" الأعمال المثقلة للميزان : العمل السابع عشر: الأعمال الصالحة التي يعدل ثوابها الجهاد في سبيل الله "
" الأعمال المثقلة للميزان: العمل السابع عشر: الأعمال الصالحة التي يعدل ثوابها الجهاد في سبيل الله "
الجهاد في سبيل الله ذروة سنام الإسلام وقد خصه الله عز وجل بثواب لا يكاد يضاهيه ثواب حيث روى معاذ بن أنس رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أن امرأة أتته فقالت: يا رسول الله، انطلق زوجي غازيًا، وكنت أقتدي بصلاته إذا صلى، وبفعله كله، فأخبرني بعمل يبلغني عمله حتى يرجع، فقال لها: «أتستطيعين أن تقومي ولا تقعدي وتصومي ولا تفطري وتذكري الله تبارك وتعالى ولا تفتري حتى يرجع»؟ قالت: ما أطيق هذا يا رسول الله، فقال: «والذي نفسي بيده لو طُوِّقتيه – أي طقتيه – ما بلغتِ العُشْرَ من عمله حتى يرجع» (قال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب: صحيح لغيره).
وقد مر بنا سابقا أن الجهاد في سبيل الله مما يثقل الميزان كثيرًا، وهناك العديد من الأعمال الصالحة التي يعدل ثوابها ثواب الجهاد ولله الحمد، أخص منها بالذكر أربعة عشر عملاً، وقد قال ابن حجر رحمه الله تعالى: درجة المجاهد قد ينالها غير المجاهد إما بالنية الخالصة أو بما يوازيه من الأعمال الصالحة؛ لأنه صلى الله عليه وسلم أمر الجميع بالدعاء بالفردوس بعد أن أعلمهم أنه أعد للمجاهدين.اهـ (فتح الباري).
وهذا لا يتعارض مع حديث أبي هريرة رضى الله عنه أن رجلاً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: دلني على عمل يعدل الجهاد، قال: «لا أجده» قال: «هل تستطيع إذا خرج المجاهد أن تدخل مسجدك فتقوم ولا تفتر، وتصوم ولا تفطر»؟ قال: ومن يستطيع ذلك؟ (البخاري واللفظ له ومسلم) حيث قال ابن رجب رحمه الله تعالى: لأن هذا السائل سأل عن عمل يعمله في مدة جهاد المجاهد من حين خروجه من بيته إلى قدومه فليس يعدل ذلك بشيء غير ما ذكره اهـ (فتح الباري).
[1] السعي على خدمة الأرملة والمسكين:
روى أبو هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الساعي على الأرملة والمسكين، كالمجاهد في سبيل الله، أو القائم الليل الصائم النهار» (البخاري واللفظ له ومسلم).
من السهل الوصول إلى أرملة لخدمتها، فقد تكون عمتك أو خالتك أو جدتك، فلا تحرم نفسك من هذا العمل اليسير ذي الأجر الكثير.
[2] العمل الصالح في عشر ذي الحجة:
روى ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر» فقالوا: يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل لله؟ فقال: «ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله، ولم يرجع من ذلك بشيء» (البخاري ومسلم).
وفي رواية البيهقي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما من عمل أزكى عند الله ولا أعظم أجرًا من خير يعمله في عشر الأضحى» قيل: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: «ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله، فلم يرجع من ذلك بشيء».
[3] عدم تأخير الصلاة عن وقتها أو أول وقتها:
روى عبد الله بن مسعود رضى الله عنه: سألت النبي صلى الله عليه وسلم أي العمل أحب إلى الله عز وجل؟ قال: «الصلاة على وقتها» قلت: ثم أي؟ قال: «ثم بر الوالدين» قلت: ثم أي؟ قال: «ثم الجهاد في سبيل الله» (البخاري ومسلم) فتأمل كيف قدم النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة وبر الوالدين على الجهاد، فانتبه لعظم قدرهما.
ويزداد ثواب هذه الصلاة في الميزان إذا كانت في جماعة في المسجد، حيث روى أبو هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «صلاة مع الإمام أفضل من خمس وعشرين صلاة يصليها وحده» (البخاري ومسلم واللفظ).
لقد كان الزهري رحمه الله تعالى يصلي وراء رجل يلحن في الصلاة، فكان يقول: لولا أن الصلاة في جماعة فضلت على الفذ؛ ما صليت وراءه (حلية الأولياء).
ويزداد ثواب صلاة الجماعة كلما زاد عدد المصلين فيها، حيث روى أُبَيُّ بن كعب رضى الله عنه قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا الصبح فقال: «أشاهد فلان»؟ قالوا: لا، قال: «أشاهد فلان»؟ قالوا: لا، قال: «إن هاتين الصلاتين – يعني الفجر والعشاء – أثقل الصلوات على المنافقين، ولو تعلمون ما فيهما لأتيتموها ولو حبوًا على الركب، وإن الصف الأول على مثل صف الملائكة، ولو علمتم ما فضيلته لابتدرتموه، وإن صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاته مع الرجل، وكل ما كثر فهو أحب إلى الله عز وجل» (صححه الألباني في صحيح الجامع).
ومن أخطاء بعض الناس المتأخرين عن الصلاة أنهم إذا وجدوا الإمام على وشك التسليم من الصلاة، انتظروه لإقامة جماعة أخرى ولا يدخلون معه في الصلاة، وهذا الأمر يخالف ما هو أولى من عدة أمور منها:
(أولاً) أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر المأموم إذا رأى الإمام على حال أن يصنع كما يصنع الإمام، فعن معاذ بن جبل رضى الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا أتى أحدكم الصلاة والإمام على حال، فليصنع كما يصنع الإمام» (رواه الترمذي واللفظ له وصححه الألباني في صحيح الجامع).
وعن أبي هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا جئتم إلى الصلاة ونحن سجود فاسجدوا، ولا تعدوها شيئًا، ومن أدرك فقد أدرك الصلاة» (رواه أبو داود واللفظ له وحسنه الألباني في صحيح أبي داود).
ولعل الحكمة في ذلك ما ذكره الترمذي رحمه الله تعالى قائلاً: وذكر عن بعضهم فقال: لعله لا يرفع رأسه في تلك السجدة حتى يغفر له.اهـ (سنن الترمذي).
(ثانيًا) أنه كلما كثر عدد المصلين في الصلاة فهو أحب إلى الله عز وجل لحديث أبي بن كعب رضى الله عنه السابق، ولا شك بأن الجماعة الأولى ستكون أكثر عددًا.
(ثالثًا) لوجـود خـلاف معتبر بين العلمـاء في مـدى جـواز إقـامة جماعـة ثانيـة في المسجـد غير المسجـد المطـروق في السفـر.
كما يزداد ثواب هذه الصلاة لو كانت في الحرمين الشريفين، فثوابها في الحرم المكي أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه، وفي المسجد النبوي أفضل من ألف صلاة فيما سواه، حيث روى جابررضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «صلاة في مسجدي أفضل من ألف صلاة فيما سواه، إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه» (البخاري ومسلم).
وأما المرأة فقد حثها النبي صلى الله عليه وسلم إذا رغبت في تكثير حسناتها وتثقيل ميزانها أن تؤدي صلاتها في بيتها، حيث روى عبد الله بن مسعود رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن أحب صلاة المرأة إلى الله في أشد مكان في بيتها ظلمة» (قال الألباني في صحيح الترغيب الترهيب: حسن لغيره).
وعن أم حميد امرأة أبي حميد الساعدي رضي الله عنهما أنها جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إني أحب الصلاة معك، قال: «قد علمت أنك تحبين الصلاة معي، وصلاتك في بيتك خير من صلاتك في حجرتك، وصلاتك في حجرتك خير من صلاتك في دارك، وصلاتك في دارك خير من صلاتك في مسجد قومك، وصلاتك في مسجد قومك خير من صلاتك في مسجدي» قال: أمرت فبني لها مسجد في أقصى شيء من بيتها وأظلمه، وكانت تصلي فيه حتى لقيت الله عز وجل (حسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب).
[4] انتظار الصلاة بعد الصلاة:
روى أنس بن مالك رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع الدرجات؟» قالوا: بلى يا رسول الله، قال: «إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط، فذلكم الرباط» (مسلم).
إن أيسر الأوقات لانتظار الصلاة بعد الصلاة دون مشقة هو ما بين صلاة المغرب والعشاء، وأولى الناس من يبادر إلى هذا الفضل هم كبار السن الذين لا يشغلهم في الغالب كثير عمل، فكثير منهم تراه جالسًا بعد صلاة المغرب عند مقدمة بيته أو في داخله ليس لديه أي نشاط وإنما يشرب القهوة والشاي انتظارًا لصلاة العشاء، ولو أنه جلس يذكر الله تعالى منتظرًا الصلاة، ولو أن يأتي بالقهوة والشاي معه فيشربها هناك، لكان أعظم لثوابه، ولربما اقتدى به غيره فكانوا في ميزان حسناته.
[5] بر الوالدين:
روى أبو هريرة رضى الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستأذنه في الجهاد فقال: «أوحي والداك»؟ قال: نعم، قال: «ففيهما فجاهد» (البخاري ومسلم).
وجاء رجل إلى ابن عباس رضي الله عنهما فقال: إني خطبت امرأة فأبت أن تنكحني، وخطبها غيري فأحبت أن تنكحه، فغرت عليها فقتلتها، فهل لي من توبة؟ قال: أمك حية؟ قال: لا، قال: تب إلى الله عز وجل وتقرب إليه ما استطعت، قال عطاء بن يسار: فذهبت فسألت ابن عباس: لم سألته عن حياة أمه؟ فقال: إني لا أعلم عملاً أقرب إلى الله عز وجل من بر الوالدة (رواه البخاري في الأدب المفرد وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد).
ومن بر الوالدين أيضا صلة أصحابهما من بعدهما، حيث روى عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رجلاً من الأعراب لقيه بطريق مكة، فسلم عليه عبد الله، وحمله على حمار كان يركبه، وأعطاه عمامة كانت على رأسه، فقال ابن دينار: فقلنا له: أصلحك الله إنهم الأعراب، إنهم يرضون باليسير فقال عبد الله: إن أبا هذا كان ودًا لعمر بن الخطاب، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن أبر البر صلة الولد أهل ود أبيه» (مسلم).
وروى أبو بردة رضى الله عنه قال: قدمت المدينة، فأتاني عبد الله بن عمر فقال: أتدري لم أتيتك؟ قال: قلت: لا، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من أحب أن يصل أباه في قبره؛ فليصل إخوان أبيه بعده» وإنه كان بين أبي عمر وبين أبيك إخاء وود، فأحببت أن أصل ذاك (حسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب ).
فعلينا معشر الأبناء أن نحرص على صلة أقارب والدينا، وكذلك أهل ودهما، فهو من البر الذي يحبه الله تعالى.
[6] العمل على الصدقة:
روى رافع بن خديج رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «العامل على الصدقة بالحق، كالغازي في سبيل الله حتى يرجع إلى بيته» (صححه الألباني في صحيح الجامع).
مختارات