" معالم على طريق التوفيق : ثانيًا : السنة نجاة "
" معالم على طريق التوفيق: ثانيًا: السنة نجاة "
ومن معالم التوفيق السير على ما سار عليه محمد صلى الله عليه وسلم، واتباع سنته ظاهرًا وباطنًا؛ في صلاته وصيامه وحجه وذكره وبيعه وشرائه وبيته ومعاملته وحِلَّه وترحاله، وفي كل شأن من شئون حياته، بل لا يكتفي بذلك، بل يدعو لها ويبلغها أسرته وأقاربه وأحبابه وجيرانه وكل من يعرف. هذا دأب الموفق إلى أن يلقى ربه وهو على سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم " قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ " [الأنعام: 163].
هذا هو الإسلام حقًّا، حياتك كلها لله، وهذا والله هو طريق التوفيق.
" وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ " [الحشر: 7].
فالسنة كالسفينة؛ من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق كما قال مالك (رحمه الله)، وبقدر ما تعلم وتعمل بسنة رسولك صلى الله عليه وسلم يكون توفيقك وسعادتك في الدنيا والآخرة.
هذا فاروق هذه الأمة يقول: والله إني لأُقبّلك، وأني أعلم أنك حجر، لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبَّلك ما قبلتُك.
وهذا يدل دلالة واضحة صادقة في اتباع سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم والحرص عليها قولًا وعملًا.
قال الحافظ ابن حجر (رحمه الله): وفي قول عمر هذا التسليم للشارع في أمور الدِّين وحُسن الاتباع فيما لم يكشف عن معانيها، وهو قاعدة عظيمة في اتباع النبي صلى الله عليه وسلم فيما يفعله ولو لم يعلم الحكمة فيه.
يقول الشيخ صالح بن طالب حفظه الله: منزلة المؤمن تقاس باتباعه للرسول صلى الله عليه وسلم، وكلما كان تطبيقه للسنة أكثر كان عند الله أعلى وأكرم؛ فالتمسك بالسنن تحصين للفرائض والواجبات، وباب لزيادة الأجر والحسنات وجنوح إلى الأجمل والأكمل، وهو شرف الاتباع وحلاوة الاقتداء، فلا تزيغ به الأهواء، وفوق هذا كله محبة الله الجليل.
ويذكرنا الحافظ ابن حجر (رحمه الله) بقوله: وقد كان صدر الصحابة ومن تبعهم يواظبون على السنن مواظبتهم على الفرائض، لا يفرقون بينهما في اغتنام ثوابهما.
رضى الله عنهم ذلكم هو الجيل المتميز الموفق.
آهٍ ثم آه ! كم تُركت من سُنة من سنن المصطفى في هذا الزمن مع الأسف ! وما ذاك إلا لضعف الإيمان في تلك القلوب، وعدم استشعار الأجور الكبيرة المترتبة على ذلك، وسيأتي علينا يوم نعرف فيه قدر وعظمة الحسنة الواحدة.
بل إن من علامات حب السُّنة النبوية أيها الموفق ما يلي:
· كثرة قراءتها ومطالعة كتبها – وها هي بين أيدينا مطبوعة أجمل الطبعات الفاخرة – صحيح البخاري، ومسلم، إلخ...، فهل من قارئ لها؟
· محاولة حفظها والحزن والأسف على فوات ذلك.
· الفرح بمجالسها ومنتدياتها ولقاءاتها.
· الشوق إليها إذا طالت الغيبة عنها.
· تطبيقها في جميع جوانب الحياة.
· كما ذكر ذلك د: خالد اللاحم في كتابه الرائع مفتاح تدبر السنة، بل وتأمل في كلام ابن بطة (رحمه الله) في الشرح والإبانة على أصول السنة والديانة قال:
ومن السنة اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم، والاقتفاء لأمره، والاقتداء بهديه والأخذ بأفعاله، والانتهاء إلى أمره، وإكثار الرواية عنه في كل ما سنّه واستحسنه وندب إليه، وحرض أمته عليه ليتأدبوا به، فتحسن بذلك في الدنيا آدابهم، ويعظم عند الله قدرهم.
ويقول الدكتور خالد أبو شادي – وفقه الله – في رسالة بعنوان: حبا بحب.
إنه باب عظيم أن تحيا ورسول الله صلى الله عليه وسلم في خاطرك، في ضميرك، يُملي عليك أفعالك، أقواله تصنع أفعالك، سيرته تصوغ سيرتك في امتزاج بديع، وتآخ رفيع بينك وبين نبيك صلى الله عليه وسلم، والحب كان ولا يزال ثمرة المعرفة، فكلما كانت معرفتك بنبيك أكبر، كلما كان حبك له أقوى واقتداؤك به أشد؛ لأجل هذا كان الناس متفاوتين في محبتهم لنبيهم واقتدائهم به تبعًا لتفاوت معرفتهم به وبقدره.
أيها الموفق:
ارفع رأسك، واعتز بدينك، واتبع نبيك؛ فهو الأسوة والقدوة لك، وسر على بركة الله؛ فإنك على الحق المبين.
وتذكر دائما قول فاروق هذه الأمة رضى الله عنه: «نحن قوم أعزنا الله بالإسلام، فمهما ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله " لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا " [الأحزاب: 21]».
قال ابن سعدي (رحمه الله): «وهذه الأسوة الحسنة إنما يسلكها ويوفق لها من كان يرجو الله واليوم الآخر، فإن ما معه من الإيمان وخوف الله ورجاء ثوابه وخوف عقابه يحثه على التأسي بالرسول صلى الله عليه وسلم ».
وصدق الله: " نْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا " [النساء: 80].
إضاءة على الطريق:
الموفق من جعل سنة نبيه صلى الله عليه وسلم أمام عينيه، متبعًا لها عاملًا بها، داعيًا إليها.
مختارات