" التقوى تشرح الصدر والفجور يدسي النفس "
" التقوى تشرح الصدر والفجور يدسي النفس "
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: " البرُّ والتقوى يبسط النفس، ويشرح الصدر، بحيث يجد الإنسان في نفسه اتساعاً وبسطاً عما كان عليه قبل ذلك؛ فإنه لما اتسع بالبر والتقوى والإحسان بسطه الله شرح صدره.
والفجور والبخل يقمع النفس ويعضها ويهينها، بحيث يجد البخيل في نفسه أنه ضيق.
وقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم ذلك في الحديث الصحيح فقال: «مثل البخيل والمتصدِّق كمثل رجلين عليها جبَّتان من حديد، قد اضطرت أيديهما إلى تراقيهما، فجعل المتصدِّق كلما همَّ بصدقة اتسعت وانبسطت عنه، حتى تغشى أنامله، وتعفو أثره، وجعل البخيل كلما همَّ بصدقة قلصت، وأخذت كلَّ حلقة بمكانها» – وأنا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بإصبعه في جيبه " فلوه رأيتها يوسِّعها فلا تتسع " [البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة، واللفظ لمسلم].
وإخفاء المنزل وإظهاره تبعاً لذلك، قال تعالى: " يَتَوَارَى مِنْ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ " [النحل: 59] فهكذا النفس البخيلة الفاجرة قد دسَّها صاحبها في بدنه بعضها في بعض، ولهذا وقت الوت تنزع من بدنه كما ينزع السفود من الصوف المبتل، والنفس البرَّة التقية النفية التي قد زكاها صاحبها فارتفعت واتسعت ومجدت ونبلت، فوقت الموت تخرج من البدن تسيل كالقطرة من في السقاء، وكالشَّعرة من العجين. قال ابن عباس: إن للحسنة لنوراً في القلب، وضياءً في الوجه، وقوةً في البدن، وسعةً في الرزق، ومحبةً في قلوب الخلق، وإن للسيئة لظلمةً في القلب، وسواداً في الوجه، ووهناً في البدن، وضيقاً في الرزق، وبغضةً في قلوب الخلق. قال تعالى: " وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ " [الأعراف: 58] وهذا مثل البخيل والمنفق، قال: " فَمَنْ يُرِدْ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ " [الأنعام: 125] وقال: " اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا " الآية [البقرة: 257].
وقال له في سياق الرمي بالفاحشة وذم من أحب إظهارها في المؤمنين، والمتكلم بما لا يعلم: " وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا " الآية [النور: 21] فبيَّن أن الزكاة إنما تحصل بترك الفاحشة، ولهذا قال: " قُلْ لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ " الآية [النور: 30].
وذلك أن ترك السيئات هو من أعمال النفس، فإنها تعلم أن السيئات مذمومة ومكروهٌ فعلها، ويجاهد نفسه إذا دعته إليها، إن كان مصدقاً لكتاب ربه مؤمناً بما جاء عن نبيه صلى الله عليه وسلم، ولهذا التصديق والإيمان والكراهة وجهاد النفس أعمال تعملها النفس المزكاة، فتزكوا بذلك أيضاً، بخلاف ما إذا عملت السيئات فإنها (تتدنس) وتندس وتنقمع ".
مختارات