الفتاح
اسم الله تعالى الفتــــاح
الحمد لله الفتَّاح العليم، يمن على من يشاء من عباده بالفتح والفهم فيوفقهم ويهديهم، ويفتح لهم المغاليق سبحــــانه وتعالى..
ورود اسم الله الفتَّاح في القرآن العظيـــم:
ورد اسم الله الفتـــاح مرة واحدة في قوله تعالى: " قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ " [سبأ: 26] وورد مرة واحدة بصيغة الجمع، في قول الله عزَّ وجلَّ: " .. رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ " [الأعراف:89].
معنى الاسم ودلالته في حق الله تعالى:
المعنى الأول: الفتـــاح الذي يفتح أبــــواب الرزق والرحمة لعبـــاده أجمعين.. ويفتح المُنغلق عليهم من أمورهم وأسبـــابهم.. ومنها قوله تعالى: " وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ.. " [الأعراف:96] أي: لو أنهم امتثلوا لأمرنا وراعوا قدرنا في السر والعلانية، لكـان مـن جـزاء ذلك أن يُفتِـحَ لهـم مـن رحمتـه وأن يُنـزل عليهـم مـن فيـض رزقـه " .. وَلَكِـنْ كَـذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُـمْ بِمَــا كَانُـوا يَكْسِبُـونَ " [الأعراف:96] ومنها قول الله تعالى: " مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ " [فاطر:2] يخبر تعالى أنه ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، وأنه لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع.
فلو فتح الله تعالى المطر على الناس، فمن ذا الذي يحبسه عنهم؟ ولو حبس عن عباده القطر والنبـات سنيـــن طويلة، لما استطاعوا أن يفتحوا ما أغلقه الله سبحانه وتعالى " وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ " [يونس:17].
والمعنى الثاني: الفتـــاح الذي يفتح أبـــواب الامتحـــان والبــلاء للمؤمنين الصادقين.. قال تعالى: " فَلَمَّـا نَسُــوا مَــا ذُكِّــرُوا بِـهِ فَتَحْنَــا عَلَيْهِـمْ أَبْـوَابَ كُـلِّ شَيْءٍ حَتَّـى إِذَا فَرِحُـوا بِمَـا أُوتُــوا أَخَذْنَاهُـمْ بَغْتَـةً فَـإِذَا هُمْ مُبْلِسُـونَ " [الأنعام:44] فهذه عقوبة الذين لا يذكَّرون برسـائل الله تعالى المتتالية.
فالله عزَّ وجلَّ يُرسل إليـــك في كل ثانية من عمرك رســـالة، فإما أن تفهمها وإما أنك تغفل عنها.. فتكون عقوبة الغافــل، أن تزداد عليه المحن والابتلاءات لعله يُفيق من غفلته.. فتأتيه الابتلاءات من كل الطرق ؛ يُبتلى في بيته وفي عمله ورزقه.. وحتى فيما بينه وبين نفسه، فيشعر بالوحشة.. ويظل يُبتلى حتى يعود، وقد يكون من هذا الابتــلاء أن يزداد في النِعَم، زيـــادة في إقامة الحُجج عليه.. فيكون من شأنه أن يفرح، وحينها تأتيه العقوبة فجأة " .. حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ " [الأنعام:44] مُبْلِسُونَ: أي حـــائرون تائهون.
والمعنى الثالث: الفتـــاح الذي يحكم بين العبــاد فيما هم فيه يختلفون.. كما في قوله تعالى: " .. رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ " [الأعراف:89].
فالفتـــاح: صفة جمــالٍ وجــلال.. لإنه سبحانه وتعالى يفتح أبـــواب رحمته ورزقه للطــائعين، كما إنه قد يفتح أبــواب البلاء والهلاك على الكافرين.. ويفتـــح قلوب المؤمنين، وعيون بصائرهم ؛ ليبصروا الحق..
فإذا ضـــاقت عليــك الطُرُق وضــاقت عليـــك الأرض بما رَحُبَت، فالجأ إلى ربِّك الفتــــاح.. يفتح لك كل عسيــر، وييسر لك أمرك.
يقول ابن القيم:
وَكَذِلكَ الفَتَّاحُ مِنْ أَسْمَائِهِ... والفَتْحُ في أَوْصَافِهِ أَمْرَانِ
فَتْحٌ بِحُكْمٍ وَهْوَ شَرْعُ إِلَهِنَا... والفَتْحُ بالأَقْدَارِ فَتْحٌ ثانِ
والربُّ فَتَّاحٌ بذَيْنِ كِلَيْهِمَا... عَدْلاً وإِحْسَاناً مِنَ الرَّحْمَنِ [القصيدة النونية].
آثـــار الإيمان بهذا الاسم:
1) الله سبحــانه وتعالى هو الحـــاكم بين عبــــاده في الدنيـــا والآخرة:
يحكم بينهم بالقسط والعدل، يفتح بينهم في الدنيـــا بالحق بما أرْسَلَ من الرسل وأنزل من الكتب.
وهذا يتضمن من الصفات كل ما لا يتم الحكم إلا به.. فطالما إنه يحكم بينهم، فهذا يتضمن أنه سبحانه وتعالى حكيـــم وعدل إلى غيره من الصفات التي تليق به سبحانه وتعالى.
وهذا يدل على الجزاء العدل على أعمــال الجوارح والقلوب.. فهو عالم بأسرار الأمور وبواطنها سبحانه وتعالى، ويُجازي على معاصي القلوب كما يجازي على معاصي الجوارح.
وهو يختص بالفصل والقضاء بين عبـــاده بالقِسط والعدل، والحـــاكم في الحقيقة هو الله جلَّ وعلا.. وإن حُكِم بغير حكم الله، فليس بحــاكم إنما هو ظــالم، يقول تعالى: " .. وَمَـنْ لَـمْ يَحْكُـمْ بِمَـا أَنْـزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِـكَ هُـمُ الظَّالِمُـونَ " [المائدة:45].
2) الله سبحــانه يحكم بين عبــاده في الحيــاة الدنيا وفي الآخرة، ويفتح بينهم بالحق والعدل:
لذلك توجهت الرُسُل إلى الله الفتـــاح أن يفتح بينهم وبين قومهم المعاندين فيما حصل بينهم من الخصومة والجدال.. وهذه رســالة إلى الدُعـــاة.. أن ينهجوا نهج الأنبيــاء والرُسُل في معاملة قومهم.. فحينما يشعر بأن دعوته لقومه لا تُجدي نفعًا، يلهج بالدعــاء إلى ربِّه الفتـــاح.. كما دعــا نوح عليـــه السلام: " قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ (117) فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ " [الشعراء:117-118].
3) الله سبحــانه هو الفتــاح يوم القيـــامة، الذي يحكم بين عبــاده فيما كانوا يختلفون فيه في الدنيـــا:
فالله جلَّ وعلا لا تخفى عليه خــافية، وهو سبحــانه لا يحتـــاج إلى شهود ليفتح بين خلقه وما كان غائبـــًا عما حدث في الدنيـــا.. يقول تعالى: " فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ " [الأعراف:7] ويقول جلَّ وعلا: " وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآَنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ " [يونس:61] فكل خطاراتك وسكناتك تُسجل، ولكن الله سبحانه وتعالى لا يُحــاسبك إلا على ما عِملت بالفعل.
وقد سمى الله تعالى يوم القيــامة بيوم الفتــح.. لأنه يوم القضــاء بين العبــاد، يقول تعالى: " قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ " [السجدة:29].
4) الله سبحانه وتعالى متفردٌ بعلم مفــاتح الغيــب:
قال تعالى: " وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ.. " [الأنعام:59] وقد عددها في قوله تعالى: " إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ " [لقمان:34].
5) الفتح والنصر من الله سبحــانه وتعالى:
فهو يفتح على من يشــاء ويذل من يشــاء.. وقد نسب الله تعالى الفتوح إلى نفسه ؛ ليُنبه عبــاده على طلب النصر والفتح منه لا من غيره.. لذلك قال الله تعالى: " إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا " [الفتح:1] وقال جلَّ ثناؤه: " فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ.. " [المائدة:52] وقال تعالى: " وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ " [الصف:13] إذًا، فليس علينــا إلا أن نجتهد ونأخذ بالأسبــاب.. أما النصر فهو من عند الله سبحــانه وتعالى.
6) الله تعالى بيده مفاتيــح خزائن السماوات والأرض:
قال تعالى: " لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ " [الشورى:12].
7) وقد يفتح الله تعالى أنواع النِعم والخيـرات على الناس استدراجًا لهم:
فإذا تركوا ما أُمِروا به، ووقعوا فيما نُهوا عنه عوقِبوا بالاستدارج.
8) والحكمة والعلم والفقه في الدين من الأمور التي يفتحها الله على من يشــاء من عبـــاده:
يقول الله عزَّ وجلَّ " .. وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ.. " [البقرة:282] ويقول جلَّ وعلا: " أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ " [الزمر:22] يقول القرطبي: " وهذا الفتح والشرح ليس له حد، وقد أخذ كل مؤمن منه بحظ.. ففاز الأنبيــاء بالقسم الأعلى، ثم من بعدهم من الأولياء، ثم العلماء، ثم عوام المؤمنين ولم يُخيِّب الله منه سوى الكافرين ".
حظ العبد من اسم الله الفتـــاح:
1) دوام التوكُّل:
أن تعتمد على الله سبحانه وتعالى قبل الأخذ بالأسباب، وأن تطلب منه وحده مفاتيــح الخيــر.. عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن رسول الله قام على المنبر فقال: " إنما أخشى عليكم من بعدي ما يفتح عليكم من بركات الأرض " وفي رواية ".. ما يفتح عليكم من زهرة الدنيا وزينتها " [البخاري].
2) كن أنتَ مفتاحـــًا للخيـــر:
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: " إن هذا الخير خزائن ولتلك الخزائن مفاتيح، فطوبى لعبدٍ جعله الله عزَّ وجلَّ مفتاحًا للخير مغلاقًا للشر، وويلٌ لعبدٍ جعله الله مفتاحًا للشر مغلاقًا للخير " [رواه ابن ماجه وحسنه الألباني] فعليك أن تكون مبـــاركــًا حيثما كنت، وتظل طوال الوقت تُفكِّر في أفكـــار وطرق لهداية النــاس من حولك وتفتيح أبــواب الخير أمامهم.
3) التوحيـــد والمتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم:
وهي أعظم المفاتيـــح للخير والرزق، كما يقول النبي صلى الله عليه وسلم: " ما منكم من أحد يتوضأ فيبلغ أو فيسبغ الوضوء، ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله.. وفي رواية: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، إلا فُتِحَت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء " [مسلم] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما قال عبد لا إله إلا الله قط مخلصًا، إلا فُتِحَت له أبواب السماء حتى تفضي إلى العرش ما أجتنب الكبائر " [رواه الترمذي وحسنه الألباني] وأعظم أسبـــاب الحرمـــان..الذنـــوب.. لاسيما الكبــائـر.
كيف ندعو الله تعالى باسمه الفتـــاح؟
ادع ربَّك الفــتــــاح أن يفتح عليك إذا انغلقت في وجهك الأسبـــاب والأمور.
ومن الأدعيــة الواردة في القرآن والسُّنَّة: رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ.
واللهم افتح لي أبواب رحمتك: عند دخول المسجد.. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا دخل أحدكم المسجد فليقل: اللهمَّ افتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج فليقل: اللهمَّ إني أسألك من فضلك " [مسلم].
اللهم افتح لنـــا أبـــواب رحمتك وافتح لنــا أبـــواب فضلك واجعلنا من عبـــادك الصالحيـــن.
مختارات