سورة الفاتحة، وقصار السور، ثم في سن السادسة يمكن إرسالهم إلى حلقة لتعليم القرآن الكريم في المساجد، ودور القرآن، وربط الطفل ببيت الله وبكلامه عز وجل صلة بين روحه وخالقها، كما أن مشاهدة الطفل لمعلم الحلقة وقد اهتم بتطبيق السنة في لباسه، ومظهره، ومحافظته على الصلاة، وإعفائه للحيته، وحسن تعامله، وأخلاقه، كل ذلك باعث على الاقتداء به في المستقبل بإذن الله تعالى.
* ومن طرائف الأطفال، أنه أتى طفل في يوم من الأيام من الروضة، وسأل والدته: ماذا سأكون إذا كبرت؟ وكان اسم الطفل محمدًا، فقالت له والدته: هل تريد أن تكون إمامًا لمسجد وتعلم الناس الخير؟ فأخذ الطفل يفكر قليلاً ثم سأل والدته، هل سيكون في بلدنا - وكان من أهل القصيم – شيخان اسمهما محمد؟ قالت له: ومن هما؟ قال: الشيخ محمد بن عثيمين وأنا.
فلننظر أيها المربون إلى هذا الطفل، وتطلعه، وإلى من بادر في تفكيره، حيث تبارد إلى ذهنه هذا العالم الجليل والطفل يتأثر بمن حوله وما يحيط به.
* إن من مهمات المربي: تهيئة الأبناء، ومن الوسائل المعينة على ذلك: إلحاق أبنائه في المراكز الخيرية، ودور القرآن الكريم، تلك الدور والمراكز التي تفتح أبوابها طوال العام، وتركز جهودها في فترة الصيف لاستثمار أوقات الشباب والفتيان، ولا شك أن الالتحاق بها ربط للنشء بأهل الخير، وهذا من أهم عوامل الصلاح بإذن الله.
* ولا ننسي غرس المراقبة الإيمانية الذاتية لدى الطفل، بأن نبذر في نفسه محبة الله، وأن الله تعالى مراقب لأفعاله، ومُطَّلع على سره، وعلنه، ومن الشواهد الواقعية القصة التالية:
* ذهب أحد الأطفال، إلى اجتماع عائلي، وجلس يشاهد التلفزيون، بينما كان هذا الجهاز غير موجود في منزلهم، فمرت والدته بالقرب منه، ولكنها لم تحب الحديث معه حتى يعود إلى المنزل، وعندما عادوا إلى منزلهم سألته قائلةً له: ألم أقل لك إنه لا تنبغي مشاهدة التلفزيون في كل وقت؟ لأنه يعرض فيه بعض المشاهد والأصوات التي لا ترضي الله تعالى فقال لها: أنا جلست عنده أنظر إلى صلاة الحرم، وعندما ظهرت المرأة – اللي ما تستحي – أغمضت عيني، فمن يشاهد هذا الطفل يا ترى؟ ومن يراقبه إذا لم يغمض عينيه؟ إلا أنه غرست في قلبه مراقبة الله له، وأُشعر أن المرأة التي تبدو سافرة امرأة لا تستحي ولا تخاف الله.
* قصة أخرى في الإحساس بالمراقبة، وتورع الشباب إذا نشؤوا على الخير، تقول إحدى الأمهات: وجدت يومًا بعض الريالات في أحد رفوف المنزل، فسألت أهل البيت جميعًا لمن هذه الريالات؟ فالكل قال إنها ليست لي، وكان يوضع عند هذه الأسرة بعض الأمانات، فخشيت الأم أن تكون هذه الريالات لأحد غيرهم، وقد نسيتها فأعطتها أحد الأبناء البالغ من العمر سبعة عشر عامًا، وطلبت منه شراء بعض الساندوتشات، وأمرته أن يذهب بها لأسرة فقيرة، وفعلاً ذهب ذلك الابن الشاب، واشترى الطعام المطلوب من أحد المطاعم، وسلمه للأسرة الفقيرة، وبعدما عاد إلى منزلهم، سأل والدته ممن هذه الصدقة التي ذهبت بها هل هي منك أو من غيرك؟ وعندما سألته والدته عن سبب استفساره، هذا قال: وجدت في السيارة قطعة من الطماطم فأكلتها، وخشيت أن تكون من مال صدقة قد وُكلت بها، أما إن كانت من مالك، فالأمر لا إشكال فيه.
هذا الموقف من هذا الشاب على ماذا يدل؟، من يراقب هذا الشاب إلا الله عز وجل، وإلا فبإمكانه أن يأخذ ساندوتشًا كاملاً، ولا يعلم عنه أحد، لكن قوة المراقبة لله جعلته يمتنع عن ذلك.
* ومما يساعد على ارتباط الأبناء بخالقهم تعليمهم التوكل على الله، واللجوء إليه سبحانه وتعالى، وأن والديه ليس لهم حول ولا قوة إلا به، ولقد عرفنا من القصص ما يغذي هذا الجانب التربوي.
ومن ذلك قصة إبراهيم عليه السلام: عندما ألقي في النار وتوكله على ربه عندما أتاه جبريل عليه السلام ليسأل أله حاجة؟ قال أما لك فلا، وأما لله فحسبنا الله ونعم الوكيل، إن مثل هذه القصة لهي من أقوى الدوافع؛ لتوكل الأبناء على ربهم، وتربيتهم على ذلك.
* ومن قصص الأطفال في هذا المجال: ذلك الطفل الذي ذهب إلى إحدى المدن الترفيهية، وقد أراد أن يلعب في لعبة لم يعلبها من قبل، وكانت كبيرة، وترتفع أثناء اللعب بها ارتفاعًا شديدًا، بالنسبة للأطفال وعند تحركها حين ركبها الطفل، وكان بجواره طفل آخر، وقد بدا عليهما الخوف، فقال له:
دعنا نقرأ آية الكرسي، هذا الموقف يدل على إدراك الطفل لحفظ الله تعالى لهما، ونزول الطمأنينة عليهما بقراءة كتاب الله، أو شيء منه.
* وطفل آخر أحس بالملل من ذهابه للروضة، وطلب من والدته أن تسمح له بعدم الذهاب، لكن الأم استمرت تشجعه يوميًا على الذهاب إليها، والطفل لا يرغب في ذلك، وفي يوم من الأيام دخلت الأم على طفلها في الغرفة، فوجدته رافعًا يديه ويدعو قائلاً: يا سامع الصوت، أخرجنا من الروضة.
فهنا نلحظ أثر التربية الإيمانية، فقد لجأ هذا الطفل إلى الله في موقف هو محتاج إلى من ينقذه من هذه المشكلة بالنسبة له، وبعدها لم ترسله أمه إلى الروضة، حتى التحق بعدئذ بالمدرسة.
* إن لجلسة العائلة أو الأم مع أولادها، وتذكيرهم بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم بين فترة وأخرى، أثرًا كبيرًا عليهم، وعلى اهتمامهم بدينهم، وإن كانوا صغارًا، ونحن نهمل هذه الجلسات النافعة؛ بحجة عدم التفرغ، واعتقادنا عدم إدراكهم؛ لصغرهم، وهذا غلط كبير، فمثلاً في قصة الرسول صلى الله عليه وسلم مع الغلام الذي كانت يده تطيش في الصحفة، إذا بُسطت للأطفال الصغار، فإن فيها آدابًا عظيمةً، يصعب تعلُّم الأبناء لها إذا كبروا، وعلى هذا نقيس من ذكر الأحاديث المناسبة لهم، كل حسب سِنِّه، ويؤكد نفع هذه الجلسات، ما ترويه إحدى الأخوات عن طفلها، الذي يدرس في الصف الثاني الابتدائي، حيث تقول: عاد ابني من المدرسة وقال لي: لقد حضر اليوم إلى مدرستنا فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله ورغبت أن أطرح عليه سؤالاً، لكني لم أتمكن من ذلك؛ لأنه خرج من المدرسية قبل أن أصل إليه، فماذا تتوقعون أن يكون سؤال هذا الطفل؟ سألته أمه ما الذي تريد أن تسأل عنه الشيخ؟ قال لها: كنت سأسأله هل تحسب للمرأة خطاها من مكان وضوئها الذي تتوضأ فيه، إلى مصلاها، برفع درجة ومحو سيئة مثل الرجال أو لا؟ فتذكرت الأم أنه كان لها حديث حول هذا الموضوع، مع هذا الطفل قبل ما يقارب شهرين من هذه الحادثة، لكنها ما زالت عالقة في ذهن الطفل.
«إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه»:
أقبلت طفلة على أمها وهي جالسة في استراحة قصيرة من عناء عمل البيت، وتذكر الله بينها وبين نفسها، فسألت الطفلة أمها، لماذا أنت جالسة هكذا، وماذا تعملين؟ وقد تعودت هذه الطفلة من أمها أنها لا تضيع الوقت بدون فائدة، (عمل أو قراءة أو كتابة، ونحوها) فأجابت الأم: إني أذكر الله، وشرحت لطفلتها معنى الآية السابقة، فجلست البنت تفعل مثل أمها تذكر الله، وتقول في نفسها، هذه رفعت إلى الله، وإذا انصرفت لكلمة من أمور الدنيا قالت: هذه لم ترفع، وهكذا أحست الطفلة بأهمية العمل الصالح، وطبقت مباشرة ما علمت مقتديةً بأمها.
* مما يساعد على غرس الإيمان في قلوب الأطفال: إشعارهم بأهمية الإخلاص لله تعالى، وشرحه لهم، وإخبارهم أن العمل كله لله، من صيام، وصلاة، وصدقة كلها نتقرب بها إلى الله، بل أعمالهم الدنيوية المباحة، والمندوبة تجعلهم يستشعرون فيها النية الصالحة، وأنهم يؤجرون عليها، ويستشعرون مراقبة الله لهم وقربه منهم.
فمثلاً نذكِّر الطفل بأن من سقى مسلمًا على ظمأ سقاه الله من الرحيق المختوم، ونستغل المواقف فنذكره بمثل هذا الفضل حينما نطلب منه إحضار الماء لنا أو لأخيه الصغير، ونروي له الحديث: «من سقى مسلمًا على ظمأ سقاه الله من الرحيق المختوم» فسنجد الطفل يسارع بإحضار الماء متقربًا بذلك إلى الله تعالى.
* أعدت الأم الطعام لطفلتها البالغة من العمرة قرابة السنة، وأرادت أخت الطفلة الكبرى إعطاءها الطعام، وإذا بالأخت الثالثة البالغة من العمر حوالي خمس سنوات، تريد أن تطعم أختها الصغرى بنفسها قائلةً لأختها الكبري: أنا التي سأطعمها، أتريدين الأجر لك وحدك فقط؟! فلننظر إلى احتساب هذه الطفلة للأجر؛ لأن والدتها كانت دائمًا تحثهم على إطعام الطعام، ونية العمل لوجه الله تعالى.
* ذهب طفلٌ مع والده إلى المسجد لأداء الصلاة، ثم الصلاة على أحد الأموات من الرجال، وبعد عودة الأب وابنه إلى المنزل، سأل الطفل والده قائلاً: لقد أدينا الصلاة على رجل وامرأة، ولم أكن أعلم بوجود جنازة المرأة، ولم أنو الصلاة عليها لعدم علمي بها فماذا عليَّ؟ فهذا السؤال يوحي بحرص الطفل على النية قبل العمل، فهل نحن الكبار احتسبنا الأجر من الله، والنية لله، مثل هؤلاء الصغار؟.
مختارات