" عرض الفتن على القلوب "
" عرض الفتن على القلوب "
إن القلب هو المحل الذي تعرض عليه الفتن، وبحسب قبوله لها تعظم ظلمته، حتى يصل إلى أن لا يقبل الحق، ولا يعرف المعروف، ولا ينكر المنكر، بل يتبع هواه بغير هدى من الله.
وهذا حال كثير ممن وقع في الفتن وأشربها في قلبه، ولذا قل من يرجع عنها حتى يخوض غمارها، ويتلطخ بأقذارها، فإذا ولت مدبرة، استبان الصبح لكل ذي عينين، ولو أن هؤلاء المفتونين استناروا بالوحي من الكتاب والسنة، وما كان عليه سلف الأمة في فهمهما، ورجعوا إلى أهل العلم، لأنكرت قلوبهم الفتن من أولها، وسلموا من الولوغ فيها، لكنه الهوى المتبع، وإعجاب كل ذي رأي برأيه.
ويبين عرض الفتن على القلوب حديث حذيفة رضي الله عنه قال: كنا عند عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: أيكم سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الفتن؟ فقال قوم: نحن سمعناه، فقال: «لعلكم تعنون فتنة الرجل في أهله وماله وجاره؟» قالوا: أجل، قال: «تلك يكفرها الصلاة والصيام والصدقة» ولكن أيكم سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر التي تموج كموج البحر؟ قال حذيفة: فسكت القوم، فقلت: أنا، قال: أنت لله أبوك؟ فقال حذيفة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «تُعرَضُ الفتنُ علَى القلوبِ كالحصيرِ عودًا عودًا فأيُّ قلبٍ أُشرِبَها نُكِتَ فيهِ نُكتةٌ سَوداءُ وأيُّ قلبٍ أنكرَها نُكِتَ فيهِ نُكتةٌ بَيضاءُ حتَّى تصيرَ علَى قلبَينِ علَى أبيضَ مِثلِ الصَّفا فلا تضرُّهُ فتنةٌ ما دامتِ السَّماواتُ والأرضُ والآخرُ أسوَدُ مُربادًّا كالكوزِ مُجَخِّيًا لا يعرِفُ معروفًا ولا ينكرُ مُنكرًا إلَّا ما أُشرِبَ مِن هواهُ » (أخرجه مسلم).
هذا وقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن الإخلاص ومناصحة ولي الأمر ولزوم الجماعة تقي القلب من الفتن.
يقول صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة لا يغل عليهن قلب رجل مسلم أبدًا: إخلاص العمل لله، ومناصحة ولاة الأمر، ولزوم جماعة المسلمين، فإن دعوتهم تحيط من ورائهم» (رواه أحمد وابن ماجه وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة).
وقوله: (يُغل) من الإغلال، وهو الخيانة في كل شيء، ويروى (يَغل) من الغل، وهو الحقد والشحناء، أي لا يدخله حقد يزيله عن الحق، والمعنى أن هذه الخلال الثلاث تصلح بها القلوب، فمن تمسك بها طهر قلبه من الخيانة والدغل والشر (انظر بلوغ الأماني من أسرار الفتح الرباني).
مختارات