" معالم على طريق التوفيق : الثاني عشر : الكسب الحلال "
" معالم على طريق التوفيق: الثاني عشر: الكسب الحلال "
ومن علامة التوفيق في الدنيا أن يوفق العبد لكسب طيب حلال «وظيفة أو عمل أو تجارة» وما أكثره ولله الحمد!
تأمل أيها الموفق هذا الخطاب الرباني، كيف ينسكب في قلب المؤمن؟
" أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ " [الزخرف: 32].
وليست العبرة بالعمل الكبير المشار إليه بالبنان، وإنما بالعمل الشريف وإن دق وصغر في أعين الناس !
فالعبرة باللقمة الحلال لا باللقمة الكبيرة الحرام فهذا أشرف خلق الله، سيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم قد رعى الأغنام ثم سافر وتاجر بالمال من أجل الكسب الحلال الطيب ومن قبل ذلك الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
فالموفق تراه يبيع أن يشتري أو يتعامل مع الخلق فيما أُسند إليه وهو مطمئن القلب من عمله، لا ريبة فيه ولا شُبهة، ينفع به نفسه وأسرته ويقدم خدمة لأمته، خير الناس أنفعهم للناس، يؤدي الأمانة ويحفظ المسئولية، يراقب المطلع عليه في كل صغيرة وكبيرة، كلما حدثته نفسه بالتقاعس أو التواني عن الأمانة قرعها بسوط المراقبة والخشية، لسان حاله يرد عليه قائلًا: أين الله؟!
تراه بعيدًا كل البعد بحفظ الله وتوفيقه عن الحرام أو الشبهة؛ من غش وكذب واختلاس وفن ورقص وخمر وتهريب مخدرات..، إلى غير ذلك.
ومن ترك شيئًا لله عوضه الله خيرًا منه، بل ويجد بعد ذلك إيمانًا في قلبه، وسعة رزقه، وبركة في عمره، وصحة وعافية وفلاحًا وتوفيقًا.
" أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى " [العلق: 14].
قال صلى الله عليه وسلم: «لأن يأخذ أحدكم حبله، فيأتي بحزمة الحطب على ظهره، فيبيعها فيكف الله بها وجهه، خير له من أن يسأل الناس؛ أعطوه أو منعوه» [رواه البخاري (انظر موقع الدرر السنية)].
وسئل الإمام أحمد (رحمه الله): بم تلين القلوب.
فماذا كان جوابه؟ هل ألقى محاضرة؟ لا !
وإنما قال: بأكل الحلال.
وكان أبو أيوب السختياني (رحمه الله) يقول: الزم سوقك؛ فإنك لا تزال كريمًا ما لم تحتج إلى أحد.
قال صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص رضى الله عنه: «يا سعد، أطب مطعمك تستجب دعوتك» [الطبراني].
لذلك لا تعجب من قول سعد بن أبي وقاص رضى الله عنه: ما رفعت لقمة إلى فمي إلا وأنا أعلم من أين مجيئها ومن أين خرجت !
الله أكبر !
أعد قراءة هذه العبارة مرة أخرى !
فكيف بحالنا اليوم؟
قوم ضيعوا الأمانة، وفرطوا في المسئولية وخانوا الأمة !
" وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ " [إبراهيم: 42].
إننا في أمس الحاجة اليوم إلى القوى الأمين، ولا يكون ذلك إلا بتوفيق الحق المبين.
القوي الأمين في الدوائر والوزارات والأمانات.
القوي الأمين في تعليمنا ومدارسنا.
القوي الأمين في تجارتنا ومحلاتنا.
القوي الأمين في كل شأن من شئون حياتنا.
" قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ " [القصص: 26].
أيها الموفق:
بأكل الحلال الطيب تلين القلوب وتسير في طريق السعادة والتوفيق.
قال إبراهيم بن أدهم (رحمه الله): ما أدرك من أدرك إلا من كان يعقل ما يدخل جوفه.
فانظر يا عبد الله، ما عملك وما كسبك وما وظيفتك وما يدخل جوفك، بل انظر الآن ما يدخل في حساباتك البنكية، فأنت أعلم بحالك، والله مطلع عليك: " أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ " [التوبة: 78].
يقول وهيب بن الورد (رحمه الله): لو قمت مقام هذه السارية – أي تصلي – ما نفعك شيء حتى تنظر ما يدخل بطنك، حلال أو حرام؟
وكما قيل: بطنك شبر في شبر، فلم يدخلك النار؟!
أيها الموفق:
يعيش المسلم فقيرًا مسكينًا يكفيه القليل من الطعام والشراب والمال والمسكن، لكنه يعيش في أمن وطمأنينة وسعادة وعزة وحياة طيبة لا يعلمها إلا الله، ولو سكن الإنسان أعظم القصور والدور ومشى في الرفاهية والرخاء وماله من الخبيث، فاعلم أنه في شقاء وخوف وقلق وضنك !
وكتب رجل إلى داود الطائي يطلب منه الموعظة فكتب إليه:
أما بعد: فارض من الدنيا باليسير من سلامة دينك، كما رضي أقوام بالكثير مع ذهاب دينهم، والسلام.
إضاءة على الطريق:
ارض بما قسم الله لك؛ لتكن أغنى الناس.
فما أعظمها من وصية نبوية !
مختارات