تابع " استراحة سلفية إيمانية "
تابع " استراحة سلفية إيمانية "
أما الصحابة فمواقفهم أكثر من أن تُحصر؛ فهذا أبو بكر ينفق ماله كله في سبيل الله لتجهيز جيش المسلمين، ويقول له الرسول صلى الله عليه وسلم: «ماذا أبقيت لأهلك؟ يقول: أبقيت لهم الله ورسوله» (انظر: صفة الصفوة والصحيح المسند من فضائل الصحابة لمصطفى العدوي) وكذلك يضحي بنفسه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزواته.
وهذا عمر يضحي بنصف ماله رضى الله عنه (انظر: صفة الصفوة والصحيح المسند من فضائل الصحابة لمصطفى العدوي) بل وبنفسه حين كانت الدعوة سرية؛ فجهر بإسلامه وتحدى المشركين عند الكعبة (صفة الصفوة) وتقاتل معهم، وعند الهجرة قصته وتحديه للمشركين معلومة أيضًا.
وهذا عثمان يجهز قافلة كاملة في جيش العسرة (صفة الصفوة وانظر: صحيح المسند من فضائل الصحابة مصطفى العدوي) يوم تبوك، وينفق ذات مرة، فيقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «ما على عثمان عمل بعد هذا» (رواه الإمام أحمد والترمذي المشكاة) وفي رواية: «ما ضر عثمان ما صنع بعد اليوم».
وهذا علي يضحي بنفسه ليلة الهجرة (انظر: تهذيب سيرة ابن هشام لعبد السلام هارون) وكذلك ابن عوف وابن عمر رضى الله عنهم، وكذلك الليث بن سعد، وابن المبارك، وزين العابدين (انظر: قصصهم في سير أعلام النبلاء وصفة الصفوة والبداية والنهاية وحلية الأولياء وغيرها) وغيرهم من المنفقين في سبيل الله؛ شهدت لهم الدنيا بأسرها في كثرة إنفاقهم في سبيل الله على المجاهدين، وطلبة العلم، والفقراء، والمساكين، والمحتاجين، ومواساتهم، ونحو ذلك مما يعجز عنه وصف الواصفون.
وهذا صهيب رضى الله عنه ينطلق مهاجرًا فيلحق به أهل قريش، ويريدون رده عن اللحاق برسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول لهم: «تعلمون أني أرماكم للسهم فإن شئتم رميتكم بسهامي» فقال الماديون أهل مطامع الأرض: أتيتنا فقيرًا ! ثم ما لبثت إلا وكثر مالك، وعظمت تجارتك! فوالله لا نتركك تذهب بهذا المال، قال: أما وقد أردتم المال فإليكموه، فهو في مكان كذا وكذا، ثم انطلق مهاجرًا إلى رسول الله وهذا صهيب صلى الله عليه وسلم.
أتدري – أخي القارئ الحبيب – ماذا قال رسول الله له، قال: «ربح البيع أبا يحيى! ربح البيع أبا يحيى» (رواه الحاكم وصححه الذهبي، انظر: المستدرك والصحيح المسند من فضائل الصحابة) بل قال أنس رضي الله عنه: إن الآية نزلت فيه، وهي قوله تعالى: " وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ " [البقرة: 207] ضحى بماله، وتجارته، ودنياه في سبيل الله؛ حتى لا تكون سببًا في بقائه، وحيلولة بينه وبين الاستقامة على شرع الله والاستجابة لأمر الله بالهجرة !
وهذا حنظلة بن عامر (انظر: صفة الصفوة) وما أدراك ما حنظلة؟ غسيل الملائكة رضى الله عنه يضحي بزوجته في ليلة زفافه من أجل الحفاظ عى دين الله والاستقامة على شرعه، يدخل على زوجته الجميلة ويبيت معها ويقضي وطره منها، وقبل أن يغتسل من الجنابة! يسمع منادي الجهاد وداعي رسول الله: حي على الجهاد، حي على الجهاد، يا خيل الله اركبي، فينطلق ملبيًا مستجيبًا نداء رسول الله كما قال تعالى: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ " [الأنفال: 24] فحياتكم وعزكم وسعادتكم في الجهاد فينطلق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ويجاهد ويقتل في سبيل الله ولما يغتسل فما هي الجائزة؟ يقول صلى الله عليه وسلم فيما ثبت عنه: «لقد رأيت الملائكة تغسله في صحاف من ذهب من ماء المزن بين السماء والأرض» (انظر: «السنن» وهو صحيح، وانظر: «صحيح المسند من فضائل الصحابة» للعدوي) فيا لها من نعمة، ويا له من فضل، وأنعم وأكرم بها من سعادة وغسل طاهر !
وهذا حمزة رضى الله عنه عم الرسول صلى الله عليه وسلم يترك قريشًا وكبرياءها وغطرستها، ويسلم لله رب العالمين، ويكون من أوائل المدافعين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويبذل الغالي والنفيس نصرة لدين الله حتى يقتل شهيدًا ثابتًا، فيكون سيد الشهداء ويكون – أيضًا – غسيل الملائكة كما قال صلى الله عليه وسلم: «لقد رأيت الملائكة تغسل حمزة» (أحكام الجنائز للألباني والإرواء والحديث حسنه الألباني في صحيح الجامع وأما حديث سيد الشهداء حمزة فهو في صحيح الجامع).
وهذا جليبيب وقصته مشهورة معروفة، صحابي جليل لم يرزق وسامة في وجهه ولا شكله، ولم يكن ذا نسب وحسب، وتردد على بيوت الصحابة كثيرًا للزواج، فلم يجد من يزوجه ! لنسبه وشكله ولونه رضى الله عنه ! فيرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيت من أحسن البيوت نسبًا ولخطبة فتاة جميلة ذات نسب وحسب؛ بل يقول صلى الله عليه وسلم لأبيها زوجني ابنتك! ويقصد بذلك تزويج جليبيب رضى الله عنه ! وبعد محاولات يعقد عليها وفي ليلة زفافه وقبل أن يدخل بها يسمع منادي الجهاد: يا خيل الله اركبي حي على الجهاد ولأنه محافظ على الصلاة لم يخن حي الجهاد.
من خان حي على الصلاة يخون حي على الجهاد
يضحي بها ويشتري بمهرها «وهو صدقة عليه من ابن عوف وغيره» فرسًا ورمحًا فيقاتل ويقاتل حتى قتل في سبيل الله، فيسأل عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من تفقدون؟» يقولون: نفقد فلانًا وفلانًا وفلانًا من المشهورين المعروفين وهو غير معروف للبشر ويكفيه معرفة رب البشر له، فيقول صلى الله عليه وسلم: «من تفقدون؟» مرة أخرى، يقولون: فلانًا، وفلانًا، فيقول: «ولكن أفقد جليبيًا !» فيبحث عنه فيجده خلف سفح مجندلاً وحوله سبعة من فرسان الكفر قد أرداهم صرعى، ثم استشهد، فيرفعه رسول الله صلى الله عليه وسلم ويضعه على يديه ويقول: بأبي هو وأمي: «اللهم هذا مني وأنا منه، اللهم ارض عنه» (القصة أصلها في مسلم) فأي بذل هذا؟! وأي تضحية هذه؟! ثم أي شهادة أعظم من شهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم له؟!
وهذا ابن رواحة رضى الله عنه في غزوة مؤتة يتقدمه زيد بن ثابت فيقتل شهيدًا أمام عينه، وهذا مؤثر في نفس الجندي؛ أن يُقتل أميره، ثم يحمل الراية جعفر الطيار رضى الله عنه (جعفر بن أبي طالب) فتقطع يمينه، فيحمل الراية بشماله، فتقطع أيضًا، فيحملها بعضديه، ويضم الراية بصدره (تهذيب سيرة ابن هشام) ثم يستشهد أيضًا، أما ابن رواحة، وقبل استشهاده ينشد ويرجز في فرح وسرور ما بعده سرور، ومن ذاق عرف، ومن جرب علم:
يا حبذا الجنة واقترابهــــا طيبـة وبارد شرابهـــــــا
والروم روم قد دنا عذابها على إن لاقيتها ضرابهـا
وبعد استشهاد أخوين أمامه واستلامه القيادة والراية، وعددهم لا يتجاوز الآلاف الثلاثة أمام مائة ألف تقريبًا، فلا مقارنة مطلقًا، ومع ذلك لما استشعر الجنة ونعميها وما أعده الله فيها يقسم على نفسه ويحثها على الاستقامة والثبات وعدم التردد:
أقسمــت يا نفـــــس لتنزلـــن لتنزلـــــــــن أو لتكــرهـــن
إن أجلب الناس وشدوا الرنَّه مالي أراك تكرهين الجنة
قد طال ما قد كنت مطمئنـــة هل أنت إلا نطفة في شنة
ثم قال:
نفس إلا تقتلي تموتي هذا حمام الموت قد صليت
وما تمنيت فقد أعطيت إن تفعلي فعلهما هديت
أي: فعلَ صاحبَيْه زيد وجعفر – رضي الله عنهما؛ فيقاتل بشجاعة وجرأة حتى استشهد رضى الله عنه (صفة الصفوة، انظر: الصحيح المسند من فضائل الصحابة للعدوي وانظر: تهذيب السيرة).
وهذا عمير بن الحمام في غزوة بدر الكبرى لما سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أعده الله في الجنة للمجاهد، وأنه ليس بينه وبينها إلا أن يقتل صابرًا محتسبًا مقبلاً غير مدبر مخلصًا لله: «قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض» قال عمير رضى الله عنه: بخ بخ !! (وهي كلمة تعجب وتفخيم للأمر) فقال صلى الله عليه وسلم: «ما حملك على قولك هذا؟» قال: لا والله ما حملني إلا رجاء أن أكون من أهلها، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: «أنت منهم» فلما سمع هذا الوعد وصدق به أخرج تمرات كانت في جعبته، فألقاها خلفه وقال: والله إنها لحياة طويلة إن أبقاني الله حتى آكل هذه التمرات (القصة في صحيح مسلم) ثم انطلق قائلاً:
ركضًــــــا إلى الله بغيــــر زاد إلا التقى وعمل المعاد
والصبر في الله على الجهاد وكل زاد عرضة للنفاد
غير التقى والبر والرشاد
" وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى " [طه: 84]. فقاتل حتى قُتل شهيدًا في سبيل لله.
وهذا حرام بن ملحان رضى الله عنه لما طعنه الكافر قال: «الله أكبر ! فزت ورب الكعبة» (انظر: صحيح البخاري، وأما إسلام قاتله فذكرها ابن حجر في الفتح وليست في الصحيح) أي: بالجنة ونعيمها ورضى الله عز وجل ورؤيته التي هي أعظم الفوز.. قالها ثقة بالله ورجاء لما عنده تعالى، فكانت هذه الكلمات الثلاث سببًا في إسلام طاعنه ! وقد قُتل هو الآخر شهيدًا، فيا سبحان الله كم للاستقامة من أثر على الفرد وغيره من أسرة ومجتمع وأمة.
ولما شغلت يد صاحبها عن أن يستمر في الجهاد تخلص منها حتى لا تعوقه عن استمرارية الجهاد، أتدرون من هو؟!
إنه معاذ بن عمرو بن الجموح.. ابن الأعرج الذي أقسم أن يطأ بعرجته الجنة وهو معذور فقاتل حتى استشهد " ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ " (انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي، وانظر: الصحيح المسند من فضائل الصحابة للعدوي).
أقول: هذا معاذ يرى أبا جهل ومعه كوكبة من الفرسان لتحميه فيحاول الدخول إلى أبي جهل... ويفعل – رضي الله عنه – ثم يضرب أبا جهل في فخذه ويقطعها مع ساقه، فبادره عكرمة بن أبي جهل بضربة في يده فقطعها، فأصبح يجر يده معه، وآلمته وهو يسحبها فلما رأى أنها ستشغله عن مواصلة القتال وطأ عليها بقدمه ورماها خلفه (انظر: سير أعلام النبلاء) !! سبحان الله ! عضو من أعضائه !! يده... يرميها ويطأ عليها ! لماذا؟ وقد كان يستطيع الذهاب للمؤخرة مؤخرة الصف ويعالج نفسه، أو يستريح من عناء المعركة، ويخفف على نفسه من آلام القطع ولكنه أبى إلا أن يطأها فما السبب؟ السبب، وهو من أعجب العجب، إنه الإيمان يصنع أكبر من ذلك ! إنه خشي أنها ستشغله عن المواصلة والاستمرار على الجهاد والقتال في بدر... ومع ذلك كله... ماذا حصل له؟ هل مات؟! لقد عاش بعد ذلك حتى زمن عثمان – رضي الله عنه ! لتعلم أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها.
أقول: ضحَّى بيده بعضو من أعضائه... فكيف بمن شغله البيع والشراء والعقار والدور والمال والولد عن طاعة الله عز وجل؟! قال تعالى: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ " [المنافقون: 9].
بل انظر إلى الأسئلة التي يسألها أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتي تدل على الهمة العالية، كما قال البحتري:
نفس تضـيء وهمـة تتوقـد
فهذا عوف بن عفراء (وهو أحد سبعة من أبناء عفراء رضي الله عنها، شاركوا في غزوة بدر) يأتي ويسأل النبي صلى الله عليه وسلم: «ما يضحك الله من العبد؟» وإذا ضحك الله من عبد فلا حساب عليه يوم القيامة (ضحكًا يليق بجلاله وكماله صفة نثبتها لله عز وجل دون تمثيل ولا تأويل ولا تحريف كما هو معتقد أهل السنة والجماعة والسلف الصالح رضي الله عنهم) فيقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «غمسة يده في العدو وهو حاسر». فينزع درعه ويكسر غمده ويقاتل حتى استشهد في سبيل الله عز وجل (انظر: سير أعلام النبلاء) والأمثلة في ذلك كثيرة جدًا نحتاج إلى مجلدات لتدوينها في تضحياتهم وبذلهم في سبيل الله والحفاظ على دينه:
كن كالصحـابة في زهد وفـــي القوم هم ما لهم في الناس أشباه
عباد ليل إذا جن الظـلام بهــــم كم عابد دمعه على الخد أجراه
وأسد غابة إذا نادى الجهاد بهم هبوا إلى الموت يستلقون رؤياه
يا رب فابعث من مثلهــــم نفـــرًا يشيدون لنا مجدًا أضعناه
أولئك الصحابة رضى الله عنهم الذين يقتدى بهم، ويُسارُ على منهجم، وتبعهم بعد ذلك السلف الصالح رضى الله عنهم فتشبهوا بهم في عقيدتهم، وعباداتهم، ومعاملاتهم، وأخلاقهم، وجهادهم، ودعوتهم؛ فهذا الإمام أحمد بن حنبل؛ كيف ثبت الله به الأمة يوم فتنة خلق القرآن، وحفظ الله بالسنة، فكان – بحقًّ – إمام أهل السنة والجماعة.
وهذا شيخ الإسلام ابن تيمية... يصمم ويصر على الاستقامة الشرعية مهما فُعل به، فيقول: «ماذا يصنع أعدائي بي؟ أنا جنتي وبستاني في صدري ! أينما رحت فهي معي، إن قتلوني فقتلي شهادة، وإن سجنوني فسجني خلوة، وإن أخرجوني عن بلدي فهي سياحة ! فهو مصمم على مواصلة الطاعة والاستقامة على الشرع في كل الأحوال والظروف والأمكنة حتى الممات، وفي الوقت نفسه رفض أن يتعرض أحد تلاميذه ومحبيه لمن آذاه وتعرض لسجنه؛ لأنه يعمل لله لا لنفسه – رحمه الله – كما في رسالته من السجن لتلاميذه (انظر: رسالته في مجموع الفتاوى).
وهذا شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب في استقامته ودعوته وصبره وجهاده أمام القبوريين والوثنيين، والمبتدعة الضالين، فصبر على العلم والتعليم والدعوة للتوحيد والنصح والجهاد، حتى كانت الثمرة العظيمة، وهي تطهير الجزيرة العربية من الشرك والوثنية، ومن ثم قيام الدولة السعودية التي لا زلنا نتفيأ ظلالها بفضل الله تعالى ثم تحكيمها لشرع الله والدعوة إليه... تلك الدولة التي قامت على الكتاب والسنة وهدي السلف الصالح، وهذا هو عزّها وفلاحها... نسأل الله أن يحفظ علينا ديننا وأمننا وأن يصلح أحوالنا والمسلمين جميعًا في كل مكان، وأن يوفق الراعي والرعية للثبات على الدين والاستقامة عليه، إنه سميع مجيب.
وهذا سماحة الإمام الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله – يضرب أروع المثل في الاستقامة على التوحيد والعلم والعمل والدعوة والكرم والبذل والسخاء وسماحة النفس وحمل هموم المسلمين والهمة العالية في ذلك كله حتى آخر لحظة من حياته – رحمه الله تعالى -(انظر: كتاب «الإنجاز في سيرة الإمام ابن باز») وغيرهم ولله الحمد كثير؛ فهل عند الشرق والغرب أمثال هؤلاء؟!!
أولئك آبائي فجئني بمثلهم إذا جمعتنا يا جرير المجامع
ماذا نقول وعمن نكتب من السلف! فحياتهم مليئة بالقصص التي نفخر بها ونعتز... كل ذلك فعلوه وقدموه لمَّا علموا أهمية الاستقامة وما أعده الله لأهلها من نعيم مقيم وسعادة دائمة في الدارين، فهانت لذلك الدنيا عندهم ورخصت، وباعوا الدنيا كلها؛ بل حتى أنفسهم، لله – عز وجل -؛ لأن الله اشتراها منهم وهي ملك له – عز وجل – وكل هذا نعمة منه وفضل.
أما نحن فقد صعبت وشقت علينا الاستقامة؛ ومن ثمَّ قلَّت التضحيات، وضعف البذل للدين؛ سواء بنشر العلم أو الدعوة إلى التوحيد أو غير ذلك؛ إلا عند من رحم الله؛ لأن القلوب تعلقت بالدنيا، وتغلغلت الدنيا في القلوب ! ولهذا أصابنا الوهن ولم نستطع مواجهة الأعداء، والوهن «حب الدنيا، وكراهية الموت والقتال في سبيل الله» كما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث ثوبان (حديث صحيح انظر: صحيح الجامع).
نسأل الله أن يجعل الدنيا في أيدينا وأن لا يجعلها في قلوبنا، وأن لا يجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا إلى النار مصيرنا، وأن يجعل الجنة هي دارنا، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
مختارات