" توصية أهل العلم بالتقوى "
" توصية أهل العلم بالتقوى "
1- كان أبو بكر يقول في خطبته: " أوصيكم بتقوى الله " [المستدرك وقال: هذا حديث صحيح الإسناد].
2- وكتب عمر إلى ابنه عبد الله: " أما بعد، فإني أوصيك بتقوى الله عز وجل، فإنه من اتقاه وقاه، ومن أقرضه جزاه، ومن شكره زاده، واجعل التقوى نصب عينيك، وجلاء قلبك " [جامع العلوم والحكم].
3- واستعمل عليُّ بن أبي طالب رجلاً على سرية، فقال له: " أوصيك بتقوى الله عز وجل الذي لا بد لك من لقياه، ولا منتهى لك دونه، وهو يملك الدنيا والآخرة " [جامع العلوم والحكم].
4- وكتب عمر بن عبد العزيز إلى رجل: " أوصيك بتقوى الله عز وجل، التي لا يقبل غيرها، ولا يرحم إلا أهلها، ولا يثيب إلا عليها، فإن الواعظين بها كثير، والعاملين بها قليل، جعلنا الله وإياك من المتقين " [جامع العلوم والحكم].
5- ولما وِّلي خطب، وحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: " أوصيكم بتقوى الله عز وجل، فإن تقوى الله عز وجل خلفٌ من كل شيء، وليس من تقوى الله خلفٌ " [جامع العلوم والحكم].
6- وقال شعبة: كنت إذا أردت الخروج، قلت للحكم: ألك حاجة، فقال: أوصيك بما أوصى به النبي صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل: «اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن» [جامع العلوم والحكم].
7- وصية شيخ الإسلام ابن تيمية بالتقوى: سأل أحد طلبة العلم بالمغرب وهو أبو القاسم القاسم بن يوسف بن محمد التجيبي السبتي المغربي شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى بأن يوصيه بما يكون فيه صلاح دينه ودنياه، فكتب له رسالة، سميت بـ " الوصية الصغرى ".
وقد جعل عمدة وصيته الحديث الذي وصى فيه الرسول صلى الله عليه وسلم بتقوى الله، وسأورد في هذا الموضع بعضاً منها؛ قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في الجواب: " أما " الوصية " فما أعلم وصية أنفع من وصية الله ورسوله لمن عقلها واتبعها، قال تعالى: " وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنْ اتَّقُوا اللَّهَ " [النساء:131] ".
ووصى النبي صلى الله عليه وسلم معاذاً لما بعثه إلى اليمن فقال: «يا معاذ: اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن» [رواه الترمذي وقال فيه: هذا حديث حسن صحيح].
وكان معاذ رضى الله عنه بمنزلة عليَّه؛ فإنه قال له: «يا معاذ ! والله ! إني لأحبك» [عزاه محقق الوصية الصغرى إلى أبي داود والنسائي وغيرهم، وصححه] وكان يردفه وراءه [عزاه محقق الوصية الصغرى إلى البخاري ومسلم] وروي فيه: " أنه أعلم الأمة بالحلال والحرام " [قال محقق الوصية الصغرى: أخرجه الترمذي، وقال: هذا حديث حسن صحيح] وأنه يحشر أمام العلماء برتوة [أي: بخطوة] ومن فضله أنه بعثه النبي صلى الله عليه وسلم مبلغاً عنه داعياً ومفقهاً ومفتياً وحاكماً إلى أهل اليمن.
ثم إنه صلى الله عليه وسلم وصاه هذه الوصية، فعل أنها جامعة، وهي كذلك لمن عقلها، مع أنها تفسير الوصية القرآنية.
أما بيان جمعها، فلأن العبد عليه " حقان ": حقٌّ لله عز وجل،ـ وحقٌّ لعباده، ثم الحق الذي عليه لا بد أن يخَّل ببعضه أحياناً: إما بترك مأمور به، أو فعل منهي عنه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «اتق الله حيثما كنت» وهذه كلمة جامعة، وفي قوله: «حيثما كنت» تحقيق لحاجته إلى التقوى في السر والعلانية، ثم قال: «وأتبع السيئة الحسنة تمحها» فإن الطبيب متى تناول المريض شيئاً مضراً أمره بما يصلحه، والذنب للعبد كأنه أمر حتم، فالكيِّس هو الذي لا يزال يأتي من الحسنات بما يمحو السيئات، وإنما قدَّم في لفظ الحديث «السيئة» وإن كانت مفعولة، لأن المقصود هنا محوها لا فعل الحسنة، فصار كقوله في بول الأعرابي: «صبوا عليه ذنوباً من ماء» [رواه البخاري ومسلم].
وجماع الخلق الحسن مع الناس: أن تصل من قطعك بالسلام والإكرام، والدعاء له، والاستغفار والثناء عليه، والزيارة له، وتعطي من حرمك من التعليم والمنفعة والمال، وتعفو عمن ظلمك في دم أو مال أو عرض. وبعض هذا واجب وبعضه مستحب.
وأما الخلق العظيم الذي وصف الله به محمداً صلى الله عليه وسلم (أي في قوله تعالى: " وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ " [القلم:4]) فهو الدين الجامع لجميع ما أمر الله به مطلقاً، هكذا قال مجاهدا وغيره، وهو تأويل القرآن، كما قالت عائشة رضي الله عنها: " كان خلقه القرآن " [رواه مسلم] وحقيقته المبادرة إلى امتثال ما يحب الله تعالى بطيب نفس وانشراح صدر.
واسم " تقوى الله " يجمع فعل كل ما أمر الله إيجابياً واستحباباً، وما نهى عنه تحريماً وتنزيهاً، وهذا يجمع حقوق الله وحقوق العباد، لكن لما كان تارة يعني بالتقوى خشية العذاب المقتضية للانكفاف من المحارم، جاء مفسراً في حديث معاذ، وكذلك في حديث أبي هريرة رضي الله عنهما الذي رواه الترمذي وصححه: " قيل: يا رسول الله ! ما أكثر ما يدخل الناس الجنة؟ قال: «تقوى الله وحسن الخلق» قيل: وما أكثر ما يدخل الناس النار؟ قال «الأجوفان: الفم والفرج» [رواه الترمذي، وقال فيه: صحيح غريب].
وفي الصحيح عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً» [عزاه محققه إلى أبي داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح].
وتفصيل أصول التقوى وفروعها لا يحتمله هذا الموضع، فإنها الدين كله؛ لكن ينبوع الخير وأصله: إخلاص العبد لربه عبادة واستعانة كما في قوله: " إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ " [الفاتحة: 5] وفي قوله: " فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ " [هود: 23] وفي قوله: " عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ " [الشورى: 10] وفي قوله: " فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ " [العنكبوت: 17] بحيث يقطع العبد تعلق قلبه من المخلوقين انتفاعاً بهم أو عملاً لأجلهم، ويجعل همته ربه تعالى، وذلك بملازمة الدعاء له في كل مطلوب من فاقه وحاجة ومخافة وغير ذلك، والعمل له بكل محبوب، ومن أحكم هذا فلا يمكن أن يوصف ما يعقبه ذلك.
8- وصية شيخنا الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز بالتقوى: ألقى شيخنا الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز محاضرة في مستشفى الملك فيصل في الطائف أوصى فيها الأطباء والطبيبات والممرضين والممرضات والحضور بتقوى الله، وبيّن لهم كيف تكون تقواهم فيما يخصُّ عملهم، ونشرت هذه المحاضرة " مجلة البحوث الإسلامية في عددها رقم (59) " وجاء في هذه المحاضرة: " وصيتي لنفسي، وللحاضرين جميعاً من أطباء وطبيبات وممرضين وممرضات ومرضى، وإخواني الحضور، وجميع المسؤولين، وصيتي للجميع أن نتقي الله في السر والعلن، لأنه القائل سبحانه: " وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ " [البقرة: 197] وهو القائل عز وجل: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرُ بِمَا تَعْمَلُونَ " [الحشر: 18] وهو القائل عز وجل: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُّسْلِمُونَ " [آل عمران: 102] وهو القائل سبحانه: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا* يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ " [الأحزاب 70- 71].
فعلينا أن نتقيه سبحانه، وتقواه سبحانه هي عبادته، بفعل الأوامر، وترك النواهي عن خوف من الله، وعن رغبة فيما عنده، وعن خشية له سبحانه، وعن تعظيم لحرماته، وعن محبة صادقة له سبحانه، ولرسوله محمد صلى الله عليه وسلم، ولجميع المرسلين والمؤمنين، فعلينا أن نحب الله بكل قلوبنا، فوق محبة كل أحد، وأن نحب رسوله صلى الله عليه وسلم محبة صادقة فوق محبة أنفسنا وآبائنا وأمهاتنا وأولادنا وغيرهم، وأن نحب الرسل عليهم الصلاة والسلام، ونحب إخواننا في الله المؤمنين، فالمحبة من أفضل الواجبات، ومن أهم الواجبات المحبة لله وفي الله عز وجل، ثم هذه المحبة لله ولرسوله توجب طاعة الأوامر وترك النواهي، كما قال سبحانه: " قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ " [آل عمران: 31].
فالمحبة الصادقة لله ولرسوله وللمؤمنين تقتضي العمل بطاعة الله، وإخلاص العبادة له، وترك معصيته كما تقتضي طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم واتباع ما جاء به، والحذر مما نهى عنه، والوقوف عند الحدود التي حدّها، مع تقديم سننه وشرعه على أهوائنا، وتوجب أيضاً محبة المؤمنين وإعانتهم على الخير، وأمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر ومحبة الخير لهم وأداء الأمانة.
ومما يجب على المسؤولين عن الناس في المستشفيات وغيرها أداء الأمانة، فالطبيب والعامل والمسؤول عن الإدارة وغيرهم كله مسؤولون عن أداء الأمانة التي وكلت إليهم في العلاج وفي الدواء وفي الرفق بالمريض، وفي غير هذا من شؤون التطبيب، يجب على الجميع أن يؤدوا الأمانة بكل صدق وعناية، وأن يحروصوا على العناية بالدواء النافع والوقت المناسب، وأن يكونوا على بيّنة في وضع الدواء على الداء، وأن يحذروا التساهل في ذلك، وأن يرفقوا بالمريض، وأن يسمع منك اللطف في الكلام وطيب الحديث، لأن هذا يعين على زوال المرض بإذن الله وعلى الشفاء من المرض، وهكذا الطبيبة تعنى بهذا الأمر، فتكون رفيقة حكيمة كالرجل، كلٌّ منهم يكون رفيقاً حكيماً طيب الكلام، يشعر منه المريض بالحنو والعطف والمحبة والحرص على شفائه، ويعنى مع ذلك بالدواء المناسب، وبالوقت المناسب، وبالمقدار المناسب من الدواء حتى لا يزيد فيضرّ المريض، وحتى لا ينقص فلا يحصل به المقصود.
كلٌّ من المسؤولين عليه أن يعمل من الخير بقدر ما يستطيع، وكلٌّ عليه أن يؤدي النصيحة، فالطبيب يؤدي الواجب، والممرض يؤدي الواجب، والمدير يؤدي الواجب، والممرض يؤدي الواجب، والمدير يؤدي الواجب، وهكذا الطبيبة والممرضة كلتاهما تؤديان الواجب، وهكذا بقية العاملين كلٌّ يتقي الله، ويؤدي الأمانة التي وكلت إليه بإخلاص لله، ويعظم الله سبحانه، ويحذر من غضبه جلّ وعلا، ويعنى بالمريض، وينصح له ويرفق به رجاء أن يشفيه الله على يدك أيها الطبيب، وعلى يديك أيتها الطبيبة.
وكل المسؤولين بالمستشفى عليه تقوى الله، وأن يبذل الوسع والمستطاع فيما ينفع المريض، ويخفف عليه المرض، ويخفف عليه الآلام التي يجدها ويحسُّ بها، ولا شك أن الكلام الطيب، والأسلوب الحسن، والعناية التامة، كلُّ ذلك مما يخفف عن المريض آلامه، ومما يشرح له صدره، ومما يعين على زوال المرض بتوفيق الله وهدايته ورحمته وإحسانه سبحانه وتعالى.
وأسأل الله عز وجل بأسمائه الحسنى، وصفاته العلى أن يوفقنا وإياكم جميعاً لما يرضيه، وأن يمنحنا الفقه في الدين، وأن يصلح قلوبنا وأعمالنا، وأن يوفق القائمين على هذا المستشفى، وكذلك أسأله لجميع القائمين على مستشفيات المملكة في كل مكان، أسأل الله أن يوفقهم جميعاً لما يرضيه، وأن يعينهم على أداء الواجب، وعلى أداء الأمانة، وأن يبارك في جهودهم، وينفع بها المسلمين جميعاً، وأن ينفع جميع المعالجين في المستشفيات، وأن يصلح قلوب الجميع، وأعمال الجميع ".
مختارات