" الأعمال المثقلة للميزان : العمل الثامن عشر : العمل بأحب الأعمال إلى الله تعالى وأفضلها "
" الأعمال المثقلة للميزان: العمل الثامن عشر: العمل بأحب الأعمال إلى الله تعالى وأفضلها "
لقد ذكر المصطفى صلى الله عليه وسلم أعمالاً جليلة من فضائل الأعمال، وذكر بأنها أحب الأعمال إلى الله تعالى وأفضلها، ومثل هذه الأعمال جديرة بالاهتمام والإكثار منها، لأن عطاء الله تعالى فيها سيكون جزيلاً بلا شك، ليس لأنها أعمال يحبها الله عز وجل فحسب، وإنما لأنها من أحب الأعمال إليه جل وعلا، ولذلك سيكون ثوابها في الميزان ثقيلاً، ولقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم بعض هذه الأعمال جوابًا لسؤال تكرر عليه صلى الله عليه وسلم من صحابته رضي الله عنهم، لحرصهم الشديد على التسابق إلى أحب الأعمال إلى الله تعالى، ولقد أجاب النبي صلى الله عليه وسلم كل سائل بإجابة مختلفة عن الآخر، وقد علل العلماء هذا التغاير في الإجابات إلى حكم عديدة أجملها ابن حجر رحمه الله تعالى بقوله:
ومحصل ما أجاب به العلماء عن هذا الحديث وغيره مما اختلفت فيه الأجوبة بأنه أفضل الأعمال أن الجواب اختلف لاختلاف أحوال السائلين بأن أعلم كل قوم بما يحتاجون إليه، أو بما لهم فيه رغبة، أو بما هو لائق بهم، أو كان الاختلاف باختلاف الأوقات بأن يكون العمل في ذلك الوقت أفضل منه في غيره، فقد كان الجهاد في ابتداء الإسلام أفضل الأعمال؛ لأنه الوسيلة إلى القيام بها والتمكن من أدائها، وقد تضافرت النصوص على أن الصلاة أفضل من الصدقة، ومع ذلك ففي وقت مواساة المضطر تكون الصدقة أفضل، أو أن «أفضل» ليست على بابها بل المراد بها الفضل المطلق، أو المراد من أفضل الأعمال فحذفت " مِنْ " وهي مرادة، وقال ابن دقيق العيد: الأعمال في هذا الحديث محمولة على البدنية، وأراد بذلك الاحتراز عن الإيمان؛ لأنه من أعمال القلوب، فلا تعارض حينئذ بينه وبين حديث أبي هريرة «أفضل الأعمال إيمان بالله»الحديث، وقال غيره: المراد بالجهاد هنا ما ليس بفرض عين؛ لأنه يتوقف على إذن الوالدين فيكون برهما مقدمًا عليه اهـ (فتح الباري).
قد تجد بعض هذه الأعمال سبق ذكرها، ولكن إعادة ذكرها تحت عنوان آخر يعطيها فضلاً آخر، ويؤكد أهميتها في تثقيل الميزان، وأهم هذه الأعمال ما يلي:
[1] الإيمان بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم والجهاد والحج المبرور:
فعن أبي هريرة رضى الله عنه قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الأعمال أفضل؟ قال: «إيمان بالله ورسوله» قيل: ثم ماذا؟ قال: «جهاد في سبيل الله» قيل ثم ماذا؟ قال: «حج مبرور» (البخاري واللفظ له ومسلم).
[2] المحافظة على الفرائض:
فعن أبي هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله قال: من عادى لي وليًا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحب إليَّ مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته» (البخاري).
[3] أداء الصلاة المفروضة أول وقتها وبر الوالدين:
روت أم فروة رضي الله عنها قالت: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أفضل؟ قال: «الصلاة في أول وقتها» (صححه الألباني في صحيح الجامع).
وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني أصبت ذنبًا عظيمًا، فهل لي توبة؟ قال: «هل لك من أم»؟ قال: لا، قال: «هل لك من خالة»؟ قال: نعم، قال: «فبرها» (صححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب).
[4] صلة الرحم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
روى رجل من خثعم رضى الله عنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو في نفر من أصحابه فقلت: أنت الذي تزعم أنك رسول الله؟ قال: «نعم» قال: قلت: يا رسول الله أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال: «الإيمان بالله» قال: قلت: يا رسول الله ثم مه؟ قال: ثم «صلة الرحم» قال: قلت: يا رسول الله ثم مه؟ قال: «ثم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» قال: قلت: يا رسول الله أي الأعمال أبغض إلى الله؟ قال: «الإشراك بالله» قال: قلت: يا رسول الله ثم مه؟ قال: «ثم قطيعة الرحم» قال: قلت: يا رسول الله ثم مه؟ قال: «ثم الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف» (صححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب).
وروى عبد الرحمن بن الحضرمي رحمه الله تعالى قال: أخبرني من سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «إن من أمتي قومًا يعطون مثل أجور أولهم؛ ينكرون المنكر» (صححه الألباني في صحيح الجامع).
وعن حذيفة بن اليمان رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «فتنة الرجل في أهله وماله ونفسه وولده وجاره، يكفرها الصيام والصلاة والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر...» (البخاري ومسلم).
[5] وصل الصفوف وسد الفرج في الصلاة:
فعن البراء بن عازب رضى الله عنه قال: كنا نقوم في الصفوف على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم طويلاً قبل أن يكبر، قال: وقال: «إن الله وملائكته يصلون على الذين يصلون الصفوف الأُوِل، وما من خطوة أحب إلى الله؛ من خطوة يمشيها العبد يصل بها صفًا» (قال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب: صحيح لغيره).
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خياركم ألينكم مناكب في الصلاة، وما من خطوة أعظم أجرًا من خطوة مشاها رجل إلى فرجة في الصف فسدها» (قال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب: حسن لغيره).
[6] الإكثار من صلاة النافلة وطول القيام:
فعن معدان بن أبي طلحة اليعمري رحمه الله تعالى قال: لقيت ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: أخبرني بعمل أعمله يدخلني الله به الجنة، أو قال: قلت: بأحب الأعمال إلى الله، فسكت، ثم سألته فسكت فسكت، ثم سألته الثالثة فقال: سألت عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «عليك بكثرة السجود لله، فإنك لا تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة، وحط عنك بها خطيئة» (مسلم).
ويزداد ثواب هذه النوافل لو كانت في البيت، حيث روى زيد بن ثابت رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اتخذ حجرة، قال: حسبت أنه قال: من حصير في رمضان، فصلى فيها ليالي، فصلى بصلاته ناس من أصحابه، فلما علم بهم جعل يقعد، فخرج إليهم فقال: «قد عرفت الذي رأيت من صنيعكم، فصلوا أيها الناس في بيوتكم، فإن أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة» (البخاري واللفظ له ومسلم).
وروى صهيب الرومي رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «صلاة الرجل تطوعًا حيث لا يراه الناس، تعدل صلاته على أعين الناس خمسًا وعشرين» (صححه الألباني في صحيح الجامع).
وأما عن طول القيام فقد روى جابر رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أفضل الصلاة طول القنوت» (مسلم).
قال الترمذي رحمه الله تعالى: وقد اختلف أهل العلم في هذا الباب فقال بعضهم: طول القيام في الصلاة أفضل من كثرة الركوع والسجود، وقال بعضهم: كثرة الركوع والسجود أفضل من طول القيام، قال أحمد بن حنبل: قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديثان ولم يقض فيه بشيء، وقال إسحاق: أما في النهار فكثرة الركوع والسجود، وأما بالليل فطول القيام، إلا أن يكون رجل له جزء بالليل يأتي عليه؛ فكثرة الركوع والسجود في هذا أحب إليَََّّّّ؛ لأنه يأتي على جزئه؛ وقد ربح كثرة الركوع والسجود.اهـ، وإنما قال إسحق هذا لأنه كذا وصف صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالليل ووصف طول القيام، وأما بالنهار فلم يصف من صلاته من طول القيام ما وصف بالليل.اهـ (جامع الترمذي).
[7] الإكثار من الصيام:
فعن أبي أمامة رضى الله عنه أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي العمل أفضل؟ قال: «عليك بالصوم فإنه لا عدل له» (صححه الألباني في صحيح الجامع).
والصيام من الأعمال التي اختص الله عز وجل بمجازاة صاحبها من سائر الأعمال الصالحة حيث روى أبو هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل عمل ابن آدم يضاعف له، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال الله سبحانه: إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به» (البخاري ومسلم).
ولماذا يفرح المؤمن بصومه دون سائر عمله يوم القيامة؟ لعله لما يرى من عظم ثوابه وثقله في الميزان لأنه لا عدل له، فقد روى أبو هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول لله صلى الله عليه وسلم: «كل عمل ابن آدم يضاعف؛ الحسنة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال الله عز وجل: إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به؛ يدع شهوته وطعامه من أجلي، للصائم فرحتان، فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه، ولخلوف فيه أطيب عند الله من ريح المسك» (البخاري ومسلم).
وأفضل الصيام بعد رمضان هو شهر محرم حيث روى أبو هريرة رضى الله عنه قال: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل» (مسلم).
[8] إدخال السرور على الناس وتفريج كربهم:
فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أحب الناس إلى الله أنفعهم، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل؛ سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه دَيْنًا، أو تطرد عنه جوعًا، ولأن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحب إليَّ من أن أعتكف في المسجد شهرًا، ومن كف غضبه ستر الله عورته، ومن كظم غيظًا ولو شاء أن يمضيه أمضاه؛ ملأ الله قلبه رضى يوم القيامة، ومن مشى مع أخيه المسلم في حاجته حتى يثبتها له؛ أثبت الله تعالى قدمه يوم تزل الأقدام، وإن سوء الخلق ليفسد العمل كما يفسد الخل العسل» (حسنه الألباني في صحيح الجامع).
وروي ابن عمر رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أفضل العمل إدخال السرور على المؤمن؛ تقضي عنه دَيْنًا، تقضي له حاجة، تنفس له كربة» (صححه الألباني في صحيحه الجامع).
[9] عدم إيذاء الناس:
فعن عبد الله بن مسعودرضى الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله أي أعمال أفضل؟ قال: «الصلاة على ميقاتها» قلت: ثم ماذا يا رسول الله؟ قال: «أن يسلم الناس من لسانك» (صححه الألباني في الترغيب والترهيب).
وعن أبي موسى رضى الله عنه قال: قلت: يا رسول الله أي الإسلام أفضل؟ قال: «من سلم المسلمون من لسانه ويده» (البخاري ومسلم واللفظ).
[10] تصفية القلب من الظلم والحقد والحسد:
فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الناس أفضل؟ قال: «كل مخموم القلب، صدوق اللسان» قالوا: صدوق اللسان نعرفه، فما مخموم القلب؟ قال: «هو التقي النقي، لا إثم فيه، ولا بغي، ولا غل، ولا حسد» (صححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب).
ولقد بشر النبي صلى الله عليه وسلم أحد أصحابه بالجنة ثلاث مرات لصفاء قلبه من الغل والحسد، فهل ترغب أن تكون مثله فتجعل قلبك مخمومًا؟
فعن أنس بن مالك رضى الله عنه قال كنا جلوسا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة» فطلع رجل من الأنصار تنطف لحيته من وضوئه، قد تعلق نعليه في يده الشمال، فلما كان الغد قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك، فطلع ذلك الرجل مثل المرة الأولى، فلما كان اليوم الثالث قال النبي صلى الله عليه وسلم «مثل مقالته أيضا، فطلع ذلك الرجل على مثله حاله الأولى، فلما قام النبي صلى الله عليه وسلم، تبعه عبد الله بن عمرو بن العاص فقال: إني لاحيت أبي فأقسمت أن لا أدخل عليه ثلاثًا، فإن رأيت أن تؤويني إليك حتى تمضي فعلت،قال: نعم، قال أنس: وكان عبد الله يحدث أنه بات معه تلك الليالي الثلاث فلم يره يقوم من الليل شيئًا غير أنه إذا تعار وتقلب على فراشه ذكر الله عز وجل وكبر حتى يقوم لصلاة الفجر، قال عبد الله: غير أني لم أسمعه يقول إلا خيرًا، فلما مضت الثلاث ليال وكدت أن أحتقر عمله، قلت: يا عبد الله إني لم يكن بيني وبين أبي غضب ولا هجر ثم، ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لك ثلاث مرات: «يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة»، فطلعت أنت الثلاث مرات، فأردت أن آوى إليك لأنظر ما عملك فأقتدي به، فلم أرك تعمل كثير عمل، فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال: ما هو إلا ما رأيت، قال: فلما وليت دعاني، فقال: ما هو إلا ما رأيت غير أني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشًا ولا أحسد أحدًا على خير أعطاه الله إياه، فقال عبد الله: هذه التي بلغت بك وهي التي لا نطيق (رواه الإمام أحمد –الفتح الرباني – والنسائي في السنن الكبرى وقال ابن كثير في تفسير قوله تعالى " وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا ": وهذا إسناد صحيح على شرط الصحيحين وصححه الأرناؤوط في تحقيقه لشرح السنة للبغوي وصححه الألباني في مقدمة السلسلة الضعيفة ثم ضعفه في ضعيف الترغيب والترهيب).
مختارات