" نعمة البصر "
" نعمة البصر "
إن الحديث عن آيات الله فيك - أيها الإنسان - يثير في النفس رعدة، ويؤجج في القلب العظمة والإيمان، وليس المقام هنا مقام التفصيل في الإعجاز ! ولكن كما ذكرنا وقفات وذكرى.
أخي المؤمن:
أنت تنظر بعينيك فتبصر الكون والخلق، وتقضي حوائجك بواسطة هاتين العينين، وهما كل يوم تأخذان قسطًا من الراحة فتغمضهما وتنام، ثم تقوم في الصباح، وتنطلق إلى ما تُريد،وكل يوم وأنت في هذه الحال، فهل تتذكر كل يوم هذه النعمة الجليلة !!
فإذا قلت: نسيت أو لهوت، فليكن لك عبرة في غيرك من الذين حرمهم الله هذه النعمة.
قف واسألهم عن أحوالهم و كيف يقضون حوائجهم؟ عند ذلك ستحمد الله تعالى- أن فضلك على كثير من خلقه.
وقصص هؤلاء الذين حرمهم الله نعمة البصر كثيرة ومحزنة:
كنت يومًا من الأيام خارجًا من الجامعة، والمعروف أنها في جنوب مكة ووجدت عند بوابتها رجلاًا كفيفًا واقفًا على الرصيف، ترددت في الذهاب إليه لأنني كنت مستعجلاً، ثم حزنت عليه فرجعت له.
وسألته أين تريد؟
قال أريد الأحوال المدنية يا ولدي، وهي في شمال مكة.
قلت له: هل تعلم أين أنت الآن؟
فقال – بكل أسى وحزن - لا.
قلت له: إنك بجانب بوابة الجامعة في جنوب مكة والأحوال المدنية شمالاً، ثم أطرق قليلاً، وقال يا ولدي: أنا منذ الصباح وأنا أسير على قدمي. وسكت. لم أرد أن أكثر عليه السؤال، وأستفسر عمن أشارإليه بهذا المكان وأنه هو المكان الذي يريده حتى لا أزيده من حزنه- فالأشرار كثيرون.
أركبته معي في السيارة وقلت أسأله: كيف يقضي أمور حياته، وهل له ولد يستوصي به أم لا؟ فعندما سألته قال: لي خمس من البنات صغار في السن، وزوجة ونسكن في حي أسماه لي بعيدا عن المواصلات.
واستمر يتحدث، ويقول المشكلة التي أتعب منها كثيرًا هي مشكلة هؤلاء البنات، ففي أحيان كثيرة تمرض إحداهن في آخر الليل، فأقوم على صياحها، وأحاول أن أتعرف على ما أصابها وأسأل زوجتي ما بها، ما الذي حصل لها؟
فلا تجيبني إلا بالبكاء، ثم أحاول أن ألبس ملابسي وأخرج من البيت لأذهب بها إلى المستشفى، فأقول لزوجتي ابقي أنت، وسأخرج إلى جاري وأوقظه، ثم أخرج وأتحسس المكان، وأضع يدي على الحائط وأمضي حتى أصل إلى باب جاري، فأقرع الباب قرعًا شديدًا حتى أوقظه، فأقول له تعال- جزاك الله خيرًا - واذهب بابنتي إلى المستشفى فيذهب ثم صمت عن الكلام.
الله أكبر - أخي المؤمن - أي نعمة هذه التي نحن فيها !! ثم أوصلته إلى المكان الذي يريده.
فخرج من السيارة يتحسس من حائط إلى حائط، ويقدم خطوة ويؤخر أخرى، خوفًا من السيارات وخوفًا من السقوط والتعثر في الطريق.
حقًا إنها من النعم الجليلة !! وحقًا إننا في غفلة عن شكرها !! فلتلهج أخي المؤمن الألسنة بحمد الله على هذه النعم لعل الله يديمها علينا.
ولتكفها عما حرم الله من النظر فيما لا يجوز النظر إليه، قال تعالى: ﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ ﴾ [النور: 30] وتصونها وترعاها وتؤدي شكرها، وتُعملها فيما خلقت له قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا﴾ [الإسراء: 36].
الحمد لله على نعمة البصر
مختارات