" معالم على طريق التوفيق : التاسع والعشرون : الوداع الجميل "
" معالم على طريق التوفيق: التاسع والعشرون: الوداع الجميل "
ومن معالم التوفيق الخاتمة الطيبة والوداع الجميل من هذه الحياة الدنيا بعد عمر مديد حافلا بالأعمال الصالحة والثناء العطر على ألسنة الخلق، فنحن شهداء الله في أرضه.
" إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا " [مريم: 96].
ولقد أخبرنا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم بقوله: «إذا أراد الله بعبد خيرًا استعمله، قيل: كيف يستعمله؟ قال: يوفقه لعمل صالح قبل الموت ثم يقبضه عليه» [رواه أحمد والترمذي انظر: صحيح الجامع].
وعن جابر بن عبد الله رضى الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من مات على شيء، بعثه الله عليه» [السلسلة الصحيحة].
· بكى سفيان الثوري (رحمه الله) ليلة حتى الصباح، فقيل له: يا إمام، كل ذلك من الذنوب، فأخذ تبنة من الأرض وقال: إن الذنوب أهون عندي من هذه، وإنما أخاف الخاتمة السيئة.
" وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون " [الجاثية: 33].
· كم من أناس كانت خاتمتهم في أطهر البقاع في الحرم المكي أو المدني !
· كم من أُناس صادقين ماتوا بعد أو أثناء قراءتهم للقرآن، بل بعضهم مات وهو محرم متلبس بحج أو عمرة ! ومن مات على شيء بُعث عليه كما أخبرنا بذلك الصادق المصدوق.
عن ابن عباس رضى الله عنهما أن رجلا كان مع النبي صلى الله عليه وسلم فوقصته ناقته وهو محرم فمات، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اغسلوه بماء وسدر، وكفنوه في ثوبيه، ولا تمسوه بطيب، ولا تخمروا رأسه؛ فإنه يُبعث يوم القيامة مُلبيًا» [رواه البخاري، ومسلم، والنسائي].
أيها الموفق:
كان عمر الفاروق رضى الله عنه يدعو ربه بهذا الدعا ء: «اللهم ارزقني شهادة في سبيلك، واجعل موتي في بلد رسولك صلى الله عليه وسلم » أمنية يتمناها ويرجوها، وقد استجاب الله لعمر رضى الله عنه، فاستشهد في محراب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يؤم المسلمين في صلاة الفجر.
الله أكبر ! أي توفيق هذا؟! وأي وداع جميل وخاتمة طيبة بعد عطاء عظيم للإسلام والمسلمين؟!
إنه توفيق رب العالمين.
يقول الشيخ صالح بن حميد حفظه الله: إن من يصل الرحم، ويحمل الكل، ويكسب المعدوم، ويقري الضيف، ويعين على نوائب الحق، لا يخزيه الله أبداً، ومن كثرت حسناته حسنت بإذن الله عاقبته، وسلمه ربه في دنياه وآخرته، وحفظه في دينه وأهله. ا.هـ.
وكل هذا بتوفيق الواحد الأحد، فلا يراك ربك إلا محسنًا، فإن رحمته قريبة من المحسنين.
" وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ " [الأعراف: 56].
تأمل هذه الخاتمة الموفقة:
كان ثابت بن عبد الله بن الزبير (رحمه الله) يدعو دائمًا بقوله: اللهم أمتني ميتة حسنة.
قالوا: كيف الميتة الحسنة؟ قال: أن يتوفاني ربي وأنا ساجد.
فأذن المؤذن لصلاة المغرب وهو مريض، قال: اذهبوا بي إلى المسجد، فحملوه، فلما صلى وأصبح في السجدة الأخيرة، ووجهه معفر في التراب ساجدًا، يقول: سبحان ربي الأعلى.
قبض الله روحه، فقلَّبوه فوجدوه قد مات.
هنيئًا بهذا التوفيق وحسن الختام.
إنها الصلاة.. إنها الصلة.. إنها جنة الدنيا.. إنها طريقة الموفقين.
فلقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد» [رواه مسلم].
كل ذلك بتوفيق الله لهم، يوفق من يشاء برحمته، ويحرم من يشاء بعدله.
إضاءة على الطريق:
اللهم اختم بالصالحات
أعمالنا وأعمارنا
يا ذا الجلال والإكرام.
مختارات