" أشراط السَّاعة الكبرى "
" أشراط السَّاعة الكبرى "
أولًا: ترتيب أشرأط السَّاعة الكبرى:
لم أجد نصًا صريحًا يبين ترتيب أشراط السَّاعة الكبرى حسب وقوعها، وإنما جاء ذكرها في الأحاديث مجتمعة بدون ترتيب، إذ كان ترتيبها في الذكر لا يقتضي ترتيبها في الوقوع، فقد جاء العطف فيها بالواو، وذلك لا يقتضي الترتيب.
ومن النصوص ما خالف ترتيبها فيه ترتيبها في نص آخر.
ولكي يتبين هذا، فسأذكر نماذج من ذلك بذكر بعض الأحاديث التي تعرضت لذكر الأشراط الكبرى جملة أو ذكر بعضها:
1- روى الإمام مسلم عن حذيفة بن أسيد الغفاري رضى الله عنه قال: اطلع النبي صلى الله عليه وسلم علينا ونحن نتذاكر، فقال: " ما تذاكرون " ؟ قالوا: نذكر السَّاعة، قال: " إنها لن تقوم حتى ترون قبلها عشر آيات " فذكر: الدُّخان، والدجال، والدابة، وطلوع الشمس من مغربها، ونزول عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم، ويأجوج ومأجوج، وثلاثة خسوف: خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب، وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم " (صحيح مسلم - مع شرح النووي).
وروى مسلم هذا الحديث عن حذيفة بن أسيد بلفظ آخر، وهو: " إن السَّاعة لا تكون حتى تكون عشر آيات: خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب، والدُّخان، و الدجال، ودابة الأرض، ويأجوج ومأجوج، وطلوع الشمس من مغربها، ونار تخرج من قعرة عدن ترحل الناس ".
وفي رواية: " والعاشرة: نزول عيسى بن مريم " (صحيح مسلم - مع شرح النووي).
فهذا حديث واحد عن صحابي واحد جاء بلفظين مختلفين في ترتيب الأشراط.
2- وروى مسلم عن أبي هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " بادروا بالأعمال ستًا: طلوع الشمس من مغربها، أو الدُّخان، أو الدجال، أو الدابة، أو الخاصة أحدكم، أو أمر العامة " (صحيح مسلم - مع شرح النووي).
وروى مسلم هذا الحديث عن أبي هريرة بلفظ آخر: " بادروا بالأعمال ستًا: الدجال، والدُّخان، ودابة الأرض، وطلوع الشمس من مغربها، وأمر العامة، وخويضة أحدكم ".
وهذا أيضًا حديث واحد عن صحابي واحد جاء بلفظين مختلفين في ترتيب بعض الأشراط وفي أداة العطف، حيث جاء مرة بـ(أو) والأخرى بـ(الواو)، وهما لا يدلُّان على الترتيب.
والذي يمكن معرفته هو ترتيب بعض الأشراط من خلال حدوث بعضها إثر بعض؛ كما ورد في بعض الروايات؛ مثل ما جاء في حديث النواس بن سمعان رضى الله عنه كما سيأتي ذكره فيما بعد إن شاء الله تعالى، فقد ذكر فيه بعض الآيات مرتبة؛ حسب وقوعها؛ فإنه ذكر أولًا خروج الدجال على الناس، ثم نزول عيسى عليه السلام لقتله، ثم خروج يأجوج ومأجوج في زمن عيسى عليه السلام، وذكر دعاءه عليهم بالهلاك.
وكذلك جاء في بعض الروايات أن أول الآيات كذا، وفي بعضها آخر الآيات كذا، ومع هذا؛ فإن هناك اختلافًا في هذه الأولية بين العلماء، وهذا الاختلاف موجود في عصر الصحابة رضى الله عنهم، فقد روى الإمام أحمد ومسلم عن أبي زرعة قال: جلس إلى مروان بن الحكم بالمدينة ثلاثة نفر من المسلمين، فسمعوه وهو يحدث عن الآيات أن أولها خروجًا الدجال، فقال عبد الله بن عمر: لم يقل مروان شيئًا، قد حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثًا لم أنسه بعد، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن أول الآيات خروجًا طلوع الشمس من مغربها، وخروج الدابة على الناس ضحى، وأيهما ما كانت قبل صاحبتها؛ فالأخرى على إثرها قريبًا " هذا لفظ مسلم.
وزاد الإمام أحمد في روايته: " قال عبد الله – وكان يقرأ الكتب-: وأظن أولادها خروجًا طلوع الشمس من مغربها " (مسند أحمد تحقيق أحمد شاكر، و " صحيح مسلم- مع شرح النووي).
نعم؛ جمع الحافظ ابن حجر بين أولية الدجال وأولية طلوع الشمس من مغربها، فقال: " الذي يترجح من مجموع الأخبار أن خروج الدجال أول الآيات العظام المؤذنة بتغير الأحوال العامة في معظم الأرض، وينتهي ذلك بموت عيسى عليه السلام، وأن طلوع الشمس من المغرب هو أول الآيات العظام المؤدنة بتغير أحوال العالم العلوي، وينتهي ذلك بقيام السَّاعة، ولعل خروج الدابة يقع في ذلك اليوم الذي تطلع فيه الشمس من المغرب ".
ثم قال: " والحكمة في ذلك أنه عند طلوع الشمس من المغرب يغلق باب التوبة، فتخرج الدابة؛ تميز المؤمن من الكافر؛ تكميلًا للمقصود من إغلاق باب التوبة، وأول الآيات المؤذنة بقيام السَّاعة النار التي تحشر الناس " (فتح الباري).
ويرى الحافظ ابن كثير أن خروج الدابة هو أول الآيات الأرضية التي ليست بمألوفة؛ فإن الدابة التي تكلم الناس وتعين المؤمن من الكافر أمر مخالف للعادة المستقرة.
وأما طلوع الشمس من مغربها، فهو أمر باهر جدًا، وذلك أول الآيات السماوية.
أما ظهور الدجال ونزول عيسى بن مريم عليه السلام من السماء، وخروج يأجوج ومأجوج؛ فإنهم وإن كان ظهورهم قبل طلوع الشمس من مغربها، وقبل ظهور الدابة؛ إلا أنهم بشر، مشاهدتهم وأمثالهم من الأمور المألوفة؛ بخلاف ظهور الدابة وطلوع الشمس من مغربها، فهو ليس من الأمور المألوفة (انظر: النهاية).
والذي يظهر أن المعول عليه ما ذهب إليه ابن حجر؛ فإن خروج الدجال من حيث كونه بشرًا ليس هو الآية، وإنما الآية خروجه في حالته التي هو عليها من حيث كونه بشرًا، ومع ذلك يأمر السماء أن تمطر، فتمطر، والأرض أن تنبت، فتنبت، ويكون معه كذا وكذا مما ليس مألوفًا؛ كما سيأتي في الكلام على الدجال.
فالدجال في الحقيقة هو أول الآيات الأرضية التي ليست بمألوفة.
وقال الطيبي: " الآيات أمارات للساعة، إما على قربها، وإما على حصولها، فمن الأول: الدجال، ونزول عيسى، ويأجوج ومأجوج، والخسف، ومن الثاني: الدُّخان، وطلوع الشمس من مغربها، وخروج الدابة، والنار التي تحشر الناس " (فتح الباري).
وهذا ترتيب بين جملة من الآيات وجملة أخرى منها؛ دون تعرض لترتيب ما اندرج تحت هاتين الجملتين، مع أنه يظهر لي أن الطيبي يرى ترتيب الآيات حسب ما ذكره في كل قسم؛ فإن هذا التقسيم – الذي ذهب إليه – تقسيم حسن ودقيق؛ فإنه إذا خرج القسم الأول الدال على قرب السَّاعة قربًا شديدًا؛ كان فيه إيقاظ للناس؛ ليتوبوا ويرجعوا إلى ربهم، ولم يكن هنالك تمييز بين المؤمن والكافر، وهذه العلامات التي ذكرها في القسم الأول سبق أن ذكرت أنه جاء ترتيبها حسب وقوعها، وأضاف إ ليها الخسوفات، وذلك مناسب لها.
وأما إذا ظهر القسم الثاني – الدال على حصول السَّاعة – فإن الناس يتميزون إلى مؤمن وكافر؛ كما سيأتي أنه عند ظهور الدُّخان يصيب المؤمن كهيئة الزكام، والكافر ينتفخ من ذلك الدُّخان، ثم تطلع الشمس من مغربها، فيقفل باب التوبة، فلا ينفع الكافر إيمانه، ولا التائب توبته، ثم تظهر بعد ذلك الدابة، فتميز بين الناس، فيعرف الكافر من المؤمن؛ لأنها تسم المؤمن وتخطم الكافر؛ كما سيأتي ذكر ذلك، ثم يكون آخر ذلك ظهور النار التي تحشر الناس.
وقد جريت فيث ذكري لأشراط السَّاعة الكبرى على هذا الترتيب الذي ذكره الطيبي؛ لأنه – في نظري- أقرب إلى الصواب، والله أعلم.
وقبل ذكري لهذه العلامات العشر الكبرى تحدثتُ عن المهدي؛ لأن ظهوره يكون سابقًا لهذه العلامات، فهو الذي يجتمع عليه المؤمنون لقتال الدجال، ثم ينزل عيسى عليه السلام، ويصلي خلفه؛ كما سيأتي ذكر ذلك إن شاء الله تعالى.
ثانيًا: تتابع ظهور الأشراط الكبرى:
إذا ظهر أول علامات السَّاعة الكبرى؛ تتابعت الآيات كتتابع الخرز في النظام، يتبع بعضها بعضًا.
روى الطبراني في " الأوسط " عن أبي هريرة رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " خروج الآيات بعضها على إثر بعض، يتتابعن كما تتابع الخرز في النظام (العقد من الجوهر والخرز ونحوهما،انظر: " النهاية في غريب الحديث) " (قال الألباني: " صحيح ". انظر: " صحيح الجامع الصغير).
وروى الإمام أحمد عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الآيات خرزات منظومات في سلك، فإن يقطع السلك؛ يتبع بعضها بعضًا " (مسند أحمد، شرح أحمد شاكر، وقال: " إسناده صحيح).
والذي يظهر لي – والله أعلم – أن المراد بهذه الآيات هي علامات السَّاعة الكبرى؛ فإن ظاهر هذه الأحاديث يدلُّ على تقارب ظهورها تقاربًا شديدًا.
ويؤيد ذلك ما سبق ذكره في الكلام على ترتيب أشراط السَّاعة الكبرى؛ من بعض الأحاديث ذكرت أن بعض هذه العلامات تظهر في زمن متقارب؛ فإن أول العلامات الكبرى بعد المهدي ظهور الدجال، ثم نزول عيسى عليه السلام لقتله، ثم ظهور يأجوج ومأجوج، ودعاء عيسى عليه السلام عليهم، فيهلكهم لله، ثم قال عيسى عليه السلام: " ففيما عهد إلي ربي عليه السلام أن ذلك كذلك؛ فإن السَّاعة كالحامل المتم التي لا يدري أهلها متى تفجؤهم بولادها ليلًا أو نهارًا " (مسند الإمام أحمد " من حديث ابن مسعود، تحقيق أحمد شاكر، وقال: إسناده صحيح).
وهذا دليل على قرب السَّاعة قربًا شديدًا؛ فإن بين موت عيسى عليه السلام وقيام السَّاعة شيء من العلامات الكبرى؛ كطلوع الشمس من مغريها، وظهور الدابة، والدُّخان، وخروج النار التي تحشر الناس، فهذه العلامات تقع في وقت قصير جدًا قبل قيام السَّاعة؛ مثلها كمثل العقد الذي انفرط نظامه، والله أعلم.
وقد وجدت ما يؤيد ما ذكرته، فقد قال الحافظ ابن حجر: " وقد ثبت أن الآيات العظام مثل السلك، إذا انقطع؛ تناثر الخرز بسرعة، وهو عند أحمد " (فتح الباري).
مختارات