تابع " الأعمال المثقلة للميزان : العمل الثامن عشر : العمل بأحب الأعمال إلى الله تعالى وأفضلها "
تابع " الأعمال المثقلة للميزان: العمل الثامن عشر: العمل بأحب الأعمال إلى الله تعالى وأفضلها "
[11] وصل من قطعك وإعطاء من حرمك وعدم الانتقام:
فعن عقبة بن عامر رضى الله عنه قال: ثم لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذت بيده فقلت: يا رسول الله أخبرني بفواضل الأعمال، فقال: «يا عقبة صل من قطعك، وأعط من حرمك، وأعرض عمن ظلمك» (قال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب: صحيح لغيره).
[12] ترطيب اللسان بذكر الله تعالى وحمده:
فعن مالك بن يخامر رحمه الله تعالى أن معاذ بن جبل رضى الله عنه قال لهم: إن آخر كلام فارقت عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قلت: أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال: «أن تموت ولسانك رطب من ذكر الله» (صححه الألباني في صحيح الترغيب).
وعن سمرة بن جندب رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أحب الكلام إلى الله أربع: سبحان الله، والحمد لله، ولا إلا اله الله، والله أكبر، لا يضرك بأيهن بدأت» (مسلم).
وروى أبو ذر رضى الله عنه قال: قلت: يا رسول الله أوصني، قال: «إذا عملت سيئة فأتبعها حسنة تمحها»، قال: قلت: يا رسول الله أمن الحسنات لا إله إلا الله؟ قال: «هي أفضل الحسنات» (صححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب) ولذلك فإن لا إله إلا الله أرفع شعب الإيمان.
وعن أبي أمامة رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من هاله الليل أن يكابده، أو بخل بالمال أن ينفقه، أو جبن عن العدو أن يقاتله، فليكثر من سبحان الله وبحمده، فإنها أحب إلى الله من جبل ذهب ينفقه في سبيل الله عز وجل» (قال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب: صحيح لغيره).
وعن أبي ذر الغفاري رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أخبرك بأحب الكلام إلى الله» ؟ قلت: يا رسول الله أخبرني بأحب الكلام إلى الله، فقال: «إن أحب الكلام إلى الله سبحان الله وبحمده» (مسلم).
وعنه أيضا رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أحب الكلام إلى الله: سبحان الله لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، ولا حول ولا قوة إلا بالله، سبحان الله وبحمده» (رواه البخاري في الأدب المفرد وصحح إسناده الألباني في صحيح الأدب المفرد).
وعن أنس بن مالك رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «التأني من الله والعجلة من الشيطان، وما أحد أكثر معاذير من الله، وما من شيء أحب إلى الله من الحمد» (حسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب).
وعن عمران بن حصين رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن أفضل عباد الله يوم القيامة الحمَّادون» (صححه الألباني في صحيح الجامع).
وقد سبق ذكر أهم الأذكار والتسبيحات التي لها ثقل في الميزان في العمل الرابع عشر، فارجع إليها ورطب لسانك بها طوال يومك.
قال محمد القرظي رحمه الله تعالى: لو رخص لأحد في ترك الذكر لرخص لزكريا عليه السلام، قال الله تعالى: " آَيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا " [آل عمران:41] ولو رخص لأحد في ترك الذكر لرخص للذين يقاتلون في سبيل الله، قال الله تعالى: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا " [الأنفال:45].اهـ (حلية الأولياء).
[13] البكاء من خشية الله عز وجل:
عن أبي أمامة رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ليس شيء أحب إلى الله من قطرتين وأثرين: قطرة من دموع في خشية الله، وقطرة دم تهراق في سبيل الله، وأما الأثران فأثر في سبيل الله، وأثر في فريضة من فرائض الله» (حسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب).
ذكر الملا علي القارئ رحمه الله تعالى أن المقصود بالأثر في سبيل الله كخطوة أو غبار أو جراحة في سبيل الله أو سواد حبر في طلب العلم، وأن المقصود بالأثر في فريضة من فرائض الله كإشقاق اليد والرجل من أثر الوضوء في البرد وبقاء بلل الوضوء، واحتراق الجبهة من حر الرمضاء التي يسجد عليها، وخلوف فمه في الصوم واغبرار قدمه في الحج (مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح للملا علي القاري).
[14] قول دعاء الاستفتاح في الصلاة:
أدعية استفتاح الصلاة عديدة ومتنوعة تصل إلى اثني عشر دعاء، ومن أشهرها ما روته عائشة رضي الله عنها أنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استفتح الصلاة قال: «سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك» (صححه الألباني في صحيح الجامع).
ويعتبر هذا الدعاء من أحب الكلام إلى الله تعالى، لما رواه عبد الله بن مسعود رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن أحب الكلام إلى الله أن يقول العبد: سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك، وإن أبغض الكلام إلى الله أن يقول الرجل للرجل: اتق الله، فيقول: عليك نفسك» (صححه الألباني في السلسلة الصحيحة).
وعلى الرغم من شهرة هذا الدعاء عند كثير من الناس إلا أن بعضهم لا يتقنه، وإنما يزيد فيه أو ينقص، كزيادة بعضهم في آخره (ولا معبود سواك) والغريب أنهم لا يرفعون أصواتهم إلا عند هذه العبارة المزيدة، وهذا من تزيين الشيطان وحرصه على نشر البدعة بين الناس.
الخطأ في هذه العبارة المزيدة من وجهين:
الأول: أن الأصح هو قول: ولا معبود بحق سواك، لأن المعبودات في هذه الأرض كثيرة من أصنام وبشر وجان وكواكب، وكلها معبودات باطلة، والمعبود الحق هو الله جل جلاله.
الثاني: أنه لا يشرع الزيادة على قول النبي صلى الله عليه وسلم، ولو بعبارات حسنة وجميلة، إذ يعد ذلك بدعة في الدين، ويفقد الكلمات النبوية بركتها وحكمتها وسرها، وقد حصل أن أحد الصحابة رضي الله عنهم غير كلمة نبوية بأخرى مشابهة لها، فقومه النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه، وكأنه يؤدبه على أن لا يغير في الأدعية النبوية شيئًا؛ فتفقد فاعليتها وبركتها وسرها، فكيف بمن يزيد فيها !
فقد روى البراء بن عازب رضى الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة، ثم اضطجع على شقك الأيمن، ثم قل: اللهم أسلمت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك، رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك، اللهم آمنت بكتابك الذي أنزلت، وبنبيك الذي أرسلت، فإن مت من ليلتك فأنت على الفطرة، واجعلهن آخر ما تتكلم به» قال: فرددتها على النبي صلى الله عليه وسلم، فلما بلغت: اللهم آمنت بكتابك الذي أنزلت، قلت: ورسولك، قال: «لا، ونبيك الذي أرسلت» (البخاري واللفظ له ومسلم).
لذلك ينصح المرء بمراجعة أدعية الصلاة من مصادرها، فلعله حفظها منذ الصغر خطأ، لا سيما أن كتب الحديث متوفرة، قد عرف صحيحها من ضعيفها ولله الحمد.
فالعبارات النبوية محددة؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى، ولها حكم في ألفاظها؛ لأنه صلى الله عليه وسلم أوتي جوامع الكلم، ودليل ذلك ما رواه أنس بن مالك رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من قال حين يصبح أو حين يمسي: اللهم إني أصبحت أشهدك، وأشهد حملة عرشك، وملائكتك وجميع خلقك، أنك أنت الله الذي لا إله إلا أنت، وأن محمدًا عبدك ورسولك، أعتق الله ربعه من النار، فمن قالها مرتين، أعتق الله نصفه، فمن قالها ثلاثًا، أعتق الله ثلاثة أرباعه، إن قالها أربعًا أعتقه الله من النار» (رواه الترمذي وأبو داود واللفظ له وحسنه النووي في الأذكار وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب والترهيب).
فمن أسرار تكرار هذا الذكر أربع مرات؛ ما نقله ابن علان الصديقي رحمه الله تعالى عن ابن العماد في كشف الأسرار عما خفي من الأذكار حيث قال: وقال بعض الأشياخ: تكريره هذه الكلمات أربع مرات يبلغ حروفها ثلاثمائة وستين حرفًا، وابن آدم مركب من ثلاثمائة وستين عضوًا، فعتق الله منه بكل حرف عضوًا من أعضائه، فإذا قالها مرة أعتق الله ربعه، ومن قالها مرتين أعتق الله نصفه اهـ (الفتوحات الربانية على الأذكار النووية لابن علان الصديقي).
ودعاء الاستفتاح من سنن الصلاة، يشرع في الركعة الأولى ولا يشرع في كل ركعة، ولا في صلاة الجنازة، ولا يتأتى الإكثار منه إلا بالإكثار من النوافل.
ويلاحظ أن البعض قد يهتم بهذا الدعاء من حيث لا يشعر أكثر من اهتمامه بالفاتحة وهي ركن، يحدث ذلك عندما يدخل أحدهم في الصلاة متأخرًا، ويعلم أن الإمام سيركع بعد ثوان معدودة، فتراه يمضي تلك الثواني في دعاء الاستفتاح تاركًا قراءة الفاتحة، وكان الأولى إذا ضاق الوقت البدء بعد تكبيرة الإحرام بالفاتحة وليس بدعاء الاستفتاح، لكي يدرك الركن، فهو أوجب وأعظم أجرًا.
كما يحدث مثل هذا مع من قام يصلي الفجر قبيل الشروق وهو متأخر، فينبغي لمن كان هذا حاله الاقتصار على واجبات الوضوء وترك سننه، والبدء بالفاتحة مباشرة بعد تكبيرة الإحرام، وترك دعاء الاستفتاح وقراءة السورة بعد الفاتحة، لأنهما من السنن، لكي يدرك الركوع قبل شروق الشمس، لئلا تقع صلاته خارج الوقت، فيقع في كبيرة من الكبائر، وقد جاء عن أبي هريرة رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح، ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب فقد أدرك العصر» (البخاري ومسلم واللفظ له).
[15] الاستمرار على القليل الدائم خير من الكثير المنقطع:
إن المداومة على عمل من فضائل الأعمال ولو كان قليلاً والاستمرار فيه طوال الحياة من الإكثار منه ثم التراخي أو الانقطاع عنه، كمثل الاستقطاع الشهري لجهة خيرية أو قراءة حزب من القرآن يوميًا ونحو ذلك، فقد روى القاسم بن محمد رحمه الله تعالى عن عائشة رضي الله عنهما قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أحب الأعمال إلى الله تعالى أدومها وإن قل» قال: وكانت عائشة إذا عملت العمل لزمته (البخاري ومسلم).
قال ابن حجر رحمه الله تعالى: قال النووي بدوام القليل تستمر الطاعة بالذكر والمراقبة والإخلاص والإقبال على الله، بخلاف الكثير الشاق، حتى ينمو القليل الدائم بحيث يزيد على الكثير المنقطع أضعافًا كثيرة، وقال ابن الجوزي: إنما أحب الدائم لمعنيين: أحدهما أن التارك للعمل بعد الدخول فيه كالمعرض بعد الوصل، فهو متعرض للذم، لهذا ورد الوعيد في حق من حفظ آية ثم نسيها وإن كان قبل حفظها لا يتعين عليه، ثانيها أن مداوم الخير ملازم للخدمة، وليس من لازم الباب في كل يوم وقتًا ما كمن لازم يومًا كاملاً ثم انقطع اهـ (فتح الباري).
مختارات